آخر الأخبار

القوات الأميركية تهاجم قبالة سواحل فنزويلا: هل تقترب الحرب؟

شارك
فنزويلا تتهم واشنطن بعدوان شامل

لم تعد السواحل الفنزويلية مجرّد خطوط حدودية عابرة في البحر الكاريبي. العمليات العسكرية الأميركية المتزايدة، والتشكيلات البحرية التي حشدتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، دفعت كاراكاس إلى اتهام واشنطن بشن "عدوان شامل" يستهدف إسقاط النظام والسيطرة على مقدرات البلاد.

في المقابل، تردّ واشنطن بأنها تخوض حرباً ضد المخدرات والإرهاب، محذرة من ارتباطات بين النظام الفنزويلي، إيران، و حزب الله.

ما بين الروايتين، تتضح خريطة مواجهة جيوسياسية تتجاوز حدود فنزويلا لتصل إلى قلب الصراع الدولي على النفوذ في نصف الكرة الغربي.

واشنطن وفنزويلا.. مواجهة على حافة الانفجار

الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو صعّد لهجته بشكل غير مسبوق، متهماً الولايات المتحدة بتنفيذ ضربة عسكرية ممنهجة ضد قوارب بلاده، في محاولة لإسقاط النظام وتقويض السيادة الوطنية.

لم يكتف مادورو بالتصعيد الكلامي، بل لوّح باستعداده لإعلان " الكفاح المسلح"، داعياً ملايين الفنزويليين لتعلّم استخدام السلاح تحسباً لهجوم محتمل.

في المقابل، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمرة الثانية استهداف قارب فنزويلي متهم بتهريب المخدرات، مؤكداً مقتل 3 من المهربين، ووجّه رسائل تحذيرية مباشرة لمادورو.

ترامب حمّل النظام الفنزويلي مسؤولية إرسال "أعضاء عصابات من السجون إلى الولايات المتحدة"، مؤكداً أن بلاده لن تتسامح مع ما وصفه بـ"تجارة المخدرات وغسيل الأموال".

التوتر يبلغ ذروته.. تشكيلات عسكرية غير مسبوقة

التحركات الأميركية في البحر الكاريبي لم تقتصر على حادثة استهداف القارب. في أغسطس الماضي، أرسلت إدارة ترامب 8 سفن حربية إلى المنطقة، بينها 3 مدمرات صاروخية موجهة، سفينة هجومية برمائية، طراد صاروخي، وغواصة هجومية تعمل بالطاقة النووية.

هذا الحشد العسكري عكس جدية أميركية في التعامل مع الملف الفنزويلي، في سياق بدا أنه يتجاوز مجرد مكافحة المخدرات.

تقارير غربية رأت أن العمليات الأميركية تمثل جزءاً من حملة أوسع تستهدف شبكات تمويل مرتبطة بإيران وحزب الله.

الهدف، وفق هذه القراءات، لا يقتصر على تقليص نفوذ مادورو، بل يمتد إلى احتواء الدور الإيراني في أميركا اللاتينية ومنع استخدام النفط الفنزويلي كأداة للالتفاف على العقوبات المفروضة على طهران.

مادورو.. من خطاب الدفاع إلى استدعاء "المقاومة"

في مواجهة هذا التصعيد، لم يترك مادورو هامشاً للشك بشأن قراءته للأحداث. اعتبر أن واشنطن تستخدم مكافحة المخدرات كغطاء لمحاولة فرض تغيير سياسي بالقوة، عبر السيطرة على النفط الفنزويلي وإزاحته من الحكم.

خطابه الأخير اتخذ طابعاً تعبويّاً، إذ دعا إلى استعداد شعبي واسع لمواجهة أي تدخل محتمل، مؤكداً أنه سيعلن "المقاومة المسلحة" إذا اقتضى الأمر.

هذا التحشيد الداخلي يبدو أنه يراهن على خطاب السيادة ومخاطبة الحس الوطني لدى الفنزويليين، لكنه في الوقت نفسه يربط مصير فنزويلا بالصراع العالمي الأوسع بين الولايات المتحدة ومحور إيران– روسيا– الصين.

الرواية الأميركية.. المخدرات والإرهاب في قلب الأزمة

قدّم سكوت أولنغر، الضابط السابق في وكالة الاستخبارات الأميركية والبحرية الأميركية خلال حديثه إلى "التاسعة" على سكاي نيوز عربية قراءة مختلفة، إذ وصف مادورو بالدكتاتور الذي يواصل سياسة التهريب، مؤكداً أن أقل من 500 طن من المخدرات تمر سنوياً عبر فنزويلا إلى الولايات المتحدة.

اعتبر أولنغر أن واشنطن بدأت للمرة الأولى منذ 25 عاماً بالالتفات إلى الخطر القادم من أميركا اللاتينية، مشدداً على أن العمليات الأميركية في المياه الدولية قانونية وتركّز على ضرب الإرهابيين.

كما وجّه انتقادات قاسية لإدارات أميركية سابقة، خاصة إدارة باراك أوباما، التي – بحسب قوله – سمحت بتوسع أنشطة حزب الله ولم تُعر الأمر اهتماماً كافياً.

إيران وحزب الله.. الحاضر الغائب في الكاريبي

المعادلة لا تقتصر على المخدرات، وفق مصادر أميركية وغربية، ما يجري في الكاريبي يعكس محاولة مباشرة لتفكيك شبكات تمويل مرتبطة بإيران وحزب الله، والتي يُعتقد أنها وجدت في أميركا اللاتينية بيئة مناسبة للانتشار والتمويل.

واشنطن ترى أن هذه الشبكات تشكّل خطراً مباشراً على أمنها القومي، عبر ربط تجارة المخدرات بالنشاطات الإرهابية، وهو ما يفسّر إدراج فنزويلا ضمن "قائمة الأهداف".

هذه القراءة تعني أن كاراكاس تُعامَل الآن كجزء من جغرافيا المواجهة بين واشنطن وطهران، وليست مجرد دولة تعاني أزمة داخلية أو عقوبات اقتصادية.

البعد الصيني.. عقيدة مونرو تعود إلى الواجهة

الأمر لا يتوقف عند إيران وحزب الله. أولنغر أشار إلى أن الصين أصبحت لاعباً أساسياً في المنطقة، خصوصاً عبر استثماراتها المتزايدة في قناة بنما.

ووفق حديثه، فإن ترامب حذر بكين من التوسع في أميركا اللاتينية، ملوحاً بالعودة إلى " مبدأ مونرو"، الذي يقوم على منع أي نفوذ خارجي في نصف الكرة الغربي.

هذه المقاربة تُظهر أن واشنطن تنظر إلى المواجهة الحالية مع فنزويلا كجزء من معركة أكبر ضد تمدد الصين، بالتوازي مع مواجهة النفوذ الروسي والإيراني. وبالتالي، تصبح كاراكاس عقدة جيوسياسية ثلاثية الأبعاد: المخدرات والإرهاب، النفوذ الإيراني–الروسي، والاختراق الاقتصادي الصيني.

حسابات داخلية وخارجية.. معركة مفتوحة

بالنظر إلى خطابات مادورو وترامب، يتضح أن الطرفين يستخدمان التصعيد لغايات أبعد من المواجهة البحرية.

مادورو يحاول تثبيت شرعيته عبر استدعاء خطاب المقاومة والتهديد بالتصعيد العسكري، فيما يوظف ترامب الملف في سياق حملته على "الدكتاتوريات" و"مكافحة الإرهاب والمخدرات"، مقدّماً نفسه كأول رئيس أميركي يتحرك بجدية ضد هذا الخطر.

لكن خلف هذه الحسابات، يظهر أن الأزمة تتجاوز ثنائية واشنطن–كاراكاس. فنزويلا أصبحت ساحة اختبار لمدى قدرة الولايات المتحدة على فرض معادلة ردع في نصف الكرة الغربي، في مواجهة خصومها التقليديين.

في ظل هذا التوتر المتصاعد، يبدو أن فنزويلا دخلت فعلياً دائرة الاشتباك الجيوسياسي بين واشنطن ومحور إيران–روسيا–الصين. مادورو يرفع راية "المقاومة المسلحة" دفاعاً عن سيادته، بينما تصر واشنطن على روايتها بأن المواجهة تستهدف المخدرات والإرهاب.

بين الروايتين، يبقى السؤال قائماً: هل نحن أمام حرب جديدة بالوكالة في الكاريبي، أم أمام ضغط أميركي محسوب لإسقاط آخر قلاع "الممانعة" في نصف الكرة الغربي؟.

سكاي نيوز المصدر: سكاي نيوز
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا