في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
لم تنجح المنظومة الأميركية بأجنحتها الأمنية والإعلامية في تقديم سردية مقنعة للشعب حول تفجيرات برجي مركز التجارة العالمي. وعبر 24 عاما مرت على الحدث الذي غير وجه العالم، واهتز له الكيان الأميركي بأكمله، يولد كل عام العديد من الأسئلة التي لا تجد إجابات مقنعة. ويأتي في هذا العام الإعلامي الأميركي المحافظ تاكر كارلسون، ليفتح الباب على الأسئلة القديمة بإجابات جديدة في سلسلة من الوثائقيات تحت عنوان "ملفات 11 سبتمبر"، ويعد بتحطيم الرواية الرسمية للحكومة الأميركية عن الحادث الذي أدى إلى قتل ما يقرب من 3 آلاف شخص.
السلسلة التي كان مقررا أن تُعرض اليوم على منصة "تاكر كارلسون نتوورك" (TCN)، ولكن تقرر تأجيل عرضها، طبقا لما أعلنه كارلسون، إذ قال على موقعه: "ننضم إلى كل من حزن على وفاة تشارلي كيرك ونؤجل إصدار "ملفات 11 سبتمبر". شكرا لتفهمكم". وكان كيرك قد قُتل خلال فعالية جامعية في ولاية يوتا.
وينتقل كارلسون -في السلسلة الوثائقية- من معسكر مؤيدي الرواية الرسمية الأميركية لتفجيرات مركز التجارة العالمي إلى واحد من أشد المدافعين عن السيناريو البديل الذي يشير بوضوح إلى تورط وتقصير وإهمال ومؤامرة تمت من قبل المؤسسات الأميركية المسؤولة.
واشتهر الإعلامي الأميركي تاكر كارلسون بأناقته، وبكونه الوجه الأبرز والأعلى مشاهدة في قناة "فوكس نيوز" المحافظة والمؤيدة على طول الخط لليمين الأميركي، ولم يكن كارلسون يختلف في ذلك عن قناته، إلى أن استقال منها عام 2023 إثر خلافات سياسية ومهنية.
ولم يشكك الإعلامي اليميني أبدا في الرواية الرسمية الأميركية عن تفجيرات مركز التجارة العالمي، بل رفض نظرية "المؤامرة"، وهاجم شخصيات مثل الإعلامي اليميني أيضا أليكس جونز حين طرح تساؤلات عن تورط الحكومة أو أجهزة الاستخبارات، ووصف كارلسون ما طرح من تساؤلات بأنها "كسل فكري" و"تجارة بالخوف".
أسس كارلسون منصته الخاصة بعد خروجه من فوكس عام 2023 بدعم من مجموعة مستثمرين محافظين، لتتغير لهجته تماما، وبدا ذلك واضحا في لقاء مطول أجراه في أبريل/نيسان الماضي مع النائب الجمهوري السابق كيرت ويلدون، والذي سبق أن كشف عن شكوكه العميقة في تحقيقات لجنة 11 سبتمبر/أيلول. وحققت المقابلة 1.7 مليون مشاهدة على اليوتيوب، وكانت الشرارة الأولى لفكرة السلسلة الوثائقية.
وأصبح الإعلامي الذي كان يسخر من المشككين ويطالبهم بإثبات شكوكهم يرى أن على الحكومة الأميركية تفسير الثغرات التي تحيط بالهجمات، ومنها نقل أنقاض مركز التجارة العالمي بسرعة غريبة إلى الخارج، والرهانات المالية المشبوهة على شركات الطيران، وإعلان شبكة سي إن إن عن انهيار المبنى رقم 7 قبل انهياره أو ضربه من الأصل. وفي ظهوره الأخير مع المذيع البريطاني "بيرس مورغان"، وصف كارلسون السلسلة الوثائقية بأنها واجب أخلاقي وقال: "لما يقرب من 25 عاما، حُجبت القصة الحقيقية لأحداث 11 سبتمبر/أيلول عن الشعب الأميركي. لماذا؟ قررنا أن نكتشف ذلك بأنفسنا".
من الصعب تجاوز النائب الجمهوري السابق كيرت ويلدون حين يتعلق الأمر بملفات 11 سبتمبر/أيلول، فهو الرجل الذي دفع مشواره السياسي ثمنا لأسئلة صعبة طرحها على لجنة التحقيق والإعلام والمسؤولين في ذلك الوقت متحديا الرواية الرسمية. ويلدون، الذي يبلغ 78 عاما، كان عضوا جمهوريا في الكونغرس عن ولاية بنسلفانيا، ونائب رئيس لجنتي القوات المسلحة والأمن الداخلي.
بدأت صحوة ويلدون -طبقا لما صرح به في المقابلة- قبل أحداث 11 سبتمبر/أيلول، عندما راودته شكوك حول معلومات استخباراتية "معيبة" من وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفدرالي، بما في ذلك مزاعم حول مكان وجود أسامة بن لادن، والتي يصفها الآن بأنها تلفيقات صريحة. قال لكارلسون: "تتلاعب الوكالة بالكونغرس. يريدون من أعضائها أن يتقاتلوا على أمور تافهة ليفعلوا ما يشاؤون".
وبصفته رجل إطفاء سابقا، كان يملك صلاحية الاطلاع على الملفات الاستخباراتية والأمنية. وبالتدريج بدأ بطرح الأسئلة، ثم بدأ التشكيك في صحة المعلومات التي قُدمت للكونغرس عن مواقع أسامة بن لادن وانتشار تنظيم القاعدة. وتجاوز كيرت ويلدون الحدود حين تحدث عن "إيبل دانجر" (Able Danger)، وهي عملية أطلقها البنتاغون عام 1999 بهدف تتبع الشبكات الإرهابية عبر تحليل ضخم للبيانات. وقد أثارت العملية جدلا واسعا بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، إذ قال ضباط شاركوا فيها إنهم حددوا اسم محمد عطا، أحد منفذي الهجمات، قبل عام 2001، لكن المعلومات لم تُنقل إلى مكتب التحقيقات الفدرالي بسبب قيود بيروقراطية. لجنة التحقيق الرسمية شككت في هذه الرواية واعتبرت الأدلة غير كافية، إلا أن استمرار الحديث عن العملية يفتح الباب أمام أسئلة حول ما إذا كان تجاهل نتائجها يمثل تقصيرا أم قرارا متعمدا.
ودفع كيرت ويلدون ثمن تمرّدهن؛ إذ داهم مكتب التحقيقات الفدرالي منزل ابنته عام 2006، في قضية مرتبطة بعقود ضغط سياسي، تمت تبرئتها منها فيما بعد، لكن الحملة الإعلامية التي صاحبت القبض على الابنة واتهامها كانت كافية لإنهاء مسيرته الانتخابية. وعلق على ذلك قائلا: "كانت رسالة واضحة مفادها أن من يقترب من ملفات 11 سبتمبر/أيلول يُعاقب".
لم يتوقف النائب الجمهوري السابق، بل أشار في مقابلته الجديدة التي تعرض ضمن السلسلة إلى أن هناك احتمالا أن يكون بعض الخاطفين عملاء لوكالة المخابرات المركزية، وقال عن انهيار المبنى 7: كانت عملية "هدم مدبرة".
يتضمن العمل 5 حلقات طويلة، مدة الواحدة منها نحو ساعة ونصف، واعتمد فريق الإنتاج على مقابلات مطولة مع ويلدون، وشهادات رجال إطفاء ومسؤولين سابقين، ومقاطع أرشيفية نادرة، ويشير العرض الترويجي للسلسلة إلى "حقائق مهملة"، ويطرح أسئلة من نوعية لماذا لم تصل بعض المعلومات الاستخباراتية الحساسة إلى وزارة العدل؟ وكيف تم نقل بقايا مباني مركز التجارة العالمي من دون تحقيق جنائي كامل؟ وما قصة الرهانات المالية التي سبقت الهجمات مباشرة؟ ولماذا تجاهل التحقيق الفدرالي شهادات رجال الإطفاء الذين تحدثوا عن انفجارات داخلية؟ يؤكد كارلسون أن وثائقياته لا تقدم "نظرية مؤامرة واحدة"، بل تسلط الضوء على التناقضات، ويدعو الأميركيين إلى المطالبة بالشفافية.
ولم تتأخر ردود الفعل على السلسلة، إذ اتهمت بعض عائلات ضحايا 11 سبتمبر/أيلول كارلسون باستغلال المأساة للحصول على المزيد من المشاهدات، بينما يرى مؤيدوه أنه الصحفي الوحيد الذي يملك الجرأة لكسر الصمت، ويصفه مؤيدوه بـ"المتمرد الذي عاد إلى صوابه"، إذ تراجع عن إنكاره السابق وقرر مواجهة "الدولة العميقة".
ويربط بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي بين اغتيال تشارلي كيرك وتوقيت عرض حلقات "ملفات 11 سبتمبر". وكيرك، المؤسس المشارك لمنظمة "نقطة تحول أميركا"، قتل برصاصة واحدة أمام مئات من طلاب إحدى الكليات خلال فعالية بعنوان "الجولة الأميركية للعودة".
وكتب بعض المستخدمين: "هل اغتيل كيرك لإسكات الأصوات قبل الكشف عن حقائق محرجة؟".
وقدمت عشرات الوثائقيات خلال السنوات الماضية حول تفجيرات برجي مركز التجارة العالمي، وحاول صناعها توثيق الحدث وكشف تفاصيله. وعملت الوثائقيات الأولى بعد الحدث على التوثيق المباشر للحظة الانفجار وما تلاها، ومنها فيلم 9/11 للأخوين جول نوديه، اللذين سجّلا لحظة دخول رجال الإطفاء إلى البرج الشمالي. وحاولت الأعمال التالية البحث فيما وراء الهجوم وطرح السؤال عن حقيقة مسؤولية تنظيم القاعدة، وظهر ذلك في أعمال من إنتاج شبكة بي بي سي وبي بي إس.
واكتسبت الوثائقيات الأحدث المزيد من الجرأة في طرح الأسئلة حول الثغرات في الرواية الرسمية وقدمت "ناشونال جيوغرافيك" و"هيستوري تشانل" أيضا وثائقيات تركز على إعادة بناء الأحداث بالدقيقة، وتحليل فني لانهيار البرجين من منظور هندسي وعلمي. وعادت القضية في السنوات الأخيرة عبر منصات البث مثل نتفليكس وهولو، بزاوية جديدة تركز على الآثار الإنسانية والنفسية للناجين وأسر الضحايا.