طهران- أعلنت طهران و الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن اتفاق جديد لاستئناف التعاون، بوساطة مصرية، خلال لقاء جمع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي -أمس الأربعاء- بالمدير العام للوكالة رافائيل غروسي في القاهرة.
وأوضح عراقجي أن الاتفاق لا يمنح المفتشين حاليا الحق في دخول جميع المواقع النووية ، وأن تفاصيل الزيارات ستحدد لاحقا ضمن المفاوضات المستقبلية، وأكد أن الاتفاق ينسجم مع القانون الإيراني الصادر عن البرلمان، الذي يلزم الحكومة بتعليق التعاون مع الوكالة حتى يتم ضمان أمن المنشآت والعلماء النوويين وتأمين حق إيران في التخصيب السلمي.
في حين قال غروسي إن إطار التعاون الجديد يشمل جميع المنشآت وإجراءات الإبلاغ المطلوبة عن أي منشآت تعرضت لأي اعتداء، بما في ذلك المواد النووية فيها، ووصف الاتفاق بأنه خطوة مهمة نحو إعادة بناء الثقة واستئناف التعاون الفني.
ومما يزيد من أهمية اتفاق القاهرة قيام كل من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة في 28 أغسطس/آب الماضي بتفعيل آلية الزناد من خلال تقديم رسالة رسمية إلى مجلس الأمن الدولي.
هذه الآلية، المنصوص عليها في قرار المجلس رقم 2231، تتيح لأي من الدول المشاركة في الاتفاق النووي الإيراني إعادة فرض العقوبات الأممية على طهران التي رفعت عنها بموجب الاتفاق النووي عام 2015 ، في حال حدوث خرق جوهري له.
تبدأ هذه العملية بعد تقديم الإخطار، مما يفتح نافذة مدتها 30 يوما، حيث يُتوقع أن تعاد العقوبات تلقائيا ما لم يتخذ المجلس قرارا جديدا يمدد الإعفاء منها، وفي هذه الحالة، يُعتبر أن العقوبات السابقة قد أعيدت إلى حيز التنفيذ تلقائيا في نهاية هذه الفترة.
يُذكر أن البرلمان الإيراني أقر قانونا يُلزم الحكومة بتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى حين ضمان أمن المنشآت والعلماء النوويين، إلى جانب تأمين حق إيران في التخصيب والاستفادة الكاملة من الطاقة النووية السلمية وفق معاهدة حظر الأسلحة النووية .
وجاء ذلك ردا على الاتهامات التي وجهتها طهران للوكالة بشأن تعاونها مع الاحتلال الإسرائيلي وتزويده بمعلومات سرية عن النووي الإيراني ساعدته في العدوان الذي شنه على البلاد في يونيو/حزيران الماضي.
وبموجب القانون نفسه، يتعين على الحكومة الإيرانية رفع تقرير دوري كل 3 أشهر للبرلمان والمجلس الأعلى للأمن القومي حول مدى تنفيذ هذه الإجراءات، كما ينص على "اعتبار أي تقصير في التنفيذ جريمة تواجَه بعقوبات تعزيرية من الدرجة السادسة".
من جانبه، قال الباحث في مركز الدراسات الإستراتيجية في طهران -علي أكبر داريني- إن ما تم الإبلاغ عنه غامض، وإنه ليس واضحا تماما ما إذا كانت إيران ستسمح للوكالة بالتفتيش على منشآتها النووية كما في السابق، وخاصة تلك التي تعرضت لهجمات عسكرية، أم لا، مستبعدا أن يحدث ذلك لأنه سيكون متعارضا مع قانون البرلمان.
وأوضح "للجزيرة نت" أن هناك تدبيرا يمكن أن يؤدي إلى تلطيف الأجواء، إذ قد تقبل إيران بالتعاون مع الوكالة بشكل مشروط ومحدود ليس كما في السابق، وإنما في إطار جديد وتنظيم مختلف، غير أنه إذا تم تفعيل آلية الزناد وواصل الأوروبيون هذا النهج التصادمي، فإن هذا الاتفاق سيفقد قيمته عمليا ولن يُنفذ.
وعليه، فإن طهران أبدت استعدادا للعودة إلى مسار التفاعل وإذا أصر الأوروبيون على متابعة آلية الزناد، فسيتحملون المسؤولية لأنهم تخلوا عن طريق التفاهم واختاروا بدلا منه المواجهة، وفق رأي الباحث.
من جهته، قال أستاذ الدراسات الأميركية في جامعة طهران -فؤاد إيزدي- إن ما تسعى إيران إلى القيام به هو أنها في الوقت الذي تلتزم فيه بتعهداتها بموجب معاهدة حظر الأسلحة النووية لأنها لا تزال عضوا فيها، لا تريد في المقابل أن تقدم معلومات للجانب الآخر تمكنه من استكمال صورته الاستخباراتية من أجل هجوم لاحق.
وأضاف "للجزيرة نت" أن في الوقت الراهن توجد خلافات بين الأجهزة الاستخباراتية في الدول الغربية بشأن حجم الأضرار التي أصابت القواعد أو المواقع النووية الإيرانية، ومصير اليورانيوم المخصب فيها، فإذا اكتملت هذه المعلومات، فإنها ستسرّع من أي هجوم محتمل لاحق.
ووفق إيزدي، فقد جرى توقيع اتفاق القاهرة بسرعة أكبر بهدف الحفاظ على هذا المسار والتعامل مع مسألة آلية الزناد، معتبرا أنه ليس من مصلحة الأوروبيين تفعيلها وربما يمنحهم هذا الاتفاق ذريعة لتجنب ذلك.
وختم بأن الأوروبيين ليسوا في موقع يخولهم تفعيل الآلية خاصة وأنهم لم ينفذوا الاتفاق النووي على مدى 7 سنوات، ويرى أن تجنب مواجهة داخل مجلس الأمن أفضل بكثير، وربما يكون لاتفاق القاهرة أثر إيجابي أيضا في هذا الصدد.
أما الباحث السياسي رضا غبيشاوي فيعتقد أن الاتفاق بين إيران والوكالة كان متوقعا على الرغم من الارتفاع "غير المسبوق والخطير" في مستوى التوتر بينهما وذلك لأن لا بديل عن هذا التوافق، في حين أن تصعيد التوتر "سينعكس سلبا وبشكل مباشر على الملف النووي وظروف إيران".
وأضاف "للجزيرة نت" أن طهران ترفض حتى هذه اللحظة السعي لصنع قنبلة نووية وتؤكد على الطابع السلمي لبرنامجها النووي، ولكن "الجهة الوحيدة المخولة بإثبات سلمية النشاط النووي الإيراني هي الوكالة الدولية للطاقة الذرية".
وحسب غبيشاوي، كانت إيران تعتزم الرد بقوة على الهجمات الإسرائيلية والأميركية ضد منشآتها النووية، وكان جزء من هذا الرد "موجها نحو الوكالة ومديرها العام شخصيا"، وأرادت أن تبعث برسالة للغرب مفادها أن هجماتهم لها ثمن، ومع ذلك، فإنها لا تستطيع أن تقطع علاقاتها مع الوكالة كما فعلت كوريا الشمالية أو كما هو حال إسرائيل، إلا إذا كانت تسعى فعلا لصنع سلاح نووي.
ورأى أن وساطة مصر لافتة للنظر، فهي من جهة تعكس تحسن العلاقات بين طهران والقاهرة، ومن جهة أخرى تُظهر أن دولة لا تربطها علاقات رسمية مع إيران قد قامت بوساطة ناجحة.