في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
بغداد – اعتبرت تصريحات السفير البريطاني في بغداد عرفان صديق في لقاء إعلامي يوم 8 أغسطس/آب الحالي "تدخلا في الشأن الداخلي العراقي" وأثارت موجة من ردود الفعل الرسمية والسياسية، إذ دعا فيها إلى ضرورة حل هيئة الحشد الشعبي أو دمجها تحت سلطة الدولة، موضحا أنه خطوة حاسمة لإعادة بناء مؤسسات الدولة وتحقيق الاستقرار الأمني.
بدورها أبلغت وزارة الخارجية العراقية السفير باعتراضها الشديد على تصريحاته، وأن الحكومة العراقية تعدّها "مخالفة للأعراف الدبلوماسية وتدخلاً في الشؤون الداخلية للدولة".
ويتزامن هذا الجدل مع مساعي البرلمان العراقي لتشريع قانون ينظم عمل هيئة الحشد الشعبي، مما يضع مستقبل الهيئة وموقعها ضمن المنظومة الأمنية للدولة في صلب النقاشات الدائرة.
وفي سياق ردود الأفعال على التصريحات، انتقد الأمين العام لـ"عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي في تدوينة له على موقع "إكس" تدخل السفير البريطاني في "أمور داخلية ليست من اختصاصه".
كما دعا القيادي في "منظمة بدر" عبد الرحمن الكاظمي (أبو عقيل) إلى ضرورة إعادة ضبط عمل بعض البعثات الدبلوماسية في العراق، خصوصًا السفارتين الأميركية والبريطانية، "بسبب تزايد تدخلاتهما في الشأن الداخلي"، حسب تعبيره.
وأكد الكاظمي خلال حديثه للجزيرة نت أن "العراق دولة ذات سيادة كاملة وعضو فاعل في الأمم المتحدة "، مشددا على أن "من لا يحترم هذه السيادة والعلاقات المتوازنة القائمة على المصالح المشتركة عليه مراجعة مواقفه فورا أو مغادرة البلاد".
وطالب الكاظمي الحكومة العراقية ووزارة الخارجية بـ"تحمل المسؤولية الكاملة في وضع حد لهذا التمادي غير المقبول"، مؤكدًا على ضرورة حماية سيادة العراق من أي تدخلات خارجية.
بدوره أكد المستشار العسكري صفاء الأعسم أن تصريحات السفير البريطاني في بغداد تمثل "سابقة خطيرة وغير مقبولة على الإطلاق في تاريخ العراق".
وقال الأعسم للجزيرة نت إن الأساليب الدبلوماسية المتعارف عليها تقتضي عرض أي مخاوف أو اعتراضات عبر قنوات الحوار الرسمية، خاصةً بين الدول التي تجمعها علاقات جيدة، واصفا هذه التصريحات بأنها "امتداد للتهديدات التي أطلقها نائب السفير الأميركي في بغداد خلال جولاته بين الكتل السياسية".
وأشار إلى أن "هذا النهج يخرج عن إطار الشراكة الإستراتيجية التي تجمع العراق مع واشنطن ولندن"، وأضاف أن العراق يلتزم بقنوات الحوار الدبلوماسي ولا يسعى إلى تأزيم الأمور، خاصة في هذه المرحلة الحساسة التي تسبق الانتخابات.
ومع ذلك، شدد على "ضرورة رفض مثل هذه التصريحات ومحاسبة الجهة التي تدلي بها"، وحذر من أن "إصرار واشنطن ومن معها على عدم إقرار قانون الحشد الشعبي بهذا الشكل سيدخل العراق في متاهات نحن في غنى عنها"، مشددًا على أن العراق ليس "دولة مستعبدة" لأي جهة أجنبية، وأن "فرض الإرادات بهذا الشكل العلني يمثل خروجًا واضحا عن المبادئ الدبلوماسية".
أكد الخبير بالشأن السياسي ضياء الشريفي أن تصريحات السفير البريطاني تضعه وبلاده في موقف "الأوصياء على العراق"، مشددا على أن "العراق يمتلك سيادته وتاريخه، ومن غير المقبول أن يخضع لوصاية أي طرف خارجي".
وقال الشريفي للجزيرة نت إن هناك "تحالفا أميركيا بريطانيا واضحا يسعى لإيقاف إقرار قانون الحشد الشعبي خوفًا من بقائه كقوة قادرة على إفشال أي مخططات تستهدف العراق والمنطقة".
وأضاف أن الهدف من إنهاء الحشد الشعبي هو إزالة العائق الرئيسي أمام أي محاولات لتغيير الحكومة العراقية أو حتى النظام السياسي برمته "باعتبار أن قوة العملية السياسية واستقرار الحكومة يرتبطان بوجود الحشد".
وأشار إلى أن دعوة السفير البريطاني لحل الحشد الشعبي "لم تكن زلة لسان، بل هي خطوة مدروسة ومتفق عليها مع واشنطن، ولم يكن بوسعه الإدلاء بها لولا وجود توصيات وضوء أخضر من حكومة بلاده".
كما وصف الشريفي الادعاء بأن الحشد الشعبي قوة تابعة لإيران بأنه "كلام ساذج"، مؤكدًا أن "الحشد عراقي بالكامل ولا علاقة له بوجود إيراني على الإطلاق"، ومشددا على أن "العراق دولة ذات سيادة وسلطة وقادرة على حماية نفسها واستقلاليتها، وليس لأي دولة، سواء كانت بريطانيا أو أميركا أو حتى إيران، أي وصاية عليه".
يذكر أن البرلمان العراقي استكمل القراءة الثانية لمشروع قانون "الحشد الشعبي" يوم 16 يوليو/تموز الماضي بعد أن أُدرج على جدول أعمال عدة جلسات بعد اكتمال النصاب القانوني، إلا أن بعض الكتل السياسية السنية والكردية انسحبت احتجاجا على طريقة إدراجه.
أكد الباحث بالشأن السياسي عادل المانع أن توقيت تصريحات السفير البريطاني الأخيرة "مرتبط بشكل وثيق بخطوات نزع سلاح حزب الله في لبنان وليس بمعزل عنها".
وقال المانع للجزيرة نت إن هذه التصريحات تعد "سافرة وواضحة في التدخل في الشأن الداخلي العراقي، وتتجاوز كل الأعراف الدولية التي تنص على احترام سيادة البلدان وقراراتها الداخلية"، مضيفا أنها "ليست مجرد رؤية بريطانية بحتة، بل هي جزء من مشروع أميركي بريطاني إسرائيلي مشترك يهدف إلى إضعاف العراق وإفراغه من محتواه".
وأوضح المانع أن هناك "محاولة لخلط الأوراق" بين الحشد الشعبي والفصائل المسلحة، مشيرا إلى أن الحشد "قوة عراقية شرّعها القانون وتأتمر بأمر القائد العام للقوات المسلحة على عكس الفصائل المسلحة التي تعتبر خارج نطاق القانون".
وحذر من أن "هذا المشروع الممنهج يهدف إلى إضعاف العراق، وتوقيته مدروس ومخطط له، ويرتبط بشكل مباشر بما يجري في المنطقة، تحديدًا بالإجماع الحكومي في لبنان على نزع سلاح حزب الله".
وشدد المانع على أن تكرار هذه التصريحات والمواقف من واشنطن ولندن يرتبط بـ"قوة الموقف العراقي"، موضحا أنه "إذا كان الموقف العراقي قويا وموحدًا من جميع المكونات السياسية، فلن تجرؤ تلك الدول على الإدلاء بمثل هذه التصريحات، أما إذا كان العكس فإننا نتوقع تكرار هذه التدخلات".