في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
شكّل قرار الحكومة في لبنان تكليف الجيش وضع خطة ل نزع سلاح حزب الله خطوة غير مسبوقة منذ عقود.
فللمرة الأولى منذ اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية (1975-1990) ونزع سلاح المليشيات التي شاركت فيها، تصدر الحكومة قراراً بنزع سلاح حزب الله، الفصيل الوحيد الذي احتفظ بسلاحه حينها بحجة "مقاومة" إسرائيل.
وينزع القرار الشرعية السياسية عن سلاح حزب الله التي كرّستها الحكومات السابقة في بياناتها الوزارية من خلال ما عُرف بثلاثية "جيش وشعب ومقاومة"، وعندما كان حزب الله القوة السياسية والعسكرية الأكثر نفوذا في البلاد ويحظى بدعم من نظام سوريا السابق وطهران.
لكنّ الوضع تغيّر عند تشكيل السلطة الحالية على وقع تغير موازين القوى. فقد خرج الحزب ضعيفاً من حربه الأخيرة مع إسرائيل العام الماضي، بينما تلقت طهران ضربة موجعة إثر حرب مع إسرائيل استمرّت 12 يوماً في حزيران/يونيو، وسقط حكم بشار الأسد في سوريا.
وكانت محاولات سابقة لطرح مصير سلاح حزب الله أو بناه التحتية واللوجستية المستقلة عن الدولة، تسبّبت بأزمات سياسية وفوضى أمنية، لعلّ أبرزها ما حصل في العام 2008 حين قررت الحكومة وقف شبكة اتصالات الحزب السلكية. فاجتاح حزب الله بيروت في السابع من أيار/مايو وحصلت مواجهات بين عناصره وأنصار خصومه السياسيين أودت بحياة أكثر من 65 شخصا.
فبقي سلاح الحزب مادة انقسام سياسي بين فريق يطالب بسيادة الدولة على جميع أراضيها وإمساكها بقرار الحرب والسلم، وفريق آخر يقوده حزب الله يتمسك بالسلاح لمواجهة إسرائيل.
أما اليوم مع تغير المشهد تصدر السؤال الأهم، ما هي خيارات حزب الله؟
علماً أن رد الفعل الأول من حزب الله على قرار الحكومة جاء عنيفاً. فقد رفض نزع سلاحه، وقال في بيان اليوم الأربعاء إنه سيتعامل معه "كأنه غير موجود"، واصفا إياه بـ"الخطيئة الكبرى".
وبالتالي، وإن كانت الخيارات محدودة أمام الحزب، تبدو جميعها مكلفة.
إذ يمكن للحزب بعد رفض القرار، أن يصعّد عبر استقالة الوزراء الأربعة المحسوبين عليه وعلى حليفته "حركة أمل"، وتعطيل عمل البرلمان حيث له كتلة وازنة مع حلفائه.
كما قد يسعى إلى إثارة الفوضى عبر تحريك مناصريه في الشارع والظهور المسلح من أجل إشاعة جو من الترهيب.
كذلك قد يسعى إلى الاصطدام مع الجيش. لكن أي صدام في الداخل ستكون له تداعيات كبرى على السلم الأهلي ودور حزب الله، وسيقلب الأغلبية اللبنانية ضده لاسيما إذا تواجه مع الجيش.
في السياق، قال الباحث في الشأن اللبناني لدى مجموعة الأزمات الدولية دايفيد وود "أعتقد أن حزب الله يريد أن يقلّل قدر الإمكان من احتمال دخوله في مواجهة مع الجيش، لأنه يعلم أن البلد كله سيكون ضده، باستثناء مؤيديه، وسيشكّل ذلك كارثة حقيقية على صورته"، وفق ما نقلت فرانس برس.
في حين دحض النائب عن حزب الله علي عمار احتمال حصول مواجهة مع الجيش، بتأكيده بوقت سابق اليوم أن الجيش والحزب "أكثر المؤسسات تفهما وتفاهما مع بعضهما البعض لما فيه مصلحة لبنان وحمايته".
إلى ذلك، يمكن لحزب الله أن يصعّد مجددا ضد إسرائيل. لكن خوضه "أي حرب سيكون مدمرا لأنه لا يملك خطوط إمداد، بعد أن خسر الكثير مع انهيار النظام السوري وتأثرت قدراته الاستخباراتية واللوجستية"، وفق ما شرح المحلل العسكري رياض قهوجي.
أما السيناريو الأكثر تفاؤلا فقد يكمن في موافقة حزب الله على نزع سلاحه في النهاية والانصراف إلى العمل السياسي على غرار ما فعلت الميليشيات التي شاركت في الحرب الأهلية.
لكنّ مصدرا لبنانيا مواكبا للمحادثات قال لوكالة فرانس برس في وقت سابق إن الحزب "لن يفعل ذلك من دون مقابل". علما أن قرار التخلّي عن السلاح يرتبط كذلك بإرادة طهران.
فيما رجّح الباحث في مركز "أتلانتيك كاونسل" نيكولاس بلانفورد أن "يحاول حزب الله كسب الوقت" في المرحلة المقبلة، إذ "يستحيل أن يوافق على نزع سلاحه بالكامل".
يأتي هذا فيما يتعرّض لبنان لضغوط كبرى تشترط حصر السلاح بيد القوى الشرعية بين أمور أخرى للحصول على دعم دولي وعربي لتحقيق الاستقرار والازدهار في البلد الصغير.
وقد شدد الرئيس اللبناني جوزيف عون قبل أيام أنه على المسؤولين اليوم "أن يختاروا، إما الانهيار، وإما الاستقرار".
في الأثناء، قد تتحرك إسرائيل مجددا عسكريا. إذ سبق لها أن أوصلت رسائل واضحة للبنان عبر الإعلام والقنوات الدبلوماسية، بأنها لن تتردّد في شنّ عمليات عسكرية مدمّرة إذا لم ينفّذ بند نزع سلاح حزب الله الذي ينص عليه اتفاق وقف إطلاق النار بين الطرفين.
يذكر أن حزب الله كان خرج منهكا من حربه مع إسرائيل التي قتلت عددا كبيرا من قادته ودمّرت جزءا كبيرا من ترسانته العسكرية. وبات حصوله على السلاح والمال من إيران عملية معقدة للغاية مع تشديد السلطات اللبنانية والسورية الجديدة تدابيرها على المعابر الحدودية، وإخضاع مؤسسات تمويله في لبنان والخارج لرقابة مشددة وعقوبات متزايدة.