آخر الأخبار

تغيير أسماء وأنساب.. أين أخفى نظام الأسد أطفال معارضيه؟

شارك

أعلنت السلطات السورية الأسبوع الماضي اعتقالها عددا من الشخصيات -من بينها كندة الشماط وريما القادري اللتان كانتا في فترتين مختلفتين على رأس وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل خلال حكم نظام الأسد المخلوع- على خلفية تورطهم بملف إخفاء أطفال المعتقلين المعارضين للنظام، في إطار ما تعرف إعلاميا بقضية "أطفال المعتقلين" أو "الإيداعات الأمنية" بحسب وثائق النظام.

وشملت الاعتقالات مسؤولات إداريات لدور أيتام مختلفة، مثل المديرة السابقة لمجمّع لحن الحياة ندى الغبرة، وهنادي خيمي ولمى الصواف وفداء الفندي، وهن مسؤولات إداريات في المجمّع نفسه، بالإضافة إلى مديرة جمعية المبرة لكفالة الأيتام لمى البابا، وأختها رنا البابا التي تولت مسؤوليات إدارية في الجمعية أيضا، ورئيسة مجلس إدارة "ميتم دفا" فداء دقوري.

وتضاف إلى هذه الأسماء المديرة الحالية لمجمّع لحن الحياة ميس عجيب التي تولت هذا المنصب قبل سقوط نظام الأسد بفترة وجيزة، لكن السلطات السورية أطلقت سراحها لاحقا، وأضيف اسمها إلى قائمة الشهود في القضية.

ويلخص هذا التقرير أهم مفاصل هذه القضية الشائكة التي لاقت صدى حقوقيا وإعلاميا واسعا في أعقاب سقوط نظام الأسد.

مصدر الصورة ريما القادري وزيرة الشؤون الاجتماعية السابقة في عهد النظام السوري المخلوع (الصحافة السورية)

ما مضمون قضية الأطفال المفقودين؟

يُقصد بالأطفال المفقودين هم أطفال اعتقلتهم القوات الأمنية التابعة لنظام الأسد السابق مع ذويهم، ثم فصلتهم قسرا عنهم وأرسلتهم إلى دور أيتام مختلفة، منها مجمّع لحن الحياة وجمعية المبرة ودار الرحمة للأيتام وقرى الأطفال "إس أو إس" (SOS).

أصدر نظام الأسد أوامر بمنع الأهالي والأقارب من التواصل مع أطفالهم أو معرفة أي تفاصيل عنهم، والتحفظ التام على معلومات هؤلاء الأطفال، حتى أن دور الأيتام قامت بتغيير اسم العائلة في بعض الحالات وتحريف السجلات الرسمية.

وهناك من المؤشرات والوثائق ما يدل على أن ذلك جرى وفقا لسياسة ممنهجة بتنسيق بين وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ودور الأيتام والأجهزة الأمنية، وأبرزها جهاز المخابرات الجوية.

والأهم من ذلك أن ملف هؤلاء الأطفال كان تحت الإشراف المباشر من أسماء الأسد زوجة الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد كما كشفت ميس عجيب.

إعلان

حازت هذه القضية على اهتمام شعبي وإعلامي واسع في أعقاب إسقاط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024 على غرار قضايا أخرى تكشفت خيوطها بعد سقوط النظام، بالإضافة إلى سعي الكثير من الأهالي لمعرفة مصير أبنائهم بعد سقوطه.

ما جهود كشف مصير الأطفال المفقودين؟

أجرت بعض مديرات دور الرعاية مقابلات إعلامية عقب سقوط النظام كشفن فيها بعض التفاصيل عن هذه القضية، وقلن إنهن سلّمن سجلات للحكومة المؤقتة الجديدة.

وفي يناير/كانون الثاني 2025 كشفت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أنها عثرت على كتب سرية عدة أرسلتها أفرع أمنية بخصوص إرسال أطفال إلى دور أيتام، وطلبت من عائلات الأطفال المفقودين تقديم أي معلومات قد تفيد الوزارة في هذا الملف، وأصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بيانا ينادي بإجراء تحقيق عاجل وشامل في هذه القضية.

وشكلت الحكومة لجنة تحقيق مختصة بمتابعة مصير أبناء وبنات المعتقلين والمغيبين قسرا، وضمت هذه اللجنة -وفقا لتصريحات المتحدث الرسمي باسمها سامر قربي لوكالة "سانا" بتاريخ 5 يوليو/تموز- ممثلين من وزارات العدل والداخلية والأوقاف، وأيضا منظمات المجتمع المدني وذوي المفقودين.

وفي أول مؤتمر صحفي للجنة بعد تشكيلها أوضح ممثل وزارة الداخلية في اللجنة قربي أن توقيف بعض العاملين في دور الرعاية تم بناء على معلومات أولية وادعاءات شخصية من الأهالي الذين أكدوا أنه لا يوجد تعاون من الموظفين معهم، وتحفّظهم على المعلومات الخاصة بالأطفال، وللاشتباه بتورطهم في تجاوزات وانتهاكات محتملة تتعلق بمصير الأطفال.

ولفت قربي إلى أن اللجنة بدأت عملها عبر وضع الخطط لمعرفة عدد الأطفال الذين تم تحويلهم إلى دور الرعاية، إضافة إلى الكشف عن مصير هؤلاء الأطفال، مشيرا إلى أن هدف اللجنة هو البحث وإحصاء وكشف مصير الأطفال الذين تم تغييبهم في سجون النظام المخلوع.

من جانبه، أكد ممثل وزارة العدل المحامي العام الأول في عدلية دمشق القاضي حسام خطاب أن جميع الإجراءات تتم وفق الأصول القانونية، وتتم متابعة حالات السفر غير النظامية للأطفال، ودور الرعاية غير الرسمية، وحالات الإلحاق التي يجري فيها تغيير نسب الأطفال، وأن الجناة الذين يثبت تورطهم بإخفاء الأطفال وتغييبهم ستتم محاسبتهم.

مصدر الصورة أسماء الأسد في زيارة لجمعية قرى الأطفال لرعاية الأيتام بريف دمشق (سانا)

كيف نُقل الأطفال من السجون إلى دور الرعاية؟

تبين المعلومات المتوفرة أن عملية فصل الأطفال القسرية ونقلهم إلى دور الأيتام كانت تتم على نحو ممنهج، حيث تبدأ باعتقال الأطفال مع ذويهم، وقد جرت تلك الاعتقالات بشكل جماعي خلال اجتياح المنازل أو عند الحواجز الأمنية، بالإضافة إلى الأطفال الذين يتم إبعادهم عن أمهاتهم بعد ولادتهم داخل السجون، إما لاعتقال الأم وهي حامل، أو الأطفال الذين حملت بهم أمهاتهم بعد اغتصابهن من عناصر الأمن داخل السجون.

يتبع ذلك صدور كتب رسمية سرية من الجهات الأمنية -وأبرزها في هذا الملف المخابرات الجوية- إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بنقل هؤلاء الأطفال، ويتكفل بعملية النقل عناصر مخابرات في شاحنات بيضاء أو في حافلات.

وتفرض أوامر الجهات الأمنية -وقت إيصال الأطفال- التعامل مع هذا الملف بسرية تامة، ومنع كشف أي معلومات عن الأطفال أو السماح لهم بالتواصل مع ذويهم أو أقاربهم أو حتى كشف وجودهم تحت أي ظرف كان.

إعلان

وعلى هذا النحو، كانت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل تؤدي دور الوسيط، إذ تقوم بتوجيه دور رعاية الأيتام لاستقبال هؤلاء الأطفال.

وفي هذا السياق، ظهرت بعض الوثائق المذيلة بتوقيع الوزيرتين كندة الشماط وريما القادري على أوامر بنقل الأطفال وتغيير ألقابهم، كما قالت المديرة الحالية لمجمّع لحن الحياة ميس عجيب إن أسماء الأسد كانت تشرف شخصيا على ملف هؤلاء الأطفال.

وقال بعض العاملين في هذه الدور إنه لا خيار لهم سوى استقبال هؤلاء الأطفال، خوفا من تعرّضهم لبطش الأجهزة الأمنية.

واستقبلت دور رعاية الأيتام الأطفال في حال يُرثى لها، فمنهم من كان مريضا أو هزيلا أو نهش القمل رأسه، وكان من الحالات التي وصلت إلى دار الرحمة للأيتام طفلة حديثة الولادة ماتت بعد فترة وجيزة من إيصالها إلى الدار.

كما أن عددا كبيرا من الأطفال كانوا يُجلبون إلى هذه الدور دون أي أوراق ثبوتية أو رسمية، وجرت العادة بتغيير أسمائهم أو أنسابهم بعد وصولهم أو حتى تسجيلهم على أنهم متوفّون، منعا لمعرفة أي أحد مكانهم أو حتى وجودهم.

وأوردت الوثائق والتحقيقات أسماء عدد من دور رعاية الأيتام التي نُقل إليها هؤلاء الأطفال، ومنها قرى الأطفال ومجمّع لحن الحياة لرعاية الطفولة ودار الرحمة للأيتام وجمعية المبرة لكفالة الأيتام وجمعية الأنصار الخيرية وميتم سيد قريش وميتم دار الأمان وجمعية دفا لرعاية الأطفال.

ما حجم هذه القضية؟ وكم عدد هؤلاء الأطفال؟

تشير تقديرات مختلفة إلى أن عدد أطفال المعتقلين يتراوح بين 3 آلاف و5 آلاف طفل، فمثلا أوردت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير لها صدر بتاريخ 11 يونيو/حزيران الماضي أن 4536 طفلا لا يزالون في عداد المختفين قسريا حتى تاريخ التقرير.

وقال تحقيق لقناة الجزيرة إن نظام الأسد اعتقل قرابة 4 آلاف طفل منذ عام 2011، كما صرح المتحدث الرسمي باسم وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل سعد الجابري لـ"وول ستريت جورنال" بأن الحكومة وجدت 300 ملف لأطفال نُقلوا إلى 4 دور أيتام في دمشق، وتقدّر عدد المفقودين بـ3700 طفل مفقود.

كما استطاعت شبكة الإذاعة الوطنية العامة الأميركية (إن بي آر) تحديد أكثر من 350 طفلا وزعتهم أجهزة المخابرات التابعة لنظام الأسد على دور رعاية الأيتام في دمشق.

في المقابل، كشفت بعض دور رعاية الأيتام في بيانات مختلفة عدد الأطفال الذين استقبلتهم، فأقرت جمعية قرى الأطفال بأنها استقبلت 139 طفلا من الأجهزة الأمنية دون أي وثائق رسمية بين عامي 2013 و2019، وطلبت بعد ذلك من السلطات عدم إرسال أطفال إلى فروع قرى الأطفال، وكشفت المنظمة في أبريل/نيسان أن 21 طفلا عادوا إلى أسرهم حتى ذلك الوقت.

وقالت مديرة دار الرحمة للأيتام براءة الأيوبي في مقابلة لها مع موقع "إن بي آر" أجريت بداية عام 2025 إن المؤسسة استقبلت نحو 100 طفل من أبناء المعتقلين بين عامي 2015 و2024 من أجهزة المخابرات مع أوامر بالتعامل معهم بسرية تامة، وعاد منهم 24 إلى عائلاتهم.

وأظهرت وثيقة لمجمّع لحن الحياة لرعاية الطفولة وجود 45 طفلا أرسلتهم مخابرات نظام الأسد، مع تقديرات بوجود مئات الأطفال الذين تم إرسالهم بهذه الطريقة.

وقالت مديرة جمعية المبرة لكفالة الأيتام رنا البابا في إفادة للموقع السابق إن الجمعية استقبلت 50 طفلا.

وأثارت قضية أطفال المعتقلين ضجة عالمية حول منظمة قرى الأطفال، مما دفعها إلى إصدار بيان عبّرت فيه عن ندمها على استقبال هؤلاء الأطفال، واتخاذها خطوات لمنع حدوث ذلك مجددا، ورفعت المنظمة أيضا طلبا إلى المدعي العام في دمشق لفتح تحقيق رسمي باختفاء أطفال إحدى العائلات.

ما الذي تعرّض له هؤلاء الأطفال؟ وما مصيرهم؟

إلى جانب تغيير أسمائهم وألقاب عائلاتهم لإبعادهم عن أهلهم مر أطفال المعتقلين بتجارب صعبة خلال فترات اعتقالهم وبعد إرسالهم إلى دور الأيتام.

إعلان

وُضع الأطفال وأمهاتهم -حسب شهادة سكينة الجيباوي لشبكة الإذاعة الوطنية العامة الأميركية، والتي اعتقلت مع ابنتها هبة- في زنازين مظلمة وباردة ورطبة ومكتظة بالأمهات والأطفال، ولم يكن يُسمح لهم باستخدام الحمام سوى بشكل محدود، وكانت كمية الطعام أيضا ضئيلة جدا، إذ تقول إحدى الأمهات إن حصتهم من الطعام كانت بيضة واحدة و15 حبة زيتون في الأسبوع، ولبنا كل 4 أيام.

وفي دور الأيتام تعرّض الأطفال إلى اعتداء جسدي رافقته بطبيعة الحال صدمات نفسية، فتقول سكينة التي سُمح لها بزيارة نادرة لابنتها في دار الرحمة إنها رأت جروحا واضحة على شفاه وظهر وسيقان ابنتها، لكن دار الرحمة أنكرت تعرّض ابنتها للاعتداء، كما أن الأم قالت إن ابنتها كانت تبكي كلما سألتها عما حدث معها في الميتم.

ومما أجّج هذه المخاوف ورود أخبار عن حدوث اعتداءات في دار الرحمة، وسماع الجيران الذين يسكنون بالقرب من دار الأيتام أصوات أطفال يتم ضربهم والاعتداء عليهم، بحسب ما تم تداوله على بعض وسائل التواصل.

يضاف إلى ذلك وجود بعض المخاوف من الاتجار بالأطفال والإلقاء بهم في شبكات الدعارة، وفقا لخبيرة حماية الأطفال زينة إسماعيل علوشي في تصريحات أدلت بها لـ"فورين بوليسي"، أو التبنّي غير القانوني خارج سوريا، أو حتى التجارة بأعضائهم.

كما أظهرت وثائق مسربة وشهادات أن من أسباب تغيير أسماء الأطفال تسهيل تبنّيهم من قبل عائلات مقربة من نظام الأسد.

وقد وردت شهادات أيضا عن إرسال بعض الأطفال للتجنيد القسري بعد بلوغهم سنا معينة، وهذا ما أكده قربي في تصريحاته، إذ قال إن نظام الأسد أرسل بعض أطفال المعتقلين للقتال مع الجيش أو مع "فصائل طائفية"، على حد تعبيره.

وبعد سقوط نظام الأسد سعت العديد من العائلات بشكل حثيث للبحث عن أطفالها، وقد كُتب لبعض هؤلاء الأطفال العودة إلى أحضان عائلاتهم، لكن مصير الكثير من أطفال المعتقلين المفقودين في سوريا لا يزال مجهولا حتى اليوم.

ومما يزيد الموضوع تعقيدا هو تغيير نظام الأسد أنساب هؤلاء الأطفال وتقدمهم في العمر، مما يعني تغير ملامحهم وصعوبة تمييز أهاليهم لهم، بالإضافة إلى ضياع العديد من الوثائق كما ذكر المتحدث الرسمي باسم وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل الحالية سعد الجابري، مشيرا إلى أن الإجابة التي تبحث عنها عائلات 3700 طفل مفقود قد تكون في مكان آخر.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا