عمّان، الأردن ( CNN )-- أثار بدء سريان نص قانوني يمنع حبس المَدين في المملكة اعتبارا من غدٍ الخميس، جدلا واسعًا في أوساط تجارية وشعبية وقانونية، لما له من أثر جذري على معاملات تحصيل الديون بين الدائنين والمدينين في المعاملات التجارية والمالية، في الديون الناشئة عن التزامات تعاقدية وشخصية .
وصدرت مذكرات كف طلبات وإفراج، عن نحو 95 ألف مدين بين محكوم وموقوف لدى دوائر التنفيذ القضائية، تمهيدًا للإنفاذ الفوري للنص القانوني، بحسب تصريحات أوساط محامين .
وأٌقرت تعديلات قانون التنفيذ في العام 2022، في عهد حكومة بشر الخصاونة السابقة، إلا أن النص المتعلق بمنع حبس المدين، قد تم تحديد موعد نفاذه بعد 3 سنوات من إقرار القانون ، لتكون مهلة للدائنين والمدينين بتسوية معاملاتهم المالية .
واستثنت المادة 11 من قانون التنفيذ الأردني المعدّل، عقود الإيجار وعقود العمل، حيث نصت على أنه لا يجوز حبس المدين إذا عجز عن الوفاء بالتزام "تعاقدي" باستثناء عقود الإيجار وعقود العمل، مع فرض عقوبات حبس بمدد قصيرة لا تتجاوز 120 يومًا سنويًا في حال تعدد الديون، و60 يومًا في حالة الدين الواحد .
وقال المحامي الأردني صخر الخصاونة في تصريحات لموقع CNN بالعربية، إن هذا النص الذي أقر تعديله قبل 3 سنوات جاء على ضوء مطالبات حقوقيين بإنفاذ الالتزام بالعهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية، الذي يقضي بعدم جواز حبس المدين، نتيجة "ديون مدنية أو التزامات مدنية".
وأشار الخصاونة، إلى أن الحكومة آنذاك استجابت للمطالب كالتزام وطني بالعهد، فتمت إزالة الشق الجزائي عن جرائم الشيكات .
وأضاف" كان من المفترض خلال هذه المهلة اتخاذ حزمة من القرارات الضامنة لحقوق الدائنين، سواء أكانت قرارات اقتصادية أو قرارات متعلقة بالأطراف الشريكة في المعاملات المالية لتشجيع الناس على التعامل النقدي، والحد من البيع الآجل وإقرار آلية لطلب الكفالات والضمانات لضمان تحصيل الديون، ومنذ ذلك الوقت لم يطرأ أي تغيير على سلوك التجار أو على سلوك المستهلكين".
وفي هذا السياق، قال الخصاونة إن الحديث عن 95 ألف مذكرة كف طلب وإفراج لأشخاص موقوفين ومحكومين على خلفية قضايا مالية هو رقم كبير جدًا. وأضاف: "هؤلاء الأشخاص يعني أنهم لم يسددوا ديونهم وهذه مشكلة قائمة وكبيرة".
ولفت المحامي الخصاونة، بأن هناك تجارب مطبقة في دول العالم ذهبت نحو اعتماد معيار "الجدارة الائتمانية" في المعاملات المالية، مشيرًا إلى أن تطبيقات النص الجديد تنسحب على كل أنواع الديون، عدا الديون الناشئة عن عقود العمل أو عقود الإيجار، أو الديون الناشئة عن أحكام قضائية في قضايا جزائية فيها ادعاء بالحق الشخصي أو مطالبة بتعويض عن ضرر مادي أو معنوي"، وكذلك الديون التي تتجاوز قيمتها 5 آلاف دينار أردني (قرابة 7 آلاف دولار) لصالح خزينة الدولة .
وانقسمت آراء مستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك أوساط قانونين، بين مؤيد ومعارض لإنهاء الحبس في الديون الناتجة عن التزامات مدنية، وما يترتب عليه من "فقدان الشيكات المالية" قوة الردع في حال عدم الوفاء بالالتزام.
ومن المتوقع، بحسب الخصاونة، أن يحدث التعديل الذي قال إن موقفه لايزال محايدًا اتجاهه"، إشكالية بين الدائنين والمدينين، وأضاف:" في حال الشركات الكبرى لن يكون هناك إشكاليات، لأن معاملات الشركات محكومة باعتمادات بنكية وكفالات وغير ذلك، لكن المشكلة قد تبرز لدى صغار التجار".
وبحسب تصريحات رسمية لوزير العدل الأردني بسام التلهوني، فإن أية شيكات تصدر بدون رصيد بعد 25 يونيو/حزيران منذ هذا الشهر، لن تعتبر جريمة جزائية، وأن الشيكات المحررة قبل هذا التاريخ ، سيقرر القضاء تطبيق القانون عليها .
كما أعلنت الحكومة الأردنية مطلع الشهر الجاري، موافقتها على إتاحة خدمة الاستعلام الرقمي عن الملاءة المالية للأشخاص الذين يصدرون شيكات، من خلال "كريف الأردن" وكذلك التحقق من الهوية الرقمية والتوقيع الإلكتروني من خلال أحد تطبيقات الرقمية "سند"، بما يهدف إلى تحصين شروط حماية الحقوق المالية للأشخاص في معاملات إصدار الشيكات .
ويقدر اقتصاديون، حجم التداول السنوي للشيكات في السوق الأردني بما يصل إلى نحو 41 مليار دينار أردني ، تتراوح نسبة الشيكات المرتجعة منها بين 3% إلى 5% سنويًا، أي بما يقدّر بـ1.2 مليار دينار أردني، وسط توقعات بأن تنحصر الشيكات بعد نفاذ القانون، في المعاملات بين البنوك والحكومة وبعض الشركات الكبرى، على حساب القطاعات الصناعية والتجارية والخدمية .
وتقول المحامية والحقوقية الأردنية تغريد الدغمي، إن البدائل المدرجة في قانون التنفيذ المعدل كضمانات لتحصيل الديون "ليست كافية"، ولا تحقق ميزان العدالة بين الدائن والمدين، "وجاءت لمصلحة المدين"، برأيها .
وتشمل هذه البدائل، إمكانية طلب الدائنين الحجز على أموال المدينين والممتلكات وتحديد مواعيد لبيعها، وطلب منع السفر حتى تسديد الدين، وطلب الحبس في حال رفض التسوية .
وأضافت الدغمي في تصريحاتها لموقع CNN بالعربية: "نحن نتحدث عن معاملات مالية بين أوساط غالبية تنتمي إلى الطبقة الوسطى من المجتمع التي تواجه هذه الإشكالية. مسألة منع السفر قد لا يعني شيئًا لهم، كما أنهم غالبًا ليس لديهم ممتلكات للحجز عليها وهذا سيؤثر بطبيعة الحال على حق الدائن".
وبرزت أصوات قانونية، تدعو إلى ضرورة اعتماد ضمانات تكفل تحصيل الديون مثل تطبيق مبدأ "الإعدام المدني"، الذي يحرم المدين من حقوقه السياسية أو المدنية مثل عدم إصدار جواز سفر له أو رخصة قيادة أو الترشح في الانتخابات، لكن الدغمي اعتبرته حلا غير عملي، بل "يشّل حركة المدينين" ويعيق ربما أنشطتهم الاقتصادية و سيفاقم المشكلة"، حسب قولها.
وقالت الدغمي، لموقع CNN بالعربية، إن هذه التعديلات ستؤثر على البيوعات الآجلة والعلاقات الإنسانية وإقامة المشاريع الصغيرة للسيدات والشباب مثلا والاقتراض لها، حيث لن تمنح أية جهة قروضا دون وجود ضمانات للسداد".
وأضافت الدغمي: "في هذه الحالات كيف سيقوم الدائن بإقامة دعوى قضائية للمطالبة المالية، ويتحمل كلف رسوم المحامي ومصاريف الدعوى والانتظار مدة زمنية قد تطول، حتى انتهاء الإجراءات القضائية، وربما يحصل على حكم تنفيذ لكن لا تتوفر الأموال ولا يسمح بالحبس كوسيلة ضغط، وفي حال بيع الممتلكات بموجب إجراء الحجز، هي إجراءات مكلفة وطويلة وقد تنتهي بمبالغ زهيدة في المزاد العلني".