توفى المواطن المصري خالد محمد شوقي، وهو سائق شاحنة وقود، الأحد في محافظة الشرقية شمال شرقي مصر متأثراً بإصابات وحروق لحقت به أثناء محاولته إبعاد شاحنة وقود مشتعلة عن محطة وقود وسط مدينة العاشر من رمضان الصناعية لتفادي وقوع خسائر بشرية ومادية هائلة.
وكان شوقي قد فوجئ باندلاع النيران داخل الشاحنة بعد انفجار خزانها، وهددت النيران بوقوع كارثة كبرى حال امتدادها إلى المناطق السكنية المجاورة أو إلى خزانات محطة الوقود.
وبحسب فيديوهات نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي توثق لحظة اشتعال الشاحنة، لم يتردد السائق شوقي، بل اندفع إلى مقعد القيادة بسرعة بينما كانت النيران تلتهم الشاحنة، وانطلق بها خارج محطة الوقود، محاولًا إبعاد الخطر عن المواطنين المتواجدين، ونجح بالفعل في إخراجها إلى الشارع، مانعاً بذلك امتداد الحريق إلى خزانات الوقود في المحطة وحولها.
نقل السائق خالد شوقي إلى المستشفى فوراً، لكنه توفي يوم الأحد بعد أسبوع من الواقعة متأثراً بإصابته بحروق من الدرجة الأولى والثانية.
توالت ردود الفعل الرسمية بعد وفاة السائق شوقي، ونعاه رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في بيان رسمي، واصفاً إياه بـ"بطل واقعة حريق محطة بنزين العاشر من رمضان"، وكلّف وزيري البترول والتضامن بصرف مكافأة مجزية، ورصد معاش استثنائي، وتكريم أسرته تقديراً لتضحيته.
جاء في البيان: "السائق قدم نموذجاً للبطولة والتضحية حين افتدى بروحه المواطنين في حادث احتراق سيارة إمداد بالبنزين في منطقة العاشر من رمضان".
وأضاف أن تصرفه الإيجابي في موقف بالغ الخطورة "جنب الكثير من الضحايا والدمار، وحافظ على العديد من الأرواح والممتلكات".
كما كلّف مدبولي وزيري البترول والثروة المعدنية، والتضامن الاجتماعي، بالتنسيق لصرف مكافأة مجزية ومعاش استثنائي لأسرة السائق، وتكريمها، "على النحو الذي يعكس معاني التقدير لتضحيته، والعرفان لجسارته التي ستظل خالدة في الوجدان"، بحسب تعبيره.
كما قرر رئيس جهاز تنمية مدينة العاشر من رمضان إطلاق اسم السائق خالد محمد شوقي عبد العال على أحد شوارع المدينة، تخليداً لذكراه وتكريما لموقفه البطولي الذي عبر عن أسمى معاني الشجاعة والإخلاص في العمل، وتقديم مساعدة عاجلة بقيمة 50 ألف جنيه - نحو ألف دولار أمريكي- لأسرته، "عرفاناً بعمله البطولي الذي ساهم في حماية المدينة بأكملها"، بحسب البيان.
كما نعاه وزير الأوقاف أسامة الأزهري واصفا إياه بـ"البطل الذي افتدى بجسده وروحه أهل المنطقة، وزملاءه، والمكان بأكمله".
وأوضحت وزارة الأوقاف في بيان رسمي أنها تحتسب السائق شهيدا، استنادا إلى حديث نبوي يعد المتوفى بسبب الحريق من الشهداء. وأضاف البيان أن الفقيد قدم القدوة لمجتمعه بنفسه، وأن الوزير أناب أحد وكلاء الوزارة ووفداً من الأئمة لتقديم واجب العزاء لأهله.
ونعته وزارة البترول والثروة المعدنية، مؤكدة أنه "ضرب أروع أمثلة البطولة والتضحية والإيثار، وأظهر شجاعة نادرة وإخلاصاً فائقاً".
وحتى الآن، لا يزال سبب انفجار سيارة الوقود غير معروف، إلا أن بعض المستخدمين يرجحون أن ارتفاع درجات الحرارة قد يكون أحد العوامل.
وقد تواصلت بي بي سي مع وزارة البترول والثروة المعدنية للاستفسار عن أسباب الحادث، فأوضح مصدر بالوزارة لبي بي سي أن الجهات المعنية تُجري تحقيقاً للوقوف على أسباب الانفجار، إلى جانب تحقيق فني تجريه الوزارة ذاتها.
يقول الدكتور حسام عرفات، أستاذ هندسة البترول ورئيس الشعبة العامة للمواد البترولية بالاتحاد العام للغرف التجارية سابقاً وخبير السلامة المهنية، إن نقل المواد البترولية يتطلب اتباع إجراءات سلامة مهنية صارمة، مثل التأكد من كفاءة السيارة، وتزويدها بطفايات حريق من نوع الرغوة، التي تُستخدم لإطفاء حرائق المواد الصلبة والسوائل القابلة للاشتعال.
وأضاف خبير السلامة المهنية أنه يجب أيضًا تدريب السائقين على القيادة الآمنة، نظرًا لأن حركة السوائل داخل السيارة تُسبب دفعاً إضافياً أثناء السير.
كما يُفضّل تجنّب المرور بالمناطق ذات الكثافة السكانية العالية، وأثناء تفريغ الحمولة من المهم الحفاظ على وجود مسافات آمنة بين السيارة وخزانات الوقود داخل المحطات.
ويرى الدكتور حسام عرفات أنه من الأفضل أن يرتدي سائقو الشاحنات التي تنقل المواد البترولية ملابس مصنوعة من أقمشة غير قابلة للاشتعال بسهولة، مثل القطن.
واستبعد خبير السلامة المهنية أن يكون الانفجار قد حدث بسبب ارتفاع درجات الحرارة، موضحًا أن نقل المواد البترولية يتم في دول أخرى ترتفع فيها درجات الحرارة عن مصر بشكل كبير، مثل دول الخليج. وأضاف أن هناك مواصفات عالمية لشاحنات نقل المواد البترولية، تتضمن – على سبيل المثال – طلاء الطبقات الداخلية والخارجية بمواد غير قابلة للاشتعال ومقاومة لعوامل التعرية المختلفة.
ويؤكد عرفات على أهمية فحص الشاحنات بشكل دوري للتأكد من كفاءتها في جميع مراحل النقل، بدءاً من منح التراخيص للسيارات والسائقين، مروراً بتحميل الشاحنات من المستودعات، وحتى وصولها إلى نقاط التفريغ النهائية في المحطات.
وعن وجود بدائل أكثر أماناً لنقل المواد البترولية، يقول خبير السلامة المهنية إن مصر تمتلك بالفعل شبكة أنابيب لنقل المواد البترولية، تديرها شركة أنابيب البترول، وهي الجهة المسؤولة عن نقل المواد من معامل التكرير إلى المستودعات الرئيسية في كل محافظة، نظراً لضخامة الكميات المنقولة.
وبعد ذلك، تُنقل المواد البترولية من المستودعات إلى محطات الوقود بواسطة الشاحنات.
وقرر وزير العمل المصري محمد جبران صرف مبلغ 200 ألف جنيه - نحو أربعة آلاف دولار - لأسرة السائق.
كما وجّهت الدكتورة مايا مرسي، وزيرة التضامن الاجتماعي، بصرف 100 ألف جنيه - نحو ألفي دولار أمريكي - بشكل عاجل لزوجة وأولاد السائق، بالإضافة إلى التنسيق مع الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي لرصد معاش استثنائي للأسرة، تقديراً لتضحيته، بحسب بيان لرئاسة مجلس الوزراء.
أثارت وفاة شوقي تفاعلا واسعا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبر المستخدمون عن تأثرهم بشجاعته في هذا الموقف الصعب. وكتب أحدهم: "شرفتنا يا خالد، بطل حقيقي يجب أن تُروى قصته في المدارس وتُحكى للأجيال حتى يجسدوا معنى التضحية".
وقال مستخدم آخر: "ليس كل البطولات تُخلد في كتب التاريخ، فبعضها يُكتب بدماء الشرفاء على طرقات الوطن".
ووصفه كثيرون بأنه "شهيد الواجب" ضحى بنفسه لإنقاذ أرواح العشرات.
وتساءلت مستخدمة أخرى عن عوامل الأمان في محطات الوقود أثناء تزويدها بالبترول، وطالبت بفتح تحقيق، قائلة: "لأننا لن نجد كل يوم بطلاً مثل عم خالد يضحي بروحه ويقود شاحنة مشتعلة"، على حد وصفها.