قُتل نحو 30 شخصاً وأصيب عدد آخر بجروح في براياغراج، شمال الهند، جراء تدافع خلال مهرجان "كومبه ميلا" الديني الهندوسي الكبير الذي يُنظم كل 12 عاماً.
وأعلن المسؤولون إصابة 90 آخرين خلال التدافع، وأضافوا أن الأشخاص المتورطين في الحادث يشملون أولئك الذين سافروا من ولايتي جوجارات وآسام لحضور المهرجان.
وأمرت السلطات الهندية بفتح تحقيق قضائي في أعقاب حادث التدافع، كما أُعلن عن فتح تحقيق منفصل للنظر في مزاعم تقصير الشرطة.
ويعد هذا التجمع الديني الأكبر على الإطلاق لكونه يجتذب الملايين من الحجاج من شتى أرجاء الهند وخارجها بغية أداء طقس الاغتسال في مياه منطقة سانغام عند التقاء النهرين المقدسين لدى الهندوس، نهر الغانج ونهر يامونا.
ويمارس المؤمنون طقوس الاغتسال بغمر الجسد في مياه النهرين المقدسين وفقاً للتقاليد الهندوسية، وهو طقس يرمز إلى غسل الخطايا وتحرير النفس من دورة الولادة الجديدة والتناسخ.
وأعرب رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، وعدد من الوزراء من بينهم وزير الداخلية، أميت شاه، عن تعازيهم لأسر الضحايا الذين سقطوا في حادث التدافع.
كما أعرب وزير الدفاع، راجنات سينغ، ثاني مسؤول كبير بعد مودي، عن تعازيه لأسر الضحايا، ووصف الحادث، في منشور على منصة "إكس"، بأنه "مؤلم للغاية"، متمنياً "الشفاء العاجل لجميع المصابين".
وصرّح رئيس وزراء ولاية أوتار براديش، يوجي أديتياناث، من حزب بهاراتيا جاناتا، بأن العديد من الحجاج أصيبوا بجروح خطيرة ويتلقون العلاج في المستشفيات.
قال شهود العيان لبي بي سي إنهم لا يستطيعون حتى الآن العثور على أفراد من أسرهم، بعد سقوطهم أثناء التدافع.
وأفاد مراسل بي بي سي، فيكاس باندي، بأن المستشفى الرئيسي في كومبه ميلا مطوّق، فضلاً عن منع وسائل الإعلام من الدخول لتغطية الحادث.
وقال رجل أصيب أثناء التدافع، ويتلقى العلاج في المستشفى، لمراسلي بي بي سي إنه ذهب للاغتسال في نهر الغانج في الساعة 03:30 بالتوقيت المحلي (22:00 بتوقيت غرينتش)، ولكن عند وصوله إلى المكان دفعه الحشد إلى الماء.
وأضاف لبي بي سي: "جرف الماء حقيبتي ووشاحي وسترتي وكل شيء".
وقال إنه يعاني من آلام مستمرة من ركبته إلى خصره، فضلاً عن معاناته من ألم في صدره، بسبب مرور بعض الأشخاص فوقه.
شاهدة أخرى تدعى أنيتا ديفي، جاءت لحضور المهرجان من مدينة جانسي بوسط البلاد، تبحث يائسة عن زوجها، وقالت لبي بي سي: "إنه يحتاج إلى أدويته التي معي. عندما حدث التدافع، فقدنا قبضة أيدينا معاً، ثم اختفى في لمح البصر".
وأضافت: "مرت ساعات عديدة لكنني لم أستطع العثور عليه ... أتمنى أن يكون على قيد الحياة وبأمان".
وقع الحادث عندما حاول بعض الحجاج القفز فوق حواجز الشرطة للوصول إلى منطقة سانغام، النقطة التي يلتقي فيها نهر الغانج الأكثر قدسية في الهند مع نهر يامونا.
وعلى الرغم من العديد من تقارير شهود العيان ومقاطع الفيديو التي تشير إلى الوفيات، لم تصدر السلطات المحلية بعد أرقاماً رسمية نهائية أو تعلق على حجم المأساة، واكتفت حكومة أوتار براديش، بالتصريح عن إصابة العديد من الأشخاص، بعضهم في حالة خطيرة.
وأفادت شهادات جمعتها وكالة فرانس برس للأنباء بأن الحادث وقع في منتصف الليل بينما كان الحجاج يتجهون نحو ضفاف النهر للاغتسال، الأربعاء، وهو اليوم الأكثر أهمية في المهرجان.
وقال رينو ديفي، 48 عاماً: "كنت جالساً قرب أحد السواتر، وراح الجميع يتساقطون فوقي مع تحرك الحشد ... وعندما ازدادت الجموع، سُحق الشيوخ والنساء تحت الأقدام".
وأضاف ديفي: "دهسوا زوجة ابني هوكوم لودي. أنقذناه وابنته البالغة 15 عاماً. نجت الفتاة لكن زوجة ابني توفيت".
كما تدّخل بعض أفراد الحشد والمسعفون بسرعة لإجلاء الضحايا وكان بعضهم فاقدي الوعي، بين أكوام الملابس والأحذية والأشياء المتروكة وسط حالة من الذعر، وفق مصور وكالة فرانس برس للأنباء.
وقال أحد أفراد أسرة أحد المصابين لوكالة رويترز للأنباء إنهم كانوا يسيرون "عندما بدأ الناس في الدفع بقوة، مما أدى إلى سقوط الجميع".
وأضاف: "ثم بدأ الناس يدوسون ويمشون فوقنا. لم يساعدنا أحد على النهوض. والدي ... اختفى".
وتقول السلطات إن ما يقرب من 200 مليون حاج أدوا طقوس الاغتسال في مهرجان "كومبه ميلا" منذ بدايته في 13 يناير/كانون الثاني.
ويقول المسؤولون إنهم يتوقعون حضور ما يصل إلى 400 مليون شخص للمهرجان الذي يستمر 45 يوماً ويُختتم في 26 فبراير/شباط.
ويجذب مهرجان كومبه ميلا طيفاً واسعاً من المشاركين، بما في ذلك الحجاج العاديون والزهاد والزعماء الدينيون من جميع أنحاء الهند.
ومن بين أبرز الحاضرين رهبان الناغا، وهم رجال دين يتبعون ممارسات الزهد الصارمة ويتخلّون عن جميع الممتلكات الدنيوية، فضلاً عن المعلمين الروحيين الذين يقودون المنظمات الروحية الهندوسية.
كما يشهد المهرجان مشاركة مصلين من الطوائف والمجتمعات الهندوسية المختلفة، مما يجعله ليس مجرد نشاط لممارسة طقوس دينية، بل نقطة لقاء نابضة بالحياة للتبادل الروحي.
انتقد راؤول غاندي، زعيم المعارضة البارز عن حزب المؤتمر الهندي، الحكومة وأنحى باللائمة على السلطات، قائلاً على منصات التواصل الاجتماعي إن "سوء الإدارة والأفضلية التي خصت بها السلطات الشخصيات البارزة على حساب المؤمنين البسطاء هما المسؤولان عن هذا الحادث المأساوي".
كما انتقد زعيم حزب المؤتمر الذي ينتمي إليه غاندي، ماليكارجون كارغي، حكومة ولاية أوتار براديش بسبب "الترتيبات غير المدروسة" وإعطاء الأولوية لحركة الشخصيات المهمة.
ويحكم ولاية أوتار براديش حزب بهاراتيا جاناتا الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء ناريندرا مودي.
وكانت حكومة مودي قد روَّجت للمشاركة في مهرجان كومبه ميلا الديني هذا العام. وصرح يوغي أديتياناث، رئيس وزراء ولاية أوتار براديش، في وقت سابق بأنه "من الصعب للغاية السيطرة على مثل هذه الجموع".
وعلى الرغم من إلغاء جماعة أكارا الدينية طقوس الاغتسال الأربعاء، لم يردع الحادث أعداداً كبيرة من الحجاج عن النزول في المياه.
كما انتقد الزعيم الديني بريماناند بوري، من إحدى الطوائف المقدسة المؤثرة المشاركة في المهرجان، الحكومة وألقى باللوم على الإدارة لإعطاء الأولوية لكبار الشخصيات والفشل في اتخاذ الترتيبات الكافية للمصلين.
وقال لوكالة "إيه إن آي" للأنباء: "طالبنا جميعاً (الطوائف الدينية) بتسليم إدارة المهرجان للجيش الهندي. أعتقد أنه لو حدث ذلك، لم يكن لمثل هذه المأساة الكبيرة أن تقع أصلاً".
تتكرر حوادث التدافع بشكل مأساوي في الهند، بسبب سوء الإدارة والثغرات الأمنية، وغالباً تؤدي إلى خسائر في الأرواح.
وشهد الشهر الجاري فقط، مقتل ستة أشخاص في حادث تدافع في أحد أغنى المعابد في الهند في بلدة تيروباتي في ولاية أندرا براديش الجنوبية.
وفي يوليو/تموز العام الماضي، قُتِل ما يزيد على 120 شخصاً في منطقة هاثراس بولاية أوتار براديش أثناء تدافع خلال تجمع حضره ما يزيد على 250 ألف شخص للاستماع إلى واعظ هندوسي شهير، مما يسّلط الضوء على ثغرات السلامة المتكررة.
ووفقاً لبيانات الحكومة، وقع 47 حادث تدافع في الهند في عامي 2021 و2022، على الرغم من أنه ليس من الواضح عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم في هذه الحوادث.
وشهد مهرجان كومبه ميلا حوادث تدافع مميتة في الماضي، من بينها حادث وقع في عام 1954، قُتل فيه ما يزيد على 400 شخص، دهساً أو غرقاً، في يوم واحد.
وخلال دورته السابقة في عام 2013، سُجلت خلال المهرجان 36 حالة وفاة أثناء حركة الحشود الضخمة في براياغراج.
وكانت الدورة السابقة للمهرجان قد اجتذبت 120 مليون شخص، بحسب السلطات، وللمقارنة، فإن مناسك الحج في السعودية اجتذبت نحو 1.8 مليون مسلم في عام 2024.
ولاستيعاب القادمين للمشاركة في كومبه ميلا، بنى المنظمون مدينة من الخيام والمباني الجاهزة على مد النظر حول ضفاف الأنهار، تغطي مساحة تعادل ثلثي شبه جزيرة مانهاتن في نيويورك.
كما نُشر ما يزيد على 40 ألف شرطي للحفاظ على النظام، وفقاً للسلطات التي نصبت هذا العام شبكة من الكاميرات والطائرات المسيّرة والذكاء الاصطناعي لإحصاء الحشود وإدارة تحركاتها.
السبب الرئيسي هو الازدحام الشديد في المناسبات الدينية والمهرجانات والأماكن العامة.