بين التشاؤم والآمال، يرسم قرّاء صحيفة وول ستريت جورنال لوحة متناقضة لما ستكون عليه الرأسمالية الأميركية بحلول عام 2075، ضمن مشروع الصحيفة الجديد "يو إس إي 250: قصة أعظم اقتصاد في العالم".
وبينما يرى البعض أن النظام الاقتصادي الأميركي سيظل القوة المحركة للابتكار والنمو، يحذر آخرون من انزلاقه نحو أشكال هجينة من الاحتكار أو الاشتراكية، وسط تساؤلات حول قدرة المؤسسات الديمقراطية على تصحيح المسار.
وتقول رئيسة تحرير الصحيفة، إيما تاكر، في مقدمة المشروع، إن "الرأسمالية الأميركية تطورت منذ تأسيس البلاد عام 1776 لتصبح محركا هائلا للتغيير"، لكنها تسأل: إلى أين تتجه الآن؟ وهل لا تزال قادرة على الجمع بين الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية؟
ويرى المهندس فيل تروبيلّي من فيلادلفيا أن الرأسمالية الأميركية "ستواصل سعيها نحو التوازن بين قوى السوق والتنظيم الحكومي بما يخدم الصالح العام".
ويؤكد أن قدرة الولايات المتحدة على "التكيّف عبر التشريعات واستيعاب احتياجات الناخبين المتغيرة" ستظل جوهر قوتها، مضيفا: "آمل في مستقبل تسوده الفرص والابتكار والتعاطف مع الفئات الأقل حظا".
لكن هذا التفاؤل لا يشاركه الجميع، فمارك مونتغمري من نيو مكسيكو يحذر من أن "الولايات المتحدة عند نقطة تحول خطيرة"، مشيرا إلى أن "الوضع المالي المتدهور وتركيز القوة السوقية في أيدي قلة من الشركات الكبرى" يدفعان البلاد نحو "هجين مشوّه من رأسمالية الدولة والاحتكار الأوليغارشي والسلطوية الاقتصادية".
ويضيف: "أميركا نهضت من أزمات عديدة، لكن أزمتها الحالية أخطر من أي وقت مضى".
في المقابل، تتوقع سينثيا كنيبل من ميشيغان أن تشهد العقود المقبلة ازدهارا في ريادة الأعمال، معتبرة أن "الرأسمالية الأميركية ستكافئ جيلا أوسع وأكثر تنوعا من المبدعين".
وتقول: "سيكون هناك جيل جديد من الشركات العملاقة، وربما 7 شركات جديدة تقود الاقتصاد في قطاعات لم تولد بعد"، مشيرة إلى أن "القوة الحقيقية ستأتي من توسع قاعدة المشاريع الصغيرة المدعومة ب الذكاء الاصطناعي والبيانات المفتوحة".
ويشاركها التفاؤل ويندار تشن من فلوريدا ، الذي يرى أن الرأسمالية الأميركية "ستظل الأفضل في العالم بفضل مرونتها التشريعية والتنظيمية"، مضيفا أن "نظامها القانوني الأكثر انفتاحا على التغيير سيمنحها تفوقا يصعب مجاراته".
أما مايكل مورابيتو من نيويورك فيحذر من أن التطور التكنولوجي سيعيد تعريف العلاقة بين رأس المال والعمل، قائلا: "حين تتفوّق التكنولوجيا ويصبح رأس المال أكثر استقلالا عن الجهد البشري، سيحتاج المجتمع إلى إعادة تصور دور العمل نفسه".
ويضيف أن "التحول من الزراعة إلى الصناعة ثم الخدمات يتسارع الآن مع الذكاء الاصطناعي، مما قد يولد رد فعل شعبيا غاضبا ما لم تُجدّد المشاركة السياسية الواسعة للحفاظ على التوازن".
من جهة أخرى، يرى دوي دو من جورجيا أن الرأسمالية الأميركية يجب أن "تُصدَّر لتصبح رأسمالية عالمية"، مشيرا إلى أن "لكل إنسان الحق في تحسين حياته، لا الأميركيين وحدهم"، لكنه يعترف بأن "التغلب على الحواجز الثقافية والتنظيمية سيستغرق وقتا وجهدا".
أما ديفيد فريدل من واشنطن فيرسم صورة قاتمة لمستقبل الاقتصاد، قائلا: "سيكون المليارديرات وحدهم من يتحكمون بالروبوتات والذكاء الاصطناعي، بينما تكافح الغالبية للبقاء اقتصاديا"، محذرا من أن "الطريق الحالي يقود إلى اقتصادٍ تُمسك القلة بمفاتيحه".
ويتفق روب ويت من فرجينيا مع هذا الاتجاه التشاؤمي، متوقعا أن تسير الولايات المتحدة "نحو اشتراكية على النمط الأوروبي" بسبب "ارتفاع تكاليف المعيشة واتساع فجوة الثروة"، مضيفا أن "تحقيق الحلم الأميركي أصبح أصعب من أي وقت مضى".
أما جون ديفيليبو من تكساس فيعتقد أن الأجيال الشابة "أكثر ميلا إلى التركيز على المساواة وأقل اهتماما بروح المغامرة"، موضحا أن "الإعجاب بالنموذج الأوروبي ذي شبكة الأمان الاجتماعي قد يبدل جذور الرأسمالية الأميركية".
وفي مقابل هذا التشاؤم، يقدم جوزيف ماير من فيرجينيا رؤية أكثر تفاؤلا، متخيلا أن عام 2075 سيشهد "عودة إلى قيم الخمسينيات"، مع نهضة في المهن اليدوية غير القابلة للأتمتة، ونمو الشركات العائلية الصغيرة بعد تراجع نفوذ صناديق الاستثمار الكبرى.
ويضيف أن "الابتكار سيجعل الحياة أكثر جودة وأقل كلفة، بشرط أن تحافظ أميركا على تنوعها واحترامها لسيادة الفرد".
وتخلص الصحيفة إلى أن الرأسمالية الأميركية، كما يراها قرّاءها، نظام يراوح بين التجدد والأزمة، بين الحرية والاحتكار، وبين الطموح الجماعي والقلق الفردي.
وبعد 50 عاما، قد تبقى أميركا رمزا للتجريب الاقتصادي العالمي، أو تتحول إلى ساحة اختبار لمدى قدرة الرأسمالية على البقاء في عصر الذكاء الاصطناعي واللامساواة المتنامية.
 المصدر:
        
             الجزيرة
    
    
        المصدر:
        
             الجزيرة
        
    
 مصدر الصورة
 
   مصدر الصورة 
   مصدر الصورة
 
   مصدر الصورة