أعلنت الولايات المتحدة والصين، الأثنين، عن اتفاق هام لخفض الرسوم الجمركية المتبادلة بمقدار 115 في المئة، لمدة 90 يوماً.
وصرح وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، عقب محادثاته مع مسؤولين صينيين في المدينة السويسرية جنيف، بأن الجانبين اتفقا على "تعليق مؤقت" للرسوم الحالية لمدة 90 يوماً.
ويهدف الاتفاق، الذي يُمثل نقطة تحول في التوترات التجارية المستمرة بين البلدين، إلى تخفيف حالة عدم اليقين الاقتصادي العالمي واستعادة الثقة في الأسواق الدولية.
وتصاعدت حدة الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة الشهر الماضي بعد أن أعلن الرئيس ترامب فرض رسوم جمركية أساسية شاملة على جميع الواردات الأمريكية، في ما وصفه بـ"يوم التحرير".
خضع حوالي 60 شريكاً تجارياً - وصفهم البيت الأبيض بأنهم "أسوأ المخالفين" - لرسوم أعلى من غيرهم، بما في ذلك الصين.
وردت الصين بفرض رسوم جمركية خاصة بها، مما أدى إلى تصاعد هذه الإجراءات وصولاً إلى فرض الولايات المتحدة رسوماً بنسبة 145% على الواردات الصينية، بينما فرضت بكين رسوماً بنسبة 125% على بعض السلع الأمريكية.
بموجب الاتفاق الجديد، علقت الولايات المتحدة والصين جميع الرسوم الجمركية التي فرضت في "يوم التحرير" باستثناء 10% منها لمدة 90 يوماً، وألغيت الرسوم الانتقامية الأخرى.
سيؤدي ذلك إلى خفض الرسوم الأمريكية على الواردات الصينية إلى 30%، بينما تنخفض الرسوم الصينية على الواردات الأمريكية إلى 10%. وسيبدأ التطبيق المؤقت لهذه الإجراءات في 14 مايو/أيار 2025.
وما تزال الإجراءات الأمريكية تتضمن رسوماً إضافية بنسبة 20% تهدف إلى ممارسة الضغط على بكين لبذل المزيد من الجهود للحد من التجارة غير المشروعة في عقار الفنتانيل المخدر القوي.
خلف الأبواب المغلقة، شعر المسؤولون الصينيون بالقلق إزاء التأثير الاقتصادي للرسوم الجمركية وخطر العزلة، مع بدء شركاء الصين التجاريين التفاوض على صفقات مع واشنطن، وفقا لثلاثة مسؤولين مقربين من بكين.
وفي الوقت الذي أشادت فيه وسائل الإعلام الرسمية الصينية بالاتفاق، ذكر تعليق لهيئة الإذاعة والتلفزيون الصينية (CCTV) أن الاجتماع بين الصين والولايات المتحدة في جنيف كان "متوازناً ومفيداً لكلا الجانبين".
ومع ذلك، يحذر البعض من أن فترة التوقف التي تبلغ 90 يوما هي مؤقتة، وأن القضايا العالقة قد تطفو على السطح مجددًا إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق شامل.
وأثارت الرسوم الجمركية الضخمة التي فُرضت مخاوف من انهيار التبادل التجاري بين البلدين، حيث أعلنت الموانئ الأمريكية عن انخفاض حاد في عدد السفن المتوقعة القادمة من الصين.
وفي الجانب الآخر، أبدت بكين قلقاً متزايداً من تأثير هذه الرسوم على اقتصادها. فقد تباطأ الإنتاج الصناعي بالفعل، وتفيد تقارير بأن بعض الشركات اضطرت لتسريح عمال مع توقف خطوط إنتاج السلع الموجهة للولايات المتحدة.
وأعلن بيسنت عن الاتفاقية قائلاً: "كان إجماع الوفدين هذا الأسبوع أن كلا الجانبين لا يرغبان في الانفصال الاقتصادي. ما حدث مع هذه الرسوم المرتفعة للغاية كان يعادل حظراً تجارياً، ولا يريد أي من الطرفين ذلك. نريد تجارة أكثر توازناً، وأعتقد أن كلا الجانبين ملتزمان بتحقيق ذلك".
وأعلنت وزارة التجارة الصينية أن الاتفاقية مع الولايات المتحدة تمثل خطوة مهمة "لحل الخلافات" و"وضع الأساس لتجاوز الخلافات وتعزيز التعاون".
وصف نيل شيرينج، كبير الاقتصاديين في كابيتال إيكونوميكس، الاتفاقية بأنها تمثل "تخفيفاً كبيراً" للحرب التجارية، قائلاً لبي بي سي: "كنا في وضع كانت الرسوم المفروضة مرتفعة لدرجة تكاد تمنع التجارة على المدى الطويل بين أكبر اقتصادين في العالم". لكنه أضاف أنه رغم استمرار التجارة الآن، "ستتم بأسعار أعلى يتحملها المستهلكون والشركات الأمريكية".
أدت أنباء الاتفاقية إلى انتعاش الأسواق المالية، حيث أغلق مؤشر هانغ سنغ في هونغ كونغ مرتفعاً بنسبة 3%. بينما ارتفع مؤشر شنغهاي المركب الصيني 0.8% قبل إعلان تفاصيل الصفقة. كما ارتفعت الأسهم الأوروبية، وتشير التوقعات إلى ارتفاع الأسواق الأمريكية الرئيسية بنسبة 2-3%.
استفادت شركات الشحن من الصفقة، حيث قفز سهم "ميرسك" الدنماركية أكثر من 12% و"هاباغ لويد" الألمانية 14%. وقالت "ميرسك" لبي بي سي إن الاتفاقية الصينية الأمريكية تمثل "خطوة في الاتجاه الصحيح"، معربة عن أملها في أن "تمهد الطريق لاتفاق دائم يخلق الاستقرار الذي يحتاجه العملاء".
لكن أسعار الذهب - التي استفادت من وضعها الملاذ الآمن في الأسابيع الأخيرة - انخفضت 3% إلى 3224.34 دولار للأونصة.
وأعلن البلدان في بيان مشترك عن إنشاء "آلية لمواصلة المناقشات حول العلاقات الاقتصادية والتجارية" بقيادة سكوت بيسنت ونائب رئيس مجلس الدولة الصيني هو لي فنغ، مع تأكيدهما أن "المحادثات المستمرة يمكن أن تعالج مخاوف كل طرف".
وكان الرئيس ترامب قد أعرب مراراً عن استيائه من العجز التجاري الأمريكي مع الصين، بالإضافة إلى مخاوف تتعلق بحماية حقوق الملكية الفكرية للشركات الأمريكية في الصين، بما في ذلك نقل التكنولوجيا القسري. كما توجد انتقادات حول الدعم الحكومي الصيني المزعوم لشركاتها، وهو ما تنفيه بكين وتشير إلى أن واشنطن تفعل الشيء نفسه.
وكان ترامب قد زعم أن هذه الرسوم ستعزز التصنيع الأمريكي وتحمي الوظائف، بينما حذر اقتصاديون من تأثيرها السلبي على النمو العالمي وارتفاع أسعار المنتجات للمستهلكين الأمريكيين. وقد خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي هذا العام من 3.3% إلى 2.8% بسبب عدم اليقين الناجم عن هذه الرسوم.
يأتي ذلك بعد أسبوع من توقيع بريطانيا والولايات المتحدة اتفاقاً لتخفيض أو إلغاء الرسوم على بعض الصادرات البريطانية مثل السيارات والصلب والألومنيوم، رغم استمرار تطبيق الرسوم العامة بنسبة 10% على معظم السلع البريطانية.