في ظل تسارع الأتمتة والاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي، يتزايد القلق بشأن كيفية الحفاظ على أهميتنا وقيمتنا الأساسية في سوق العمل المستقبلي.
وهذا القلق بات من الأسئلة الأكثر تداولا في سوق العمل، وتعددت محاولات الإجابات بشأنه وسبق أن نشرت الجزيرة نت تقارير عدة بشأنه .
وأحدث هذه المحاولات تقرير لموقع "لو بوينت" (Le Point) الفرنسي بدأ بشكل جذاب قائلا "انت خبير في مجالك، وتدير فرقا من العاملين معك وتكسب بشكل جيد، لكن انتبه فربما لا يكترث الذكاء الاصطناعي بمكانتك تلك. إنه يفرض وجوده دون مراعاة لأحد سواء في قطاعات الإدارة أو الخدمات تاركا وراءه قلقا عاما ينتشر على جميع المستويات: ما الذي سيتبقى للبشر قريبا؟ وكيف يمكنك أن تبقى مهما وأساسيا بالنسبة لعملك؟".
وفي محاولاته للإجابة وربما الطمأنة، استند تقرير الموقع الفرنسي إلى آراء دومينيك دوكيسنوي خبير التوظيف والسلوك البشري الذي يؤكد أن التحدي ليس في خوفنا من أن يحل الذكاء الاصطناعي محلنا، بل في كيفية إعادة تحديد قيمة الإنسان في سوق العمل.
ويشدد دوكيسنوي على أن اكتساب 10 مهارات محددة هو مفتاحك للبقاء عنصرا فعالا وإحداث الفارق.
بينما كانت الشركات تقدر المعرفة، أصبح المعيار الأهم اليوم هو إمكانات التعلم والقدرة على التطور. وهذا يعني ضرورة استعدادك لاستيعاب التغيير والتأقلم مع التطورات التقنية والأدوات الجديدة، وأن تتعامل مع الذكاء الاصطناعي كشريك في التطور وليس تهديدا، وعندها ستنطلق سريعا إلى آفاق أوسع.
يجب التعامل مع الذكاء الاصطناعي كأداة قوية لكنها قابلة للخطأ، لا ينبغي منحها شرعية تتجاوز الإنسان الخبير المتخصص. وفي الوقت نفسه، من العبث تجاهل قيمتها على الإطلاق. والوقوع في فخ المبالغة أو الرفض التام سيؤدي بك إلى الاستبعاد من المنافسة.
مع قدرة الآلة على توفير المعرفة، تفقد الإدارة القائمة على شرعية المعرفة تأثيرها. والمدير المستقبلي لن يكون صاحب الإجابة، بل صاحب القرار والفصل. والقيمة الرئيسية ستكون في القدرة على التوجيه، وفهم الثقافة المؤسسية، والحفاظ على التماسك بين الفرق، وعندها ينتقل تأثير المدير من سلطة المنصب إلى قوة العلاقات والتأثير الشخصي.
الذكاء الاصطناعي يكافئ العقول الواضحة. وتنظيم الفكر وصياغة التعليمات المناسبة ميزة حاسمة، لأن الإجابة تعكس دقة تعليماتك. والأهم أن طريقة صياغتك للتعليمات تنبع من حساسيتك وتفكيرك الفريد. فبينما تجمع الآلات الإجابات بشكل متسلسل ومباشر، يمنحها الإنسان الاتجاه والرؤية. ولذلك فإن تنظيم الفكر هو وسيلة للتعبير عن تميزك وتفردك الشخصي.
في عصر التعلم الذاتي المستمر، يصبح التفكير النقدي هو المهارة الأعلى قيمة. وهذه الاستقلالية تتطلب منك التشكيك في قوة إجابات الذكاء الاصطناعي، ومقارنة المصادر، واكتشاف التحيزات، فضلا عن عدم التسليم المطلق بما تقدمه الآلة.
الذكاء الاصطناعي قد يخلف عزلة لأنه يلغي التفاعلات الضرورية لحل المشكلات. ولذلك فإن جودة علاقاتك الشخصية هي ميزة تنافسية حقيقية. ويجب الحفاظ على روح التعاطف والفكاهة والقدرة على التعاون، بالإضافة إلى تجنب استخدام التكنولوجيا بطريقة تخلف مسافة نفسية بينك وبين زملائك.
لقد عززت السهولة التقنية لدينا ثقافة الاستعجال، حيث نتوقع الحصول على كل شيء فورا. ولهذا فإن الصبر تجاه الذات والآخرين والتقنيات "أصبح قيمة ومهارة حاسمة. و"يجب أن نرفض تحويل علاقاتنا وتفاعلاتنا إلى مجرد إنجاز آلي وسريع، وعلينا أن نعيد تقدير الوقت الذي يحتاجه زملاؤنا لإنجاز مهامهم.
من يفرط في استخدام الذكاء الاصطناعي من أجل تسريع مهامه، يخسر قيمته الحقيقية. فالشركات دائما بحاجة لمن يمتلكون الفهم الإستراتيجي، ويرون كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل عمل الشركة بالكامل، ويستخدمون الأداة كقوة دافعة للنمو الجماعي، لا لمجرد تحقيق مكاسب شخصية.
يتطلب التعامل مع الذكاء الاصطناعي تبني سلوك أخلاقي واضح يتمثل في الشفافية عبر الإفصاح عن استخدام الذكاء الاصطناعي، والأهم هو المسؤولية الرقمية، أي ضمان عدم تغذية الآلة بمعلومات الشركة السرية، فالشركات والمؤسسات تتوقع حسا عاليا بالأمن المعلوماتي.
الشباب هم الأجدر بقيادة مرحلة تبني الذكاء الاصطناعي بشكل صحيح وعادل، لأنهم الأكثر قدرة على تحقيق التوازن بين متطلبات الآلة والمصالح العليا للمؤسسة. ولذلك يجب دمجهم والثقة بقدراتهم، والحذر من استبعادهم من المهام التي يمكن أتمتتها، لأن هذا الإقصاء -الذي يغذيه خوف الموظفين الحاليين على مناصبهم- يحرم الجيل الجديد من اكتساب الخبرة الأساسية الضرورية للتطور والترقي.
المصدر:
الجزيرة