آخر الأخبار

كيف حاربت الضفة الغربية نابليون؟ وهل تنتصر على بن غفير؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول الماضي 2024، نفَّذت إحدى مجموعات المقاومة الفلسطينية عملية تفجير عبوة ناسفة زُرعت مسبقا واستهدفت آلية عسكرية لجيش الاحتلال قرب بوابة 104 غرب مدينة طولكرم، ما أدى إلى إصابة جنديين من جيش الاحتلال، وقد اكتسبت العملية أهميتها لأنها جاءت بعد أكثر من سبعة أشهر من العمليات العسكرية المتواصلة للاحتلال في طولكرم ومخيمَيْها طولكرم ونور شمس، وهي منطقة شديدة التعقيد أمنيا لقربها من جدار الفصل العنصري وكثافة التمركز العسكري الإسرائيلي فيها.

وفي جنين وقُراها تواصل المقاومة الفلسطينية استهداف قوات الاحتلال عبر تفجير العبوات الناسفة محلية الصنع خلال الاقتحامات المتكررة للمدينة ومخيمها، حيث أعلنت سرايا القدس – كتيبة جنين أنها فجَّرت في الخامس عشر من سبتمبر/أيلول الماضي عبوة ناسفة بجيب عسكري قُرب الجدار الفاصل في بلدة السيلة الحارثية.

اقرأ أيضا

list of 2 items
* list 1 of 2 أبراهام شتيرن الصهيوني الذي أراد التحالف مع هتلر من أجل إسرائيل
* list 2 of 2 عائلة روتشيلد.. المال والنفوذ في خدمة إسرائيل end of list

وقد أشارت الباحثة تهاني مصطفى من مجموعة الأزمات الدولية إلى أنّ جنين تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى مركز رئيسي للمقاومة المسلحة في الضفة الغربية ، مع تطور ملحوظ في تكتيكات العمل المسلح، وقد رصدت تقارير ميدانية بالتوازي تصاعد استخدام العبوات الناسفة في شمال الضفة ضمن هذه التحولات.

كذلك الأمر في مدينة نابلس التي تشهد اقتحامات عسكرية شبه يومية لقوات الاحتلال، في مشهد أصبح جزءا من الواقع الأمني في شمال الضفة الغربية، ويعكس حالة اشتباك مستمرة مع الاحتلال على مدار الأعوام الثلاثة الأخيرة.

فمنذ معركة سيف القدس عام 2021 بدأت تتشكل في شمال الضفة خلايا مقاومة مسلحة بشكل متدرج، سرعان ما تطورت إلى تشكيلات أكثر تنظيما مثل كتيبة نابلس وعرين الأسود، وهي الحالة التي توسعت بصورة أكبر مع اندلاع معركة طوفان الأقصى في أكتوبر/تشرين الأول 2023.

يحاول هذا المقال رصد قصة المقاومة في شمال الضفة الغربية منذ نابليون إلى يومنا هذا، وتحديدا فيما يُعرف بمثلث جنين – نابلس – طولكرم الذي كان مركزا للفعل المقاوم عبر مراحل مختلفة من التاريخ الفلسطيني الحديث.

مصدر الصورة خريطة الضفة الغربية، موضحا عليها مدن طوباس وطولكرم وجنين ورام الله والقدس (الجزيرة)

الانتفاضة في وجه نابليون وإبراهيم باشا

لقد لعبت نابلس دورا قياديا في مواجهة حملة نابليون على فلسطين عام 1799، كما شكّلت قاعدة للمقاومة ضد حملة إبراهيم باشا المصرية (1831–1840)، ثم تحولت لاحقا إلى إحدى الساحات المركزية في الثورة الفلسطينية الكبرى 1936–1939 وما تلاها من حركات مقاومة، وصولا إلى دورها المحوري في الانتفاضة الأولى 1987 والانتفاضة الثانية 2000.

إعلان

كان نابليون بونابرت أول مَن غزا فلسطين في العصر الحديث من الأوروبيين بعد استتباب الأمور واحتلاله مصر، ففي التاسع عشر من مايو/أيار عام 1799 قاد حملته العسكرية على المشرق، مواصِلا تقدُّمه نحو غزة التي احتلها بعد معارك عنيفة، ثم تابع زحفه شمالا نحو الرملة، ومنها إلى يافا حيث ارتكب مذبحة واسعة بحق الأهالي والأسرى كما يذكر عبد الرحمن الجبرتي في تاريخه "عجائب الآثار في التراجم والأخبار".

ومن يافا اتجه نابليون لمحاصرة عكا لكنه فشل أمام تحصيناتها الصلبة، فأرسل إلى الجنرال كليبر في مصر يطلب منه تعزيزات، وعند وصول قوات كليبر إلى شمال فلسطين فوجئت بمقاومة شرسة من أبناء جبل نابلس الذين كانوا يتولون الدفاع عن مدن المنطقة، إذ نصبوا كمينا للقوات الفرنسية في أحراش قرية زيتا جمّاعين غرب نابلس، وتمكّنوا من قتل ثلاثين جنديا وتدمير عربة مدفع، وهي الواقعة التي منحت نابلس لقبها التاريخي "جبل النار".

وتدلّ المصادر المحلية على أن والي عكا أحمد باشا الجزار حشد زعامات جبل نابلس لمواجهة الجيش الفرنسي عام 1799، فقد دعا الشيخ يوسف جرار في قصيدةٍ موجَّهة إلى العائلات البارزة في المنطقة إلى المسير نحو عكّا لقتال الفرنسيين، وهو ما يعكس تعبئة اجتماعية واسعة ضد الحملة الفرنسية، بحسب ما يذكره إحسان النمر في كتابه "تاريخ جبل نابلس والبلقاء".

وعلى أسوار عكا خاض الجزار ورجاله معركة فاصلة ضد القوات الفرنسية، ساعدهم في ترجيح كفتهم انتشار الطاعون في صفوف الجيش الفرنسي وانقطاع خطوط الإمداد، إلى جانب المقاومة الباسلة لأهالي فلسطين، ما اضطر نابليون إلى الانسحاب والعودة إلى مصر في مايو/أيار 1799، مُنهيا بذلك فصلا حاسما من محاولته التوسع في المشرق العربي.

ويشير بِشارة دوماني في كتابه "اكتشاف فلسطين من جديد: التجار والفلاحون في جبل نابلس" إلى أن نابلس وجنين وطولكرم كانت عبر التاريخ الحاضنة الطبيعية لأبرز القادة الميدانيين في الثورات الفلسطينية المتعاقبة بفضل بِنيتها الاجتماعية والجغرافية الجبلية القاسية وطابعها العصيّ على السيطرة الاستعمارية.

وسنرى ذلك حين استتب حكم مصر لمحمد علي باشا مطلع القرن التاسع عشر وتمكن من بناء جيش نظامي وأسطول قوي، اتجه نحو مشروع توسعي مستقل عن الدولة العثمانية، فبسط سيطرته على السودان ثم الحجاز، قبل أن يتوجه إلى بلاد الشام التي رأى فيها امتدادا طبيعيا لنفوذه، وعقب رفض السلطان العثماني منحه ولاية الشام، أرسل ابنه إبراهيم باشا على رأس حملة عسكرية عام 1831 لضم فلسطين وبلاد الشام إلى حكمه.

وبالفعل تقدمت قوات إبراهيم باشا شمالا فسيطرت على غزة ثم يافا وحيفا، قبل أن تحاصر عكا التي تحصن فيها واليها عبد الله باشا الجزار، لتسقط بعد قصف مدفعي مكثف، ومن هناك تابع الجيش المصري زحفه نحو القدس واللد ونابلس وصولا إلى شمال الشام، كما يرصد الباحث زهير المصري في دراسته "العصيان المدني لأهل فلسطين ضد حكم محمد علي باشا سنة 1834م".

غير أن سياسة إبراهيم باشا في فلسطين أثارت نقمة واسعة في الأرياف والبلدات، إذ فرض التجنيد الإجباري على الشباب، وصادر الأسلحة من الأهالي، وأجبر الفلاحين على السخرة في شق الطرقات، كما فرض عليهم ضريبة قاسية عُرفت بـ"الفِردة"، ما أدى إلى اندلاع انتفاضات متتالية بلغت ذروتها عام 1834 فيما عُرف بثورة الفلاحين في فلسطين.

إعلان

وقد نسقت العائلات الفلسطينية الكبيرة أعمال المقاومة من جديد، فقاد آل جرار في جنين، وآل البرقاوي في طولكرم، وآل منصور وآل عبد الهادي في منطقة نابلس المعارك ضد جيش إبراهيم باشا، وتشير المصادر المعاصرة إلى أن أولى المواجهات الكبرى وقعت في بلدة زيتا شمال غرب طولكرم واستمرت أربعة أيام قبل انسحاب المقاومين إلى دير الغصون، حيث سقط ما يقرب من 300 شهيد في معركة عنيفة لاحق فيها الجيش المصري المقاومين.

وكما يذكر زهير المصري في دراسته السابقة فإن آل جرار حافظوا على تمركزهم في صانور قرب جنين قبل أن يقتحمها جيش إبراهيم باشا ويعتقل زعيمهم الشيخ محمد جرار، ورغم أن إبراهيم باشا أحكم قبضته على فلسطين مدة تقارب عشر سنوات، فإن الثورات المتتالية في نابلس والخليل والقدس إلى جانب مؤتمر لندن 1841 الذي شاركت فيه القوى الكبرى كروسيا وبريطانيا والنمسا وبروسيا، أجبرته في النهاية على الانسحاب من بلاد الشام وقصر حكم محمد علي على مصر وحدها.

من الثورة الكبرى إلى الانتفاضة

وعقب الهجرة الصهيونية والتوسع في الاستيطان تحت بصر وحماية الاحتلال البريطاني، بدأت ملامح الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936، وقد شكّلت هذه الظروف مقدمات لحالة الغليان الشعبي، فاندلعت ثورات محلية مثل ثورة يافا عام 1921 التي جاءت ردا على اعتداءات المستوطنين في حي المنشية، ثم ثورة البراق عام 1929 التي اشتعلت بعد استفزازات صهيونية قرب حائط البراق ، ما أثار غضب الفلسطينيين دفاعا عن مقدساتهم، وهو ما يُفصِّله عيسى السفري في كتابه "فلسطين العربية بين الانتداب والصهيونية".

أسهمت هذه الأحداث في تنامي الوعي الوطني الفلسطيني، وبدأ الشعور بالخطر من الحركة الصهيونية يتجذر في المجتمع، خاصة مع انكشاف الدور البريطاني المنحاز للمشروع اليهودي، وفي هذا السياق ظهر الشيخ عز الدين القسام القادم من سوريا والمقيم في مدينة حيفا، فأسس أول تنظيم مقاوم منظّم في تاريخ فلسطين المعاصر، وخاض اشتباكات ضد القوات البريطانية قبل أن يُستشهد في أحراش بلدة يعبد قُرب جنين في نوفمبر/تشرين الثاني 1935، وقد شكَّل استشهاده الشرارة التي أشعلت مشاعر الغضب وألهمت آلاف الفلسطينيين للالتحاق بالمقاومة.

اندلعت الثورة الفلسطينية الكبرى في 15 أبريل/نيسان 1936 بإضراب عامٍ شامل استمر ستة أشهر، شاركت فيه مدن وقرى فلسطين كافة، ويُعد الأطول في تاريخ البلاد تحت الانتداب البريطاني ، ومع اتساع رقعتها تحولت الثورة إلى حركة مقاومة مسلحة كان رجال القسام والفلاحون نواتها الصلبة، فأعادوا تنظيم أنفسهم في فصائل ميدانية بتأييد واسع من العائلات الوطنية في شمال الضفة مثل آل جرار في جنين وآل طوقان في نابلس وآل سيف في طولكرم.

وفي مرحلتها الثانية (1938–1939) برز عبد الرحيم الحج محمد، ابن قرية ذنابة شرق طولكرم، بوصفه القائد العام للثورة حتى استشهاده في مارس/آذار 1939، كما تُبيّن ذلك الوثائق التي جمعها أكرم زعيتر عن الثورة في كتابه السابق.

ورغم إخمادها عسكريا قُبيل الحرب العالمية الثانية ، فإن الثورة الفلسطينية الكبرى رسَّخت العمل المسلح المنظم وعمَّقت الوعي الوطني الفلسطيني وربطت بين المقاومة الريفية والقيادة الشعبية، لتصبح مرجعا لكل الحركات الثورية الفلسطينية اللاحقة.

فيما بعد شكَّلت النكبة عام 1948 نقطة تحول كبرى في التاريخ الفلسطيني الحديث، إذ نتج عنها تدمير المجتمع الفلسطيني وتشريد أكثر من 750 ألف فلسطيني، وبعد النكبة قُسِّمت أرض فلسطين، فأصبحت الضفة الغربية تحت الإدارة الأردنية، بينما خضع قطاع غزة للإدارة المصرية، في حين أقامت العصابات الصهيونية كيانها على ما تبقى من أراضي فلسطين.

ومع موجات اللجوء القسري، أُقيمت مخيمات اللاجئين بوصفها حلًّا مؤقتا بانتظار العودة، ففي شمال الضفة الغربية استقبل أهالي المنطقة الآلاف من المهجّرين، فأُنشئت خمسة مخيمات في نابلس وهي بلاطة، وعسكر القديم والجديد، والعين، والفارعة، ومخيم جنين في محافظة جنين، ومخيما طولكرم ونور شمس في طولكرم، وهي المخيمات التي تحولت لاحقا إلى مراكز رئيسية للحراك الوطني والمقاومة.

إعلان

وعقب النكبة دخل الفلسطينيون في مرحلة تنظيم العمل الوطني من خلال تشكيل قوى سياسية وفدائية تسعى لتحرير فلسطين، فظهر تيار حركة القوميين العرب في الخمسينيات من القرن الماضي، قبل أن يتفكك بعد هزيمة 1967 وتنبثق عنه الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة جورج حبش في العام نفسه، بينما تأسست قبل ذلك حركة التحرير الوطني الفلسطيني – فتح عام 1964 بقيادة ياسر عرفات وخليل الوزير .

وفي هذه المرحلة تمركزت منظمة التحرير الفلسطينية في المنافي العربية، لكنها حافظت على أذرع مسلحة داخل الأرض المحتلة، وخلال هذه الفترة برزت شادية أبو غزالة من نابلس بوصفها أول شهيدة فلسطينية بعد النكسة عام 1968 حين انفجرت بها عبوة ناسفة كانت تعدّها لعملية فدائية في تل أبيب ، وتَبيَّن أنها كانت عضوا في خلية تابعة للجبهة الشعبية داخل الضفة.

ومع تصاعد الوعي الوطني أعلن الفلسطينيون في الداخل المحتل يوم الأرض في 30 مارس/آذار 1976 احتجاجا على سياسة مصادرة الأراضي، وهو ما عُدَّ أول حراك وطني موحد شمل فلسطين والشتات، وفي هذه الفترة لمع دور شخصيات وطنية بارزة في شمال الضفة مثل بسام الشكعة رئيس بلدية نابلس، الذي شارك في تأسيس لجنة التوجيه الوطني لمواجهة الإدارة المدنية الإسرائيلية، وقد تعرض لمحاولة اغتيال عام 1981 نتيجة نشاطه الوطني، وقد أدت هذه التحولات إلى انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 التي شكَّلت محطة فاصلة في تاريخ المقاومة الشعبية الفلسطينية، وهو ما يرصده جوست هلتمان في كتابه "ما وراء الانتفاضة".

انطلقت شرارة الانتفاضة في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 1987 إثر قيام شاحنة لمستوطن إسرائيلي بدهس مركبة تقل عمالا فلسطينيين على حاجز إيرز شمال قطاع غزة، ما أدى إلى استشهاد أربعة منهم وإصابة آخرين، وقد انتشرت الاحتجاجات بسرعة من جباليا إلى مختلف مدن وقرى الضفة الغربية والقدس، وتحولت خلال أيام إلى انتفاضة شعبية شاملة اتخذت شكل عصيان مدني ومواجهات شعبية بالحجارة ضد دوريات الاحتلال. ويشير عبد القادر ياسين في "الحركة الوطنية الفلسطينية في القرن العشرين" إلى أن الانتفاضة تميزت بالمشاركة الواسعة من مختلف فئات المجتمع الفلسطيني وخاصة فئة الشباب.

وفي شمال الضفة الغربية انتقلت المقاومة الشعبية سريعا إلى مدن نابلس وجنين وطولكرم، وشهدت المنطقة أحداثا مفصلية، من أبرزها ما عُرف بسياسة "تكسير العظام" التي أمر بها وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين لقمع الانتفاضة، ففي 26 فبراير/شباط 1988 قامت قوة احتلالية بالاعتداء على شابين فلسطينيينِ في تل بلاطة قرب مخيم بلاطة شرق نابلس، وصُوِّرَ الجنود وهم يكسرون عظام الشابين بالحجارة، وانتشر التسجيل في وسائل الإعلام العالمية، ما أشعل موجة غضب واسعة في شمال الضفة.

ومع بداية التسعينيات شهدت الانتفاضة تحولا لافتا في شمال الضفة تَمثَّل في عسكرة الانتفاضة عبر تشكيل أجنحة عسكرية سرية للفصائل الفلسطينية، فقد ظهرت مجموعات "الفهد الأسود" التابعة لحركة فتح في نابلس، إلى جانب "النسر الأحمر" الذراع العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ونفَّذت المجموعتان عمليات نوعية استهدفت قوات الاحتلال والعملاء كما يرصد عبد القادر ياسين في كتابه السابق.

كما شهدت المنطقة بدايات العمل الفدائي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" بقيادة المهندس يحيى عياش، حيث نُفِّذت أولى عمليات كتائب القسام في شمال الضفة، ففي عام 1993 نفَّذ ساهر تمام من نابلس عملية تفجير مركبة مفخخة استهدفت حافلتين عسكريتين قُرب مفترق ميحولا في الأغوار نصرةً لمبعدي مرج الزهو، وفي العام نفسه نفَّذ رائد زكارنة من قباطية بقضاء جنين عملية فدائية في مدينة العفولة ردًّا على مجزرة الحرم الإبراهيمي التي ارتكبها المستوطن باروخ غولدشتاين عام 1994.

الانتفاضة الثانية وظهور جيل مقاوم جديد

وقد اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية المعروفة بـ"انتفاضة الأقصى" في الثامن والعشرين من سبتمبر/أيلول عام 2000، عندما قاد أرييل شارون ، زعيم المعارضة الإسرائيلية آنذاك، اقتحاما استفزازيا للمسجد الأقصى برفقة نحو ألفَيْ جندي من قوات الاحتلال، أدى ذلك إلى مواجهات عنيفة في ساحات المسجد، وسرعان ما امتدت شرارة الانتفاضة إلى القدس والضفة الغربية وقطاع غزة.

ويشير رمزي بارود في كتابه "الانتفاضة الفلسطينية الثانية" إلى أن هذا الاقتحام فجّر تراكمات غضب شعبي نتيجة تعثُّر مسار التسوية واستمرار الاستيطان والاغتيالات الإسرائيلية.

إعلان

وقد برز شمال الضفة الغربية خلال الانتفاضة الثانية بوصفه أحد أهم معاقل المقاومة المسلحة، حيث خرجت منه أبرز العمليات الاستشهادية والنوعية التي هزّت العمق الإسرائيلي.

ويُعد مخيم جنين رمزا للمقاومة خلال تلك المرحلة بالنظر إلى معركة المخيم في أبريل/نيسان 2002، التي عُدَّت واحدة من أعنف المعارك في تاريخ الصراع، ففي 3 أبريل/نيسان 2002 اقتحمت قوات الاحتلال المخيم بقوات كبيرة مدعومة بالدبابات والجرافات، لتبدأ حملة تدمير واشتباكات استمرت 15 يوما متواصلة، وشكَّلت الفصائل غرفة عمليات مشتركة جمعت كتائب القسام وسرايا القدس وكتائب شهداء الأقصى بقيادة أبو جندل من جهاز الأمن الوطني ومحمود طوالبة القائد في حركة الجهاد الإسلامي ، حيث انتهت المعركة باستشهاد 52 فلسطينيا ومقتل 23 جنديا إسرائيليا، وفق تقرير "هيومان رايتش ووتش ".

إلى جانب المقاومة المسلحة في جنين، تميزت الانتفاضة بمرحلة التطوير العسكري المحلي في شمال الضفة، ففي جنين أُعيد تصنيع قذائف الهاون محليا على يد الحاج علي السعدي ومحمود طوالبة، وأطلقت القذائف على المستوطنات القريبة، وفي طولكرم برز الشهيد سائد عودة الذي طور نموذجا محليا من صواريخ القسام وأدخل تعديلات على مداها لتناسب جغرافيا الضفة الغربية، كما شارك نصر جرار من جنين في نقل خبرات التصنيع العسكري وتطوير خلايا القسام في الضفة، بحسب رصد أنتوني هـ كوردزمان في كتابه "إسرائيل ضد الفلسطينيين: الانتفاضة الثانية والحرب غير المتكافئة".

وفي سياق العمل الفدائي المنظم، نفَّذ الأسير القائد عباس السيد سلسلة عمليات استشهادية باسم كتائب عز الدين القسام ، أبرزها عملية فندق بارك في نتانيا في مارس/آذار 2002 التي منحته مكانة بارزة في العمل المقاوم.

مصدر الصورة القائد البارز في كتائب القسام عباس السيد المعتقل في سجون الاحتلال (الجزيرة)

أما كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح فقد برز دورها في طولكرم، التي عُرفت باسم "مدينة الرد السريع" بزعامة الشهيد رائد الكرمي الذي قاد عمليات رد فعل مباشرة على اغتيالات الاحتلال، وبعد اغتيال الدكتور ثابت ثابت في ديسمبر/كانون الأول 2000، ردّت الخلايا الفتحاوية سريعا بعمليات ثأرية عززت سمعة المدينة بوصفها معقلا للعمل المقاوم.

كما شهدت نابلس واحدة من أعنف حملات الاغتيال خلال الانتفاضة، حين قصفت طائرات الاحتلال عام 2001 مبنى المركز الفلسطيني للإعلام في حي رفيديا، ما أدى إلى استشهاد القياديين في حركة حماس جمال منصور وجمال سليم، ضمن سياسة الاغتيالات المركزة التي اعتمدها الاحتلال، وفي البلدة القديمة قاد نايف أبو شرخ مجموعات فرسان الليل التابعة لكتائب الأقصى، قبل أن يُغتال عام 2004 مع مقاتلين من القسام وسرايا القدس.

واصلت مناطق شمال الضفة قيادة العمل المقاوم حتى بعد إعلان "هدنة شرم الشيخ" في فبراير/شباط 2005، إذ رفضت فصائل المقاومة وقف عمليات المقاومة، واستمرت العمليات الفدائية الفردية والمنظمة، ففي عام 2006 نفَّذ سامر حمد من جنين عملية استشهادية في تل أبيب، وفي عام 2011 نفَّذ الشابان حكيم وأمجد عواد من بلدة عورتا قرب نابلس عملية لافتة داخل مستوطنة إيتمار أسفرت عن مقتل خمسة مستوطنين، وقد أسهمت هذه العمليات في إبقاء جذوة المقاومة مشتعلة رغم المتغيرات السياسية ومحاولات احتواء الانتفاضة.

وقد شهدت مرحلة ما بعد الانتفاضة الثانية، وخصوصا بعد الانقسام الفلسطيني عام 2007، تحولات إستراتيجية في مسار المقاومة الفلسطينية، إذ تباين المسار السياسي والميداني بين قطاع غزة الذي خضع لسيطرة حركة حماس وتبنى نهج المقاومة المسلحة، وبين الضفة الغربية التي خضعت لإدارة السلطة الفلسطينية ضمن مسار المفاوضات والتنسيق الأمني مع الاحتلال.

وبينما خاضت غزة ثلاث حروب كبرى مع الاحتلال الإسرائيلي في أعوام 2008 و2012 و2014، شهدت الضفة الغربية حالة احتقان متراكمة دون انفجار شامل، لكنها قدمت إشارات مبكرة على عودة المقاومة من خلال حراكات تضامنية مع غزة، وفق منصة "أكليد" للنزاعات المسلحة في دراسة بعنوان "عودة تصاعد تنظيمات المقاومة المسلحة في الضفة الغربية وصلتها بقطاع غزة".

وفي الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2015، شكَّلت عملية إيتمار قُرب قرية عورتا جنوب نابلس، التي نفَّذتها خلية تابعة لكتائب القسام، منعطفا نوعيا في مسار المقاومة في الضفة الغربية، فقد عُدَّت العملية الشرارة التي فجَّرت ما أصبح يُعرف لاحقا بـ"هبّة القدس" أو "انتفاضة السكاكين"، التي تزامنت مع الاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى ومحاولات تقسيمه زمانيا ومكانيا.

وبخلاف الانتفاضات السابقة، اتخذت هذه الانتفاضة طابعا جديدا تَمثَّل في تصاعد العمليات الفردية، حيث بادر شبان فلسطينيون إلى تنفيذ عمليات طعن ودهس وإطلاق نار فردية دون ارتباط تنظيمي مباشر، الأمر الذي أربك أجهزة الأمن الإسرائيلية لصعوبة تعقب أو منع منفذي العمليات.

وقد استخدمت هذه العمليات أسلحة بسيطة مثل السكاكين أو المركبات أو سلاح الكارلو محلي الصنع، لكن تأثيرها الأمني والسياسي كان كبيرا، ومن أبرز هذه العمليات عملية قباطية في القدس التي نفَّذها الشبان محمد كميل وأحمد زكارنة وأحمد أبو الرب في فبراير/شباط 2016، باستخدام بنادق "كارلو" وسكاكين، وأسفرت عن مقتل مجندة إسرائيلية وإصابة ثلاثة آخرين.

ومع مرور الوقت تطورت العمليات الفردية من حيث الدقة والتخطيط، فشهدت الضفة الغربية سلسلة عمليات نوعية قادها شبان مطاردون استمرت قصصهم لأيام طويلة في مواجهة جيش الاحتلال، بحسب تقرير للجزيرة الإنجليزية بعنوان " فلسطين 2015: العمليات الفردية افتتحت مرحلة جديدة من المقاومة".

ففي يناير/كانون الثاني 2018، نفَّذ الشاب أحمد نصر جرار من جنين عملية إطلاق نار قرب مستوطنة حفات جلعاد أدت إلى مقتل مستوطن، وعلى مدى 23 يوما خاض جرار معركة مطاردة مع قوات الاحتلال حتى اغتياله في بلدة اليامون ، وقد عُرف أنه نجل القائد القسامي نصر جرار الذي استُشهد خلال الانتفاضة الثانية، وفي العام نفسه في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2018، نفَّذ أشرف نعالوة من ضاحية شويكة قرب طولكرم عملية إطلاق نار في منطقة بركان الصناعية فقتل مستوطنين وأصاب ثالثا ثم انسحب بنجاح، قبل أن يُستشهد بعد 65 يوما من المطاردة في مخيم عسكر الجديد بنابلس.

لقد أسهمت هبَّة القدس في إعادة إنتاج المقاومة بصيغة جديدة مزجت بين التحريض الشعبي والفعل المقاوم الفردي، وأثبتت أن المقاومة لا تزال جزءا أصيلا من الحركة الوطنية الفلسطينية رغم القيود الأمنية والانقسام السياسي، كما أنها مهَّدت، وفق مراقبين وإستراتيجيين فلسطينيين وغربيين، لعودة المقاومة المنظمة لاحقا في الضفة الغربية من خلال كتيبة جنين وعرين الأسود وكتيبة نابلس وغيرها من التشكيلات التي ظهرت بعد عام 2021، وقد رصد معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي هذه الظاهرة بدقة، مع تأكيده تبلور تنظيمات مقاومة محلية جديدة في الضفة الغربية.

ولهذا السبب شهدت الضفة منذ عام 2021 بروز جيل جديد من المقاومة المسلحة عُرف باسم جيل المخيمات ، الذي أعاد تنظيم الاشتباك مع الاحتلال خارج الأطر الفصائلية التقليدية. ففي يناير/كانون الثاني 2021، وأثناء اقتحام قوات الاحتلال لمدينة جنين لهدم منزل الأسير أحمد القنبع، فوجئت القوة المقتحمة بإطلاق نار مباشر أدى إلى اشتباك مسلح مفاجئ.

كان وراء تلك العملية الشهيد جميل العموري، أحد قادة سرايا القدس في جنين، الذي بدأ بعدها بتشكيل نواة كتيبة جنين، ومع معركة سيف القدس عام 2021، ظهر العموري علنا في تسجيلات مصورة دعا فيها إلى إعادة إشعال المقاومة المسلحة في الضفة، قبل أن يُستشهد في العاشر من يونيو/حزيران 2021 بعد ملاحقة إسرائيلية متواصلة، ليصفه رفاقه بلقب "مجدد الاشتباك".

شكَّل استشهاد العموري حافزا لاستمرار مشروعه المقاوم من داخل مخيم جنين، وكما ترصد مجموعة الأزمات الدولية في دراسة بعنوان "الجيل الجديد من المجموعات الفلسطينية المسلحة"، فإن عملية نفق الحرية في سبتمبر/أيلول 2021، التي حرَّر فيها ستة أسرى أنفسهم من سجن جلبوع، كانت نقطة الانطلاقة العلنية لكتيبة جنين، حيث أعلنت الكتيبة عن نفسها باعتبارها إطارا مقاوما مستقلا يجمع مقاتلي مختلف الفصائل، بهدف حماية الفارّين من الأسر ودعم العمل المقاوم ضد الاحتلال.

حيث ركزت عمليات الكتيبة في بداياتها على صد اقتحامات قوات الاحتلال لمدينة جنين ومخيمها، ثم تطورت لاحقا إلى تنفيذ عمليات إطلاق نار على الحواجز والمستوطنات المحيطة بجنين، وانتشار مجموعاتها في بلدات قباطية والسيلة الحارثية واليامون وكفر دان ومناطق أخرى، مع تطوير قدرات التصنيع العسكري للعبوات الناسفة وأسلحة الاشتباك القريب.

امتد تأثير كتيبة جنين إلى مدينة نابلس عام 2022 مع ظهور تشكيل عرين الأسود في البلدة القديمة، وهو تجمُّع مقاوم ضم مقاتلين من فتح وحماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، ومع تصاعد عمليات إطلاق النار على الحواجز العسكرية الإسرائيلية في محيط نابلس، بدأت قوات الاحتلال حملة اغتيالات منظمة ضد قيادات العرين، فاغتالت أدهم مبروكة (الشيشاني) وأشرف المبسلط ومحمد الدخيل، ثم اغتالت عبود صبح ومحمد العزيزي اللذين يُعدان من مؤسسي العرين.

وفي أغسطس/آب 2022، اغتيل المطارد إبراهيم النابلسي بعد حصار طويل في قلب نابلس تحول إلى ملحمة مقاومة ألهمت الضفة بأكملها، وفي الثالث من سبتمبر/أيلول 2022 أعلن عرين الأسود عن نفسه رسميا خلال تشييع صبح والعزيزي، كما نفَّذ سلسلة عمليات نوعية بينها عملية شافي شمرون قرب دير شرف غرب نابلس، التي نفَّذها الأسيران كمال جوري وأسامة الطويل.

وفي السياق نفسه، دخلت طولكرم على خط المقاومة المسلحة بإعلان تأسيس كتيبة طولكرم ، سرايا القدس في مخيم نور شمس في مارس/آذار 2022، وبعد أسابيع استشهد قائدها المؤسس سيف أبو لبدة إلى جانب رفيقَيْه صائب عباهرة وخليل طوالبة بعد كمين إسرائيلي استهدف مركبتهم قرب طولكرم، كما تولى قيادة الكتيبة بعده الشهيد محمد جابر (أبو شجاع)، قبل أن ينضم إليها أمير أبو خديجة مؤسس مجموعات الرد السريع الذي اغتيل في مارس/آذار 2023 بعد اشتباك مسلح مع قوة إسرائيلية خاصة.

وقد توسعت الكتيبة لاحقا لتشمل مجموعات متعددة، منها كتائب القسام، وسرايا القدس، ومجموعات الثأر والتحرير، وجند الله ، والرد السريع، لتتحول طولكرم إلى الضلع الثالث فيما بات يُعرف بمثلث الرعب: جنين – نابلس – طولكرم.

وشاركت هذه الكتائب الجديدة في سلسلة معارك شرسة مع الاحتلال، أبرزها معركة " بأس جنين " في يوليو/تموز 2023، حين اقتحمت قوات الاحتلال مخيم جنين بأكثر من 100 آلية عسكرية وطائرات مُسيرة وشنَّت عملية استمرت 48 ساعة، خاضت كتيبة جنين خلالها مواجهة مفتوحة استخدمت فيها العبوات الناسفة المتطورة وكمائن الاشتباك من مسافة صفر، وانتهت العملية بانسحاب قوات الاحتلال دون تحقيق هدفها المعلن بتفكيك الكتيبة، ما اعتبرته الصحافة الإسرائيلية فشلا عسكريا وأمنيا كبيرا.

المقاومة في الضفة بعد 7 أكتوبر

بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعلنت فصائل المقاومة في شمال الضفة انخراطها المباشر في المعركة، حيث نفَّذت كتيبة جنين سلسلة عمليات إطلاق نار استهدفت المستوطنات والحواجز المقاومة على أراضي جنين، كما أعلنت كتيبة طولكرم مسؤوليتها عن تنفيذ عدد من العمليات بحسب تقارير للجزيرة نت .

اللافت في هذه العمليات تطوُّرها من الناحية العملية والتنظيمية، حيث نفَّذت كتائب القسام في طولكرم عملية مُركَّبة قرب مفترق بيت ليد شرق المدينة، وأطلقت سيارة مسرعة النار نحو سيارة يستقلها جنود الاحتلال، ثم أشعل المقاومون النار في السيارة قرب بلدة بلعا لاستدراج الجنود الإسرائيليين إليها، فور وصولهم فجَّر المقاومون عبوات مزروعة مسبقة بقوة البحث، كما نشرت الكتائب تسجيلا مصورا للعملية.

إلى جانب التطور في تنفيذ العمليات، تطورت كتائب الضفة أيضا بنوعية العبوات التي تستخدمها، فالتجربة علَّمت أبناء المخيم أساليب لتصبح عبواتهم أكثر فتكا، أعلنت سرايا القدس عن هذا التطور خلال معركة "رعب المخيمات" أو كما سمّاها جيش الاحتلال "المخيمات الصيفية"، وهي أكبر حملة تستهدف شمال الضفة الغربية منذ عملية السور الواقي عام 2002، بحسب "مركز القدس الإسرائيلي للأمن والشؤون العامة".

وقد برز عدد من القادة الجدد في شمال الضفة في ذلك الوقت، كان أبرزهم عبد الحكيم شاهين قائد كتيبة نابلس الذي استشهد في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2024 بعد محاصرته في البلدة القديمة في نابلس، ونور البيطاوي أحد قادة كتيبة جنين الذي استُشهد بعد محاصرة منزل كان فيه وقُصف بمسيرة مفخخة في مدينة نابلس.

وكذلك محمد جابر أبو شجاع قائد كتيبة طولكرم الذي لاحقته إسرائيل والسلطة على حدٍّ سواء لسنوات، وفشلوا في اغتياله أو اعتقاله، كان أبو شجاع أحد أخطر المطلوبين في الضفة بحسب وصف الصحافة العبرية التي قالت عنه: "المسؤول عن زعزعة الأمن في المنطقة"، وقد استُشهد أبو شجاع في 29 أغسطس/آب 2024 بعد محاصرته في أحد المنازل في مخيم طولكرم وإطلاق صاروخ على المبنى المحاصر.

وبسبب هذه العمليات النوعية رفعت إسرائيل سقف المواجهة مع الكتائب في الضفة وأدخلت سلاح الجو في المعادلة، ونفَّذت عدة عمليات اغتيال من خلال الطيران المسير والحربي كما حدث عند اغتيالها الشهيد زاهي العوفي، وهو أحد قادة كتائب القسام في مخيم طولكرم، بعد قصف مقاتلة إسرائيلية مقهى كان يجلس فيه مُخلِّفة مجزرة قتلت 18 شهيدا.

ونتيجة لذلك قرر وزراء جيش الاحتلال شن حملة تحريض وتهديد ضد المدن والناس في شمال الضفة، كان من أبرزهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش الذي قال وفق ما نقلته صحيفة "جيروسالم بوست" الإسرائيلية: "سنُحوِّل مدينة طولكرم ومخيم نور شمس وضاحية شويكة إلى مدن مدمَّرة مثل غزة".

وفي 21 يناير/كانون الثاني 2025، شن جيش الاحتلال عملية عسكرية واسعة على مدينة جنين ومخيمها، وبعدها بستة أيام توسعت العملية لتشمل طولكرم ومخيمَيْها، حيث فرضت قوات الاحتلال طوقا أمنيا على المدينتين، واقتحمت المخيمات وباشرت بعملية تهجير لسكانها، وتشير الإحصائيات إلى وجود أكثر من 25 ألف نازح من مخيمَيْ طولكرم ونور شمس في طولكرم، و22 ألف نازح من مخيم جنين.

خلَّفت العملية العسكرية على مخيم جنين 63 شهيدا بينهم أربعة برصاص قوات السلطة الفلسطينية، مع آلاف النازحين الذين عانوا أوضاعا معيشية صعبة، ولا سيما مع استمرار عمليات الاحتلال في المخيم والقرى المحيطة بجنين وقتئذ، كما دمرت قوات الاحتلال عشرات المنازل ضمن خطة هدم لبيوت الفلسطينيين.

ورغم هذا التصعيد غير المسبوق، واصلت فصائل المقاومة تصديها لقوات الاحتلال، حيث أعلنت سرايا القدس في طولكرم وفق تقارير ميدانية رصدتها الجزيرة نت وقتها عن تفجيرها عبوة ناسفة من نوع "شجاع1" في جرافة عسكرية إسرائيلية في مخيم نور شمس، ولم تكد بيانات كتيبة جنين تتوقف عند اقتحام قوات الاحتلال لقرى جنين مثل السيلة الحارثية واليامون وغيرها.

ومهما يكن، فقد أثبتت منطقة شمال الضفة الغربية أن مسار المقاومة لم يكن طارئا أو عابرا، بل هو امتداد تاريخي مُتجذِّر لديها في مواجهة الاحتلال، ورغم محدودية الإمكانات العسكرية مقارنة بترسانة الجيش الإسرائيلي ، فلا تزال هذه المنطقة تُشكِّل عقبةً ميدانية وإستراتيجية أمام مشاريع الضم والتهجير والاقتلاع، وحافظا لنموذج مقاوِم متوارث تتجدد أشكاله وأساليبه دون أن تنكسر إرادته.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا