استفحلت أزمة التجويع هذه الأيام على نحو خطِر في قطاع غزة ، وتزايدت الوفيات بسبب سوء التغذية، وبات مئات الآلاف مهددين بالموت جوعا في ظل الحصار الإسرائيلي الذي يمنع بشكل شبه كامل دخول المساعدات للمحاصرين.
ورغم التحذيرات المتواترة من تفشي المجاعة في غزة، وتزايد المؤشرات الواضحة على ذلك، فإن الأمم المتحدة لم تعلنها رسميا حتى الآن، مع الأخذ في الاعتبار أن إسرائيل حظرت عمليا نشاط المنظمة الأممية والوكالات التابعة لها في القطاع.
وفي ما يلي 7 نقاط توضح لماذا تأخرت الأمم المتحدة في إعلان المجاعة في غزة:
قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ( الأونروا ) -اليوم الأحد- إن إسرائيل تتعمد تجويع المدنيين في غزة، بمن فيهم مليون طفل يعاني كثير منهم سوء التغذية ويواجهون خطر الموت.
ووفقا لمركز الإعلام الحكومي في القطاع، فإن 650 ألف طفل (من 2.4 مليون يعيشون في القطاع) يواجهون خطر الموت بسبب سوء التغذية والتجويع، في حين تواجه نحو 60 ألف حامل خطرا حقيقيا بسبب نقص الغذاء والرعاية الصحية اللازمة.
كما أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أن 112 طفلا في غزة يدخلون المستشفيات يوميا للعلاج من سوء التغذية والهزال الشديد، فضلا عن موت 620 شخصا بسبب التجويع، 70 منهم قضوا منذ يونيو/حزيران الماضي.
إضافة إلى ما سبق، أكدت السلطات في غزة أن الناس باتوا يصابون بالإغماء في الشوارع بسبب التجويع.
في الإطار، قال المستشار الإعلامي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) عدنان أبو حسنة -للجزيرة نت- إن غزة تعيش جوعا حقيقيا يضرب مئات الآلاف من الفلسطينيين في مختلف المناطق، وسط انهيار المنظومة الصحية وشح المياه الصالحة للشرب، وهو ما يزيد الأوضاع الإنسانية تعقيدا وخطورة.
فرضت إسرائيل حظرا على دخول المساعدات عقب انقلابها على اتفاق وقف إطلاق النار في مارس/آذار الماضي.
وفي مايو/أيار الماضي، بدأت ما تمسى " مؤسسة غزة الإنسانية " الأميركية مهمة التحكم في المساعدات، ومنذ ذلك الوقت تواترت عمليات إطلاق النار على المجوّعين عند مراكز المساعدات، مما أسفر عن استشهاد نحو ألف فلسطيني وإصابة آلاف آخرين.
أواخر مايو/أيار الماضي، أعلن مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا) أن كل سكان غزة على حافة المجاعة، وأن القطاع هو المنطقة الأكثر جوعا على وجه الأرض.
ورغم تحذيراتها العديدة من إمكانية حدوث مجاعة في غزة، فإن الأمم المتحدة وهيئاتها تتجنب حتى الآن إعلان الحالة، وقد يكون ذلك ناتجا عن إبعادها من قبل الاحتلال الإسرائيلي، أو لأنها تعتبر أن الشروط لتحقق ذلك لم يتم استيفاؤها.
في السياق، انتقد رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، صلاح عبد العاطي، تأخر الأمم المتحدة في إعلان قطاع غزة منطقة مجاعة.
واعتبر عبد العاطي -في تصريحات للجزيرة نت- أن هذا تأخر غير مبرر، وشدد على أن المعايير التي تعتمدها المنظمة الدولية تحققت في غزة، حيث يعيش السكان المرحلة الأخيرة من المجاعة المعروفة بـ"الجوع الكارثي"، وهي المرحلة الخامسة حسب التصنيف الأممي، وتسبقها المرحلة الرابعة "الجوع الحاد".
وفقا لتقرير معلوماتي أعدّته نسيبة موسى لقناة الجزيرة، فإن المعايير المحددة لإعلان المجاعة رسميا في أي منطقة بالعالم تتوفر في غزة منذ مدة.
ومن بين هذه المعايير مواجهة 20% من السكان مستويات جوع شديدة، وتوثيق معاناة 30% من الأطفال من الهزال والنحافة الشديدة.
من جهتها، ذكرت وكالة أسوشيتد برس في تقرير نشرته مؤخرا أن ما يعرف بـ"التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي" -وهي آلية رئيسية تستخدمها المجموعة الدولية لتحليل البيانات المتعلقة بالأزمات الغذائية وتقرير ما إذا كانت هناك مجاعة حدثت بالفعل أو يمكن أن تحدث- يضع 3 محددات لإعلان المجاعة، تشمل بالإضافة للعنصرين السابقين، وفاة شخصين بالغين أو 4 أطفال يوميا من كل 10 آلاف شخص بسبب التجويع.
وقالت الوكالة إنه لا توجد قاعدة تحدد الجهة التي يمكنها إعلان المجاعة في منطقة ما، لكنها أوضحت أنه في الغالب يقوم بذلك مسؤولون أمميون أو حكومات.
وفي هذا الصدد، أوضح المستشار الإعلامي لوكالة الأونروا عدنان أبو حسنة أن إعلان المجاعة يتطلب 3 شروط في منطقة جغرافية محددة: أن يكون 20% على الأقل من السكان يواجهون مستويات شديدة من الجوع، وأن يعاني 30% من الأطفال من الهزال أو النحافة الشديدة، وتضاعف معدل الوفيات مقارنة بالمتوسط، بما يشمل وفاة واحدة يوميا لكل 10 آلاف بالغ، وحالتي وفاة لكل 10 آلاف طفل يوميا.
وفي السياق نفسه، أوضح الأكاديمي والناشط الإنساني عثمان الصمادي أن المعايير التي تحكم وضع المجاعة وسوء درجتها لا تعتمد فقط على عدم توافر الغذاء، بل أيضا على معايير أخرى مهمة، منها وجود رقعة زراعية وإمكانية الوصول إليها، والنظام الصحي وتوفر الأدوية والمستهلكات الطبية والأجهزة الطبية والبنية التحتية بشكل عام، وتوافر المياه الصالحة للشرب، ومعدل البطالة ودخل الفرد، وأسعار المواد الأساسية الغذائية ومواد النظافة العامة، والطقس ودرجة الحرارة، وتوافر السكن والمواصلات والقدرة على التنقل للوصول للغذاء أو الدواء أو الماء.
من جانبه، قال رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، صلاح عبد العاطي، إن أكثر من نصف مليون فلسطيني معرضون الآن لخطر الوفاة، معظمهم من الأطفال، داعيا الأمم المتحدة إلى الإسراع بإعلان قطاع غزة منطقة مجاعة، واتخاذ تدابير تضمن إدخال المساعدات الغذائية بشكل عاجل لمنع سقوط آلاف الضحايا.
أما المحامي والخبير الدولي أنيس فوزي قاسم، فقال إن هذه المعايير تعتمد على حجم المجاعة ودرجتها وقسوتها، وتقييم الحاجات المطلوبة، وهذا يشمل الأمن الغذائي والوصول إلى مياه شرب نظيفة، والخدمات الصحية وأماكن الإيواء.
تأخر المنظمات الدولية في إعلان المجاعة في غزة من شأنه أن يشجع الاحتلال على الاستمرار في إنكار وجود أزمة إنسانية، ومن ثم تعرضه لضغط أقل، وهو ما ينجم عنه تأخر إضافي في إدخال المساعدات الإغاثية المستعجلة.
في الأيام القليلة الماضية، تزايدت حالات الوفاة بين الأطفال جراء سوء التغذية، وبات أكثر من 650 ألف طفل يواجهون خطر الموت، وفق السلطات في قطاع غزة.
كذلك انعكست أزمة التجويع على كبار السن، والمرضى المصابين بأمراض مزمنة، والمحتاجين لعلاج طبي مستمر مثل غسيل الكلى.
وحول التداعيات الاجتماعية والصحية لأزمة التجويع، قال الأكاديمي والناشط الإنساني عثمان الصمادي إن الأطفال هم الفئة الأكثر حساسية وتأثرا بسوء التغذية ونقص العلاج والمطاعيم، لذلك فإن الأطفال دون سن الخامسة هم الأكثر عرضة للموت نتيجة المجاعة.
وأشار إلى وفاة أكثر من 70 طفلا -معظمهم دون سن الخامسة- ولفت إلى أن كبار السن يعانون معاناة خطرة نتيجة أمراضهم المزمنة ومناعتهم الضعيفة وعدم قدرتهم على الوصول إلى الأدوية، في حين تحتاج النساء، خاصة الحوامل، إلى غذاء مناسب لهن وللأجنة، مما أدى إلى ارتفاع نسبة الإجهاض والولادات المبكرة والتشوهات الخلقية.
وأوضح الصمادي أن النزوح المتكرر وتدمير أكثر من 75% من المنازل و90% من الطرقات أدى إلى تشتت العوائل والعيش في بيئة غير مناسبة تفتقر إلى الحد الأدنى من الكرامة، مضيفا أن ضعف الترابط الاجتماعي، والحالة النفسية الصعبة، وانتشار حالات القلق والاكتئاب، كلها تزيد من عزلة المجتمع، محذرا من أن نقص الغذاء الشديد قد يدفع الناس إلى التعارك والتدافع للحصول على القليل المتوفر، مما يعمق الفجوة العاطفية والاجتماعية بينهم.
قال المحامي والخبير الدولي أنيس فوزي قاسم إن الأمم المتحدة "لا تملك أدوات وأجهزة لحمل إسرائيل على الاستجابة لأزمة الجوع، فهي لا تملك أدوات تنفيذية. حتى لو فرضنا أنها تملك، فإن إسرائيل تمنع وصول أي معونات ولا تلتزم بقرارات دولية".
من جهته، اعتبر الصمادي أن المجتمع الدولي -خاصة الدول العربية والإسلامية- أسهم في تفاقم الأزمة بقبوله إدراج المساعدات الإنسانية في المفاوضات الجارية مع الاحتلال، مما يخالف القانون الإنساني الدولي ويعد جريمة إنسانية.
كما أشار إلى عجز الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي عن ممارسة ضغط كافٍ يجبر الاحتلال على فتح المعابر، خاصة معبر رفح الذي أغلق ودمر من الجانب الفلسطيني في مايو/أيار 2024.
بدوره، قال أبو حسنة إن إدخال المساعدات مرتبط فقط بقرار إسرائيلي، وأضاف إن إسرائيل هي التي تملك القرار الآن وتتصرف كقوة باطشة لا تكترث لقرارات الأمم المتحدة أو النداءات الدولية.
وأوضح أن الأونروا ستواصل الضغوط السياسية والإعلامية والاتصالات، وعبّر عن أمله في استجابة عملية على الأرض، مشيرا إلى وجود تحرك أوروبي وصفه بالمهم، لكنه شدد على الحاجة لترجمة هذه التحركات إلى أفعال.