القدس المحتلة- صادقت لجنة التربية والتعليم في الكنيست الإسرائيلي، بالقراءتين الثانية والثالثة، على مشروع قانون مثير للجدل يمنع توظيف المعلمين والمعلمات الحاصلين على شهادات أكاديمية من الجامعات الفلسطينية.
ويستهدف هذا القانون، عند المصادقة عليه بشكل نهائي في الهيئة العامة للكنيست، نحو 10 جامعات فلسطينية ب الضفة الغربية ، ويهدد مستقبل آلاف الطلبة الفلسطينيين من القدس الشرقية وداخل الخط الأخضر الذين اختاروا الجامعات الفلسطينية مسارا أكاديميا بديلا بسبب محدودية الفرص في المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية.
وتقدم بمقترح القانون نواب عن حزبي " الليكود " و" شاس "، مستندين إلى ما وصفوه بتزايد أعداد الطلاب الإسرائيليين (يقصد فلسطينيي 48 حملة الهوية الإسرائيلية) الذين يدرسون في مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية، ومن ثم التحاقهم بسلك التعليم داخل إسرائيل.
وبرَّروا القانون بادعاءات وجود "محتوى معادٍ للسامية" في مناهج الجامعات الفلسطينية، و"التحريض على إسرائيل"، زاعمين أن هذا يشكل خطرا على القيم التعليمية في دولة الاحتلال.
وبحسب النص المعدل، فإن أي شخص يحمل شهادة أكاديمية من مؤسسة تعليم عالٍ في الضفة الغربية يعتبر غير مؤهل تلقائيا للعمل معلما في إسرائيل، ما لم يحصل على شهادة تدريس من مؤسسة إسرائيلية خلال عامين. ومع ذلك، لن يطبق القانون على العاملين حاليا في الجهاز التعليمي.
وبحسب مراكز أبحاث فلسطينية، فإن نحو 5 آلاف طالب -على مقاعد الدراسة حاليا- سيحصلون على شهادات تؤهلهم للعمل في سلك التعليم، من أصل أكثر من 20 ألف طالب وطالبة من القدس و الداخل الفلسطيني يتلقون تعليمهم في الجامعات الفلسطينية بالضفة الغربية، وذلك يعكس حجم التأثير المحتمل للقانون الجديد على مستقبلهم الأكاديمي والمهني.
ووفق بيانات مركز الأبحاث والمعلومات في الكنيست، التحق أكثر من 30 ألف معلم ومعلمة بجهاز التعليم العربي داخل الخط الأخضر في العقد الأخير، 11% منهم حصلوا على شهاداتهم من جامعات فلسطينية.
ويبرز التأثير المباشر للقانون في مدينة القدس، حيث إن 60% من المعلمين هناك هم خريجو مؤسسات أكاديمية فلسطينية.
ويدرّس في العام الدراسي الحالي نحو 6700 معلم ومعلمة في الجزء الشرقي من القدس، 60% منهم على الأقل هم من خريجي وخريجات المؤسسات الأكاديمية الفلسطينية.
وبين ادعاءات الأمن ومخاوف العنصرية، يفتح هذا القانون بابا واسعا لنقاشات سياسية وتربوية وقانونية، حيث تتقاطع قضايا التعليم، والهوية، والمساواة، ضمن مشهد أعقد من مجرد تنظيم مؤهلات المعلمين.
ويبدو أن مصير آلاف الطلبة والمعلمين الفلسطينيين سيكون مرهونا بمدى المواجهة السياسية والدبلوماسية لهذا التشريع الذي يهدد أحد آخر الجسور المتبقية بين جانبي الخط الأخضر.
ويرى مدير معهد "مسار" للأبحاث الاجتماعية والتعليمية، البروفيسور خالد أبو عصبة، أن القانون يحمل طابعا عنصريا صريحا، ويستهدف شيطنة المؤسسات الأكاديمية الفلسطينية وقطع التواصل الأكاديمي بين الفلسطينيين داخل الخط الأخضر والضفة الغربية.
وأوضح أبو عصبة، للجزيرة نت، أن الطلبة من القدس والداخل اعتادوا منذ احتلال الضفة الدراسة في الجامعات الفلسطينية والانخراط في سلك التعليم، ولم تظهر أي مؤشرات منهجية على ما تدّعيه إسرائيل من تحريض تربوي، مضيفا أن حالات فردية لا يمكن تعميمها على عشرات آلاف الخريجين.
ويعتقد أن القانون يهدف إلى قطع كل أشكال التواصل الأكاديمي بين الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر، مما سيدفع طلبة الداخل إلى البحث عن خيارات خارجية، خاصة في الأردن ، بسبب صعوبة قبولهم في المؤسسات التعليمية الإسرائيلية.
وأشار أبو عصبة إلى التمييز الهيكلي في توزيع كليات إعداد المعلمين، حيث توجد كلية عربية واحدة فقط مقابل 37 كلية في الوسط اليهودي، في حين يحتاج فلسطينيو الداخل إلى 7 كليات على الأقل لتلبية الطلب المتزايد. ونبَّه إلى أن غياب البدائل يدفع الطلبة إلى التوجه للكليات الفلسطينية، ومع تشريع هذا القانون تُسد أمامهم هذه الإمكانية.
كما فنَّد مزاعم أن خريجي الجامعات الفلسطينية يزرعون الكراهية، موضحا أن الواقع الذي يعيشه الطلبة يوميا هو ما يصوغ وعيهم، لا المعلم فقط، فالتربية ليست حكرا على المدرسة، بل تتشكل أيضا عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.
ولا يستبعد أبو عصبة أن يمتد القانون ليشمل تخصصات جامعية أخرى، كالمهن الطبية، نظرا للعدد الكبير من طلاب الداخل الذين يدرسونها في الضفة، بسبب الشروط التعجيزية في الجامعات الإسرائيلية.
من جهته، يؤكد الحقوقي الفلسطيني المحامي معين عودة، للجزيرة نت، أن القانون يحمل أهدافًا متعددة، أبرزها:
ولكن المحامي عودة يرفض هذا الطرح، ويؤكد أن المعلم الفلسطيني، سواء كان من القدس أو من الداخل، يبقى ابن بيئته وواقعه، ولا يمكن تدجينه بسهولة أو سلخه عن مجتمعه.
ويضيف أن الفلسطينيين في القدس يعانون أصلا من أزمة خانقة في البنية التحتية التعليمية، من نقص في الغرف الصفية والمعلمين، مما يجعل أي تشريع جديد أشد وطأة على هذه الشريحة.
وأشار إلى أن القانون الحالي قد لا يكون إلا تمهيدا لسلسلة أوسع من التشريعات التي تستهدف كامل منظومة التعليم الفلسطينية، خاصة في مجالات حيوية مثل الطب، والعلوم، والحقوق.
لذلك، فإن الرد الفلسطيني -برأي الحقوقي عودة- يجب أن يكون متعدد المستويات، يشمل المواجهة القانونية والدبلوماسية على الساحة الدولية، باعتبار أن إسرائيل تمضي نحو فصل أكاديمي كامل بين الفلسطينيين داخل الخط الأخضر وأقرانهم بالضفة الغربية.