افتُتح المتحف المصري الكبير، مساء السبت، بحضور الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وزعماء ورؤساء وزراء ووفود رسمية، بعد تحضيرات مكثفة وتأجيل الافتتاح لأكثر من مرة.
وقال الرئيس المصري، خلال حفل افتتاح المتحف، إن فصلاً جديداً يُكتب من تاريخ حاضر ومستقبل "هذا الوطن العريق"، مشيراً للمتحف باعتباره "أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة، حضارة مصر التي لا ينقضي بهاؤها، فهو ليس مجرد مكان لحفظ الآثار النفيسة، بل هو شهادة حيّة على عبقرية الإنسان المصري".
وقال السيسي إن إنجاز هذا المتحف جاء نتيجة تعاون دولي واسع، مع عدد من الشركات والمؤسسات العالمية، معرباً عن تقديره للدعم الكبير الذي "قدمته دولة اليابان الصديقة لصالح هذا المشروع الحضاري العملاق".
وحضر الحفل نحو 18 رئيس دولة، و8 رؤساء وزراء، و40 وفداً وزارياً وبرلمانياً رفيع المستوى، إضافة إلى 6 وفود من المنظمات الإقليمية والدولية، وفقاً لقناة القاهرة الإخبارية، المقربة من الحكومة المصرية.
واعتبرت مصر أنَّ افتتاح المتحف يمثل حدثاً استثنائياً فريداً، يُفتتح خلاله صرح عالمي لحضارة يعود تاريخها إلى نحو 7 آلاف عام، واصفةً المشروع بأنه "هدية لكل العالم".
وأعرب الرئيس السيسي عن تقديره للجهد الذي بذله المصريون، على مدار الاعوام السابقة، من "مسؤولين ومهندسين وباحثين وأثريين وفنيين وعمال، من أجل تحقيق هذه المهمة التاريخية العظيمة".
ودعا السيسي الحاضرين إلى "جعل هذا المتحف منبراً للحوار ومقصداً للمعرفة، وملتقى للإنسانية ومنارة لكل من يحب الحياة ويؤمن بقيمة الإنسان".
وكان رئيس الوزراء المصري، مصطفي مدبولي، قد قال خلال مؤتمر صحفي قبيل الحفل الرسمي لافتتاح المتحف، إن هذا الصرح يعكس قدرة مصر على تنفيذ المشروعات الكبرى في "وقت قياسي لا يتعدى 7 سنوات".
ولفت مدبولي إلى أن فكرة المتحف المصري الكبير خرجت للنور منذ حوالي 30 سنة. وأوضح أن العمل في هذا المشروع توقف خلال الأحداث التي شهدتها مصر عام 2011، بينما تم استئناف العمل فيه مع تولي الرئيس السيسي مقاليد السلطة في عام 2014، وتوجيهه بضرورة الانتهاء منه "على أكمل وجه وبأحسن صورة"، على حد قوله.
وقال رئيس الوزراء المصري إن المتحف الكبير سيكون واجهة حضارية لمصر، ومركزاً عالمياً يجمع بين البحث العلمي، والتعليم، والثقافة، ويجذب الزوار من جميع أنحاء العالم، ويعكس عراقة مصر ومكانتها على الخريطة السياحية والثقافية الدولية، بحسب قوله.
واستغرق بناء المتحف، الذي يغطي مساحة تقارب نصف مليون متر مربع، أكثر من 20 عاماً، تخللتها فترات توقف. وبلغت تكلفته أكثر من مليار دولا، ومن المقرر أن يفتح أبوابه للجمهور ابتداءً من 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025.
حظي حفل الافتتاح الضخم بتغطية إعلامية واسعة، حيث توافد أكثر من 450 مراسلاً دولياً يمثلون نحو 180 وسيلة إعلامية لنقل الحفل، كما تم بث الحفل مباشرة عبر مجموعة من القنوات المصرية، كما نفل الحفل مباشرة عبر منصة تيك توك.
ويقول خبراء آثار مصريون إن فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير جاءت استجابة لحاجة مُلحّة، وهو صرح ثقافي ضخم ومتطور، يستوعب الأعداد المتزايدة من الآثار المصرية القديمة، بعد أن أصبحت مساحة المتحف المصري، بميدان التحرير في قلب القاهرة، محدودة أمام الكم الهائل من الكنوز الأثرية.
جاء اختيار موقع المتحف الكبير بعناية فائقة، ليطل مباشرة على أهرامات الجيزة العريقة، لا يفصله عنها سوى كيلومترين فقط، في تجسيد رمزي للترابط بين الماضي والحاضر.
قال الدكتور بسام الشماع، المؤرخ والمحاضر المصري، في تصريحات لبي بي سي عربي، إن نظام العرض داخل المتحف المصري الكبير يمثل تطبيقاً عملياً لعلم حديث يعرف بـ "الميوزيولوجي" أو "علم المتاحف".
موضحاً: "لقد تجاوزنا المفهوم التقليدي للمتحف، باعتباره مجرد مبنى تعرض فيه الآثار، ليصبح تجربة معرفية وإنسانية شاملة".
وأوضح المؤرخ المصري أن طريقة العرض داخل المتحف تعتمد على الإضاءات غير المباشرة، مع توظيف الضوء الطبيعي لتسليط التركيز على قطع محددة، ما يخلق تجربة بصرية فريدة.
وضرب مثالاً بالمنظومة الفلكية التي تحاكي ظاهرة تعامد الشمس في معبد أبو سمبل، حيث تتسلل الأشعة عبر فتحة صغيرة فوق المدخل لتضيء وجه تمثال رمسيس الثاني العملاق الذي يزن 83 طناً، في يومين محددين من كل عام، مؤكداً أن هذه الفتحة "ليست صدفة أو كسراً"، بل "تصميم هندسي عبقري مقصود".
يحتوي المتحف المصري الكبير، الذي يعد أكبر متحف آثار لحضارة واحدة في العالم، نحو 100 ألف قطعة أثرية تغطي قرابة 7 آلاف عام من التاريخ المصري القديم، بداية من عصور ما قبل الأسرات إلى العصرين اليوناني والروماني.
ومن أبرز ما يحتويه المتحف كنوز الملك الشاب توت عنخ آمون، الموضوعة في قاعة مخصصة يُعرض فيها ما يزيد على 4500 قطعة أثرية من أصل خمس آلاف قطعة اكتشفها عالم الآثار البريطاني، هاورد كارتر، عام 1922 في مقبرة سليمة لم تتعرض لعمليات النهب في وادي الملوك.
وتضم المجموعة قناع توت عنخ آمون الجنائزي الذهبي المُرصّع باللازورد، وتابوته الحجري المصنوع من الكوارتز الأحمر والذي يحتوي على ثلاثة توابيت مُتداخلة، أصغرها مصنوع من الذهب الخالص، ويزن 110 كيلوغرامات.
كما يضم المتحف أيضاً "مركب الملك خوفو"، المعروف أيضاً باسم "مركب الشمس"، الذي يعود إلى فترة حكم الملك خوفو، وتم اكتشافه في خمسينيات القرن الماضي في منطقة أهرام الجيزة، على يد عالم الآثار المصري كمال الملاخ.
بدأت وزارة الثقافة المصرية في إعادة بناء المركب عام 1961، في نفس الموقع الذي اكتشف فيه، ويصل طول المركب إلى 43.5 متراً وعرضه إلى ستة أمتار، فيما ترتفع مقدمته عن الماء بخمسة أمتار، وفيه مقصورة لجسد الملك مساحتها تسعة أمتار.
وتعول مصر على هذا المتحف لزيادة عدد السياح الوافدين إلى أراضيها، وانتعاش القطاع السياحي الذي تأثر بشكل كبير جراء تصاعد الصراع في المنطقة، خلال العامين الماضيين.
المصدر:
بي بي سي
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة