ينتظر هواة الفلك في مختلف أنحاء العالم مشهداً ساحراً يوم الأحد، حين يتحوّل القمر المكتمل إلى اللون الأحمر بفعل خسوف كلي للقمر.
وعندما يمرّ القمر عبر ظل الأرض، سيكتسب لوناً أحمر داكناً، ليشكل ما يُعرف بـ "القمر الدموي" المدهش.
يحدث ذلك لأن ضوء الشمس يمر عبر غلاف الأرض الجوي، حيث يتم تصفية الضوء الأزرق وينتقل الضوء الأحمر نحو القمر.
من المتوقع أن يتمكن المراقبون في أقصى شرق أفريقيا، والشرق الأوسط، ومعظم آسيا، وغرب أستراليا من متابعة الحدث كاملاً من بدايته حتى نهايته.
ويظهر القمر الكامل عندما يكون في الجانب المقابل للأرض بالنسبة للشمس، مما يجعل الجانب المواجه لنا مضاء بالكامل.
كان للقمر المكتمل دورٌ مهم في تشكيل الثقافات والتقاليد حول العالم، حيث أثر على الممارسات الزراعية، وقد يؤثر أيضاً على نومنا.
كما يعتبره العديد من المزارعين وقتاً مثالياً لزراعة البذور.
استُخدمت دورات القمر – بمراحله المنتظمة من الاكتمال والتراجع – منذ الأزمنة البدائية كوسيلة لقياس الوقت، وخير مثال على ذلك عظم إيشانغو – الذي عُثر عليه في عام 1957 في ما يُعرف اليوم بجمهورية الكونغو الديمقراطية.
يُعتقد أن العظمة، التي يُرجح أنها أُخذت من ساق قرد البابون ويُقدَّر عمرها بأكثر من 20,000 عام، تمثل أحد أقدم أشكال التقويم.
وقد اكتشفها عالم جيولوجيا بلجيكي، وتحمل العظمة نقوشاً مميزة – بعضها على شكل دوائر فاتحة، أو داكنة، أو أنصاف دوائر.
وقد افترض عالم الآثار من جامعة هارفارد، ألكسندر مارشاك، أن هذه النقوش ربما كانت تمثل المراحل المختلفة للقمر، مما يشير إلى أن العظمة ربما استُخدمت كتقويم قمري يمتد لستة أشهر.
يُطلق اسم "قمر الحصاد" على القمر المكتمل الذي يظهر في أقرب موعد من الاعتدال الخريفي، والذي يحدث في أواخر سبتمبر/أيلول أو أوائل أكتوبر/تشرين الأول.
في هذا الوقت من العام، يشرق القمر بعد وقت قصير من غروب الشمس، مما كان يُتيح للمزارعين، الذين كانوا يسابقون الزمن لجني محاصيلهم، مواصلة العمل حتى ساعات متأخرة من الليل على ضوء القمر. أما اليوم، فيعتمد معظمهم على الإضاءة الكهربائية.
في الصين، يُحتفل بمهرجان منتصف الخريف – المعروف باسم "زونغتشيو جيه" أو "مهرجان القمر" – في يوم قمر الحصاد، ويُعد هذا اليوم عطلة رسمية. يعود تاريخ المهرجان إلى نحو 3000 عام، وكان يُحتفل به تقليدياً للتعبير عن الأمل في حصاد وفير.
وبالمثل، تحتفل الثقافة الكورية بمهرجان تشوسوك الذي يستمر لمدة ثلاثة أيام، ويتزامن مع قمر الحصاد. وخلال هذا المهرجان، تجتمع العائلات للاحتفال بثمار الحصاد وتكريم الأجداد والأسلاف.
وفي الثقافة الهندوسية، تُعدّ أيام اكتمال القمر، المعروفة باسم "بورنيما"، مناسبات دينية يرافقها الصيام والصلوات. ويُقام مهرجان "كارتك بورنيما" في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، الذي يُعتبر أقدس شهور السنة في التقويم الهندوسي، إحياء لذكرى انتصار الإله شيفا على الشيطان تريبوراسورا، وظهور أول تجسد للإله فيشنو في هيئة "ماتسيا". وتشمل الطقوس الاستحمام في الأنهار، وإضاءة صفوف من المصابيح الطينية.
يُقام مهرجان كومبه ميلا، الذي يبدأ مع اكتمال القمر، مرة واحدة كل 12 عاماً.
يعتقد البوذيون أن بوذا وُلد تحت ضوء القمر قبل 2500 عام، كما يعتقدون أنه بلغ التنوير وتوفي أيضاً تحت ضوء القمر. ويتم إحياء هذه المناسبات في مهرجان بوذا بورنيما، الذي يصادف عادة يوم اكتمال القمر في شهري أبريل/نيسان أو مايو/أيار.
في سريلانكا، يُعتبر يوم اكتمال القمر عطلة رسمية تُعرف باسم "بويا"، يُحظر فيها بيع الكحول واللحوم.
وفي بالي، يُحتفل باكتمال القمر خلال عيد بورناما، حيث يُعتقد أن الآلهة تنزل إلى الأرض لتنشر بركاتها. ويُعد هذا الوقت للصلاة وتقديم القرابين للألهة وزراعة أشجار الفاكهة في الحدائق.
وفي المسيحية، يُحتفل بعيد الفصح في أول يوم أحد يلي أول اكتمال للقمر بعد الاعتدال الربيعي.
وفي المكسيك وبعض بلدان أمريكا اللاتينية الأخرى، عادت البلاد لإحياء رقصة القمر التقليدية لدى السكان الأصليين، حيث تجتمع النساء في وقت اكتمال القمر للرقص والعبادة خلال مهرجان يستمر ثلاثة أيام.
في أوروبا، منذ العصور القديمة، كان يُعتقد أن اكتمال القمر يسبب الجنون لدى البعض. وكلمة "جنون" مشتقة من كلمة "لونا" اللاتينية التي تعني القمر.
نشأت أسطورة المستذئبين من الاعتقاد بأن اكتمال القمر يُحرّض سلوكاً خارجاً عن السيطرة، حيث يُقال إن بعض البشر يتحولون تلقائياً إلى ذئاب ويُرعبون من حولهم في ليالي اكتمال القمر.
في القرن الرابع قبل الميلاد، كتب المؤرخ اليوناني هيرودوت عن قبيلة تُدعى "النيوري" كانت تعيش في منطقة سكيثيا (وهي جزء من روسيا الحالية)، وقال إن أفراد هذه القبيلة كانوا يتحولون إلى ذئاب لعدة أيام كل عام.
وفي أوروبا، خضع عدد من الأشخاص لمحاكمات بتهمة كونهم مستذئبين بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر.
إحدى أشهر القضايا كانت قضية مالك أرض في ألمانيا يُدعى بيتر ستوب (أو شتومب)، في عام 1589. حيث زعم بعض الصيادين المحليين أنهم رأوه يتحول من ذئب إلى إنسان. وبعد تعرضه للتعذيب، اعترف بيتر بأنه كان يملك حزامًا سحريًا يستخدمه ليتحول إلى مستذئب، مما مكّنه من صيد الناس وأكلهم.
يزرع العديد من المزارعين البذور والشتلات خلال فترة اكتمال القمر، كما يفعل سكان بالي في مهرجان بورناما، معتقدين أن القمر يعزز خصوبة التربة.
ويعتقد بعض الناس أن اكتمال القمر يؤثر سلباً على جودة النوم.
تشير الدراسات إلى أنه خلال فترة اكتمال القمر وفي الأيام القريبة منها، يستغرق الناس وقتاً أطول للنوم، ويقضون وقتاً أقل في النوم العميق، وينامون لفترة أقل، كما تنخفض مستويات هرمون الميلاتونين في أجسامهم، وهو الهرمون الذي يساعد على النوم.
وفي دراسة أُجريت عام 2000 في برادفورد بالمملكة المتحدة، وُجد أن الحيوانات تصبح أكثر عدوانية وتميل إلى العض بشكل أكبر خلال فترة اكتمال القمر.
وأظهرت الدراسة أنه خلال الفترة من 1997 إلى 1999، ارتفع عدد المرضى الذين نُقلوا إلى المستشفى بسبب إصابات ناجمة عن هجمات الحيوانات بشكل ملحوظ في الأيام القريبة من اكتمال القمر.