بينما يتسابق العالم نحو بناء مستقبل تقوده الخوارزميات والنماذج الذكية، كانت أفريقيا، القارة التي لطالما وُصفت بأنها سوق ناشئة، تكتب فصلا جديدا في تاريخها التكنولوجي من قلب مدينة سوسة التونسية.
فقد انطلقت فعاليات المؤتمر العالمي للذكاء الاصطناعي في أفريقيا "جايكا 2025" (GAICA 2025) في 17 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، والذي احتضنته "نوفايشن سيتي" (Novation City)، في حدث يعدّ الأكبر من نوعه على مستوى القارة، وسيستمر إلى غاية 19 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
وقد جمع المؤتمر أكثر من 6 آلاف مشارك، من بينهم 134 متحدثا دوليا و110 عارضين، بالإضافة إلى أكثر من 200 شركة ناشئة تعمل على تطوير حلول مبتكرة مصممة خصيصا لسوق أفريقيا والعالم.
وجاء انعقاد المؤتمر العالمي للذكاء الاصطناعي في أفريقيا في وقت يشهد فيه العالم تسارعا كبيرا في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وسط سباق محموم بين الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي على ابتكار نماذج أكثر تقدما وتنظيما وأكثر صرامة.
ومن زاوية مختلفة عن هذا السباق، سلكت أفريقيا مسارها الخاص بالتركيز على تطبيقات عملية وشاملة، خاصة في الزراعة الذكية، والصحة الرقمية، والمدن المستدامة، والتكنولوجيا المالية الشاملة "فين تيك" (FinTech).
ويُظهر هذا التوجه قدرة القارة على استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة لحلّ التحديات الواقعية، وليس فقط لمنافسة أحدث النماذج والخوارزميات.
وقد نظمت "نوفايشن سيتي" المؤتمر بالشراكة مع "تي بي إم إيفنتس" (TPM Events) و"جوهرة باب" (Jawhara Pub)، وبدعم من مؤسسات دولية رائدة من بينها الوكالة الألمانية للتعاون الدولي "جيه آي زد" (GIZ)، والبنك الدولي، وصندوق الودائع والأمانات التونسي "سي دي سي" (CDC).
وفي هذا السياق، قال مدير الابتكار في "نوفايشن سيتي" أنس رشدي "نهدف إلى تحفيز منظومة ذكاء اصطناعي أفريقية قادرة على تطوير حلول محلية والمنافسة عالميا".
كما استقطب الحدث شركات تقنية عالمية رائدة من بينها " إنفيديا "، وهذا يعكس الأهمية الإستراتيجية للمؤتمر على المستوى الدولي.
قدّم المؤتمر برنامجا مكثفا لتعزيز التعاون عبر القارة، شمل:
من بين الشركات الناشئة المميزة، برز مختبر "بازيرا لاب" (BASIRA Lab – Brain And SIgnal Research & Analysis)، الذي أسسته وتقوده الدكتورة التونسية إسلام رقيق في لندن والذي يقدم نموذجا فريدا للذكاء الاصطناعي الشامل (Inclusive AI).
ويعني هذا الأخير ممارسة وتصميم ونشر أنظمة ذكاء اصطناعي عادلة ومتاحة ومفيدة للجميع بغض النظر عن الخلفية أو الهوية أو القدرة، مع التركيز على تقليل الانحياز وضمان استفادة الفئات المتنوعة والمجموعات غير الممثلة.
ويركز المختبر على تطوير حلول ذكية قابلة للتطبيق في بيئات محدودة الموارد من دون الاعتماد على بنية تحتية ضخمة أو بيانات مكلفة، وهذا يجعله مثالا بارزا على الابتكار الأفريقي المستدام.
وقد شاركت رقيق خلال المؤتمر قصة تأسيس المؤتمر من الصفر، وكيف بدأت بمختبر صغير وفريق محدود، وحصلت خلال 3 أعوام على تمويل بقيمة نصف مليون يورو، مع توسع النشاط وزيادة الأثر البحثي بشكل مضاعف بعد 8 أعوام.
وأكدت أن نجاحها لم يكن مجرد أرقام، بل نتاج المثابرة والشغف والقدرة على تحويل الموارد المحدودة إلى فرص تعليمية وبحثية فعالة.
كما أكدت على أهمية التوجيه الأكاديمي وبناء شبكات البحث الدولية، مشيرة إلى تجربتها بعد الدكتوراه في جامعة نورث كارولينا، حيث تلقت توجيها مكثفا ساعدها على نقل خبرات سنوات عديدة إلى فريقها بشكل عملي وفعّال.
ومن خلال هذا النهج، أصبح "بازيرا لاب" نموذجا فريدا يجمع بين البحث العلمي الرائد، وتمكين الشباب من خلفيات متنوعة، وبناء قدرات أفريقية مستدامة، مع تطبيقات ملموسة في الصحة والتعليم.
وأوضحت إسلام رقيق "كل ما يحتاجه الباحثون الشباب اليوم لبدء مشاريعهم هو الرؤية والشغف والمواهب، المال سيأتي، وسيتم استخدام الكثير من المال"، كما دعت إلى نشر المعرفة عبر قنوات تعليمية مفتوحة مثل مقاطع الفيديو والموارد على الإنترنت لإتاحة التعليم للجميع.
ومع هذا الزخم من الابتكار والتعاون الدولي، يبدو أن أفريقيا على أعتاب مرحلة جديدة في الذكاء الاصطناعي، إذ ستصبح القارة مركزا لتطوير حلول تقنية عملية ومستدامة تلبي احتياجاتها الفريدة، وتفتح أبوابا للتنافس العالمي، مع التركيز على أثرها الاجتماعي والاقتصادي خلال السنوات القادمة.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة