يلعب الأمن السيبراني دورًا محوريًا في العالم الذي نعيشه اليوم، إذ يتجاوز عدد الهجمات السيبرانية الهجمات العسكرية بشكل كبير. وبسبب الطبيعة الخاصة للفضاء السيبراني، فإن هذه الهجمات عادةً ما تتم من قبل فرق قراصنة تنفي ارتباطها رسميًا بأي دولة.
ولكن، جرت العادة أن تملك أغلب الدول مجموعات من المخترقين التابعين لها بشكل غير رسمي، إذ تدعم حكومات الدول هذه المجموعات من أجل تنفيذ الهجمات السيبرانية ذات الطابع السياسي، ويمكن القول إن هذه الهجمات هي السمّة الأبرز للسنوات الأخيرة نظرًا لتكررها في العديد من المناسبات.
وبينما تتصدر كوريا الشمالية والصين ساحة الهجمات السيبرانية ذات الطابع السياسي فإن هذه الساحة تتسع لتضم العديد من الفرق التابعين لدول مختلفة. وبسبب الطبيعة السكانية الفريدة للهند وباكستان، كان لهما من فرق القراصنة المدعومين حكوميًا نصيب الأسد.
ومع تصاعد التوتر بين كلتا الحكومتين الأيام الأخيرة، ارتفع نشاط فرق القراصنة المدعومين من قبل حكومة الهند وباكستان على حد سواء، لتبدأ الهجمات السيبرانية الأولى فيما قد يتحول لاحقًا لإحدى أكبر الحروب العالمية.
تحظى كل من الهند وباكستان على حد سواء بتركيبة سكانية فريدة، وهي التركيبة التي سهلت ولادة فرق القراصنة المدعومين من قبل الحكومة، فمن المعروف ارتفاع عدد العاملين في القطاع السيبراني بكلتا الدولتين، فضلًا عن كون المهارات التقنية الجمعية للهند وباكستان تتخطى غالبية دول المنطقة.
وتعد الهند ثاني أكثر الدول تعرضًا لهجمات سيبرانية عام 2024، وفق التقرير الذي نشرته شركة "كلاود سيك" (CloudSEK) المهتمة بالأمن السيبراني، إذ تعرضت أكثر من 95 هيئة ومؤسسة مختلفة داخل الدولة لهجمات سيبرانية خلال عام 2024.
وبحسب تقرير نشر في "تايمز أوف إنديا" (Times of india) فإن الساحة السيبرانية في الهند قد تشهد تريليون هجوم سيبراني بحلول عام 2033، إذ أشار التقرير إلى أن الهند شهدت أكثر من 500 مليون هجوم سيبراني، في ارتفاع بمعدل 46% عن العام الماضي دون النظر إلى الهجمات السيبرانية ذات الدافع السياسي.
ولا يختلف الوضع كثيرًا على الجبهة الباكستانية، إذ أشارت "كاسبيرسكي" (Kaspersky) -في تقريرها عن الحالة السيبرانية للدولة العام الماضي- إلى ارتفاع في معدل الهجمات السيبرانية ضد القطاع المالي بمعدل يتخطى 114%.
ومع تصاعد التوترات في إقليم كشمير والهجمات "الإرهابية" اشتعلت الساحة السيبرانية، إذ بدأت الحكومة الباكستانية بالهجوم عبر فرق القراصنة المستقلة، لتعلن بذلك بداية الحرب السيبرانية مع الهند قبل اشتعال الأزمة عسكريًا.
تعتمد الحكومة الهندية على فرق القراصنة التابعة لها في أكثر من مجرد الهجوم على باكستان، إذ امتدت أذرعها إلى كافة دول العالم بما فيها كندا التي توقعت حكومتها العام الماضي -وتحديدًا في 30 أكتوبر/تشرين الأول- وقوع هجوم سيبراني مكثف مدعوم من الحكومة الهندية، وذلك عقب مقتل المواطن الكندي والناشط هارديب سينغ نجار المعروف عنه تأييده لخليستان.
وعند الحديث عن فرق القراصنة الهندية، يجب ألا ننسى ذكر "سايدويندر" (SideWinder) التي تعد إحدى أبرز فرق القراصنة الهنود، إذ امتدت يدها إلى عدد من الدول المجاورة مثل باكستان وأفغانستان والصين ونيبال. ومؤخرًا، توسعت في الهجوم على بعض المنشآت البحرية في عدد من دول البحر المتوسط مثل ميناء الإسكندرية في مصر، وذلك وفق التقرير الذي نشرته "بلاك بيري" (Blackberry) للأمن السيبراني في يوليو/تموز الماضي.
وتملك الحكومة الهندية أيضًا مجموعة أخرى من الفرق ضمن ترسانتها السيبرانية، بدءًا من فريق "دروبينغ إليفانت" (Dropping Elephant) المختص في الهجوم على الحكومة الصينية عبر استخدام هجمات التصيد المختلفة، فضلًا عن فريق "فايسوري تايغر" (Viceroy Tiger) الذي يعتمد على مستندات "أوفيس" (Office) في الهجوم بشكل عام.
ويعد فريق "دارك بازين" (Dark Basin) أحد تلك الفرق التي وسعت نقاط هجماتها لتشمل 6 قارات مختلفة خلال السنوات السبع الماضية، وتجدر الإشارة أيضًا إلى فريق "باتش ورك" (Patchwork) الذي شن هجومًا شرسًا على الحكومة الباكستانية عبر إطلاق أكثر من 12 تطبيقا خبيثا بمتجر " غوغل بلاي" مستهدفًا عددًا من الموظفين داخل الحكومة الباكستانية، ويعد هذا الفريق أحد أقدم فرق القراصنة الهندية، إذ تمتد أصوله إلى عام 2015.
خلال عام 2024، قام فريق "ترانسبيرنت ترايب" (Transparent Tribe) والمعروفة أيضًا باسم "إيه بي تي 36" (APT36) بشن أكثر من هجوم على عدد من الشخصيات البارزة في الحكومة الهندية، وذلك عبر استخدام برمجيات خبيثة من نوع "حصان طروادة للوصول عن بعد" واسمه اختصارا "آر إيه تي" (RAT).
وعام 2018، حذرت السفارة الأفغانية في باكستان موظفيها من هجمات سيبرانية شرسة بقيادة فرق قراصنة مجهولة في ذاك الوقت، وكانت هذه الهجمات تهدف للوصول إلى خوادم السفارة والمعلومات الخاصة بها عبر هجمات التصيد الخبيث والهندسة الاجتماعية، وقد نقلت "بي بي سي" (BBC) تحذيرات السفارة الأفغانية ومخاوفها من هذه الهجمات.
كما أشارت بعض التقارير -التي ظهرت نهاية العام الماضي- إلى وجود علاقة وطيدة بين فريق قراصنة "تورلا" (Turla) المرتبط بالحكومة الروسية وبين فريق "إيه بي تي 36" الباكستاني الذي ثبت ارتباطه بحكومة إسلام آباد.
إذ أشارت التقارير إلى الفريق الروسي استخدم قواعد البيانات وأجهزة القراصنة الباكستانيين من أجل التجسس على مجموعة من الشخصيات البارزة بالحكومة الأفغانية والحكومة الهندية على حد سواء، ويعد هذا دليلًا واضحًا على الارتباط الوثيق بين قراصنة كلا البلدين.
وقد أشارت صحيفة "ذا هيندو" (The Hindu) البارزة والتابعة للحكومة الهندية عن وجود هجمات سيبرانية باكستانية ضد مجموعة من الأهداف البارزة بالهند، ومن ضمنها مدرستان عسكريتان عامتان وقاعدة بيانات منظمة رعاية الإسكان التابعة للجيش فضلًا عن منظمة التوظيف بالقوات الجوية الهندية، وذلك في 30 إبريل/نيسان لهذا العام، لتبدأ بهذا الهجمات السيبرانية بعد تطور الأحداث الأخير بإقليم كشمير.
ورغم أن المحادثات وحرب التصريحات مازالت جارية بين البلدين عقب حادثة إقليم كشمير الأخيرة، فإن الحكومة الهندية أعلنت إحباطها للعديد من الهجمات السيبرانية التي تمكنت من ربطها بالحكومة الباكستانية.
ووفق تقرير "ذا إنديان إكسبريس" (The indian Express) فقد تمكنت الحكومة الهندية من إحباط ما يقرب من مليون هجوم سيبراني الأيام الماضية، وقد نشأ الهجوم من عدة دول مجاورة ودول شرق أوسط من بينها المغرب وإندونيسيا وبالطبع باكستان.
ورغم أن وحدة مكافحة الهجمات السيبرانية الهندية "ماهاراشترا سايبر" (Maharashtra Cyber) لم توجه أصابع الاتهام إلى حكومة بعينها، فإنها أكدت أن الهجمات ازدادت كثافتها بعد الأحداث الأخيرة بإقليم كشمير.
ولم يلتزم الجانب الهندي بالصمت أو ينتظر الهجمات راكدًا، فقد أشارت التقارير إلى وجود مجموعة من الهجمات السيبرانية المدعومة من الحكومة الهندية ضد عدد من الأهداف البارزة التابعة للحكومة الباكستانية والقطاع الخاص على حد سواء، بما في ذلك شركة يورو أويل، والمحكمة العليا بإقليم آزاد كشمير، وجامعة بلوشستان، ووكالة وادا كول، وشرطة السند.
كما تجدر الإشارة إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تندلع فيها الحرب السيبرانية بين البلدين، إذ اندلعت سابقًا عام 2012 واستهدفت مجموعة من المواقع البارزة التابعة لكلتا الحكومتين، ولكنها سرعان ما توقفت.
يصعب تحديد نتيجة الحرب السيبرانية الوقت الحالي، فبينما تملك الحكومة الهندية ترسانة سيبرانية أكثر شراسة من نظيرتها الباكستانية، إلا أن الأخيرة كانت أكثر نشاطًا في الهجوم على المراكز الهندية، كما يجب أخذ العلاقات الدبلوماسية بين فرق القراصنة التابعين للحكومات الأخرى.
فمن المتوقع أن تستعين فرق القراصنة الباكستانيين بأصدقائهم من القراصنة الروس كما حدث سابقًا، وهو ما يعزز من ترسانة الأسلحة التابعة لهم، ومن المتوقع أن تتبع الهند السياسة ذاتها مع فرق القراصنة من الدول الأخرى.