أظهرت بيانات بطولة كأس الأمم الأفريقية 2025، المقامة في المغرب، أن قرابة 30% من اللاعبين المشاركين وُلدوا خارج القارة السمراء، معظمهم في أوروبا، في ظاهرة تعكس الاعتماد المتزايد للمنتخبات الأفريقية على لاعبي المهجر.
وتسلّط هذه الأرقام الضوء على التحولات الديمغرافية في كرة القدم الأفريقية، والدور المتنامي للجاليات الأفريقية في أوروبا في تشكيل المنتخبات الوطنية خلال البطولات القارية الكبرى.
في النسخة قبل الماضية من كأس الأمم الأفريقية 2021 التي أُقيمت في الكاميرون، رفع قائد منتخب السنغال كاليدو كوليبالي الكأس. وقبل ذلك، قاد رياض محرز منتخب الجزائر للتتويج بلقب نسخة 2019 في مصر.
واللافت أن كلا القائدين لم يُولد في القارة الأفريقية، وذلك يعزز احتمال أن يكون قائد المنتخب المتوج بلقب البطولة الحالية في المغرب مولودا خارج القارة السمراء أيضًا، في مؤشر واضح على الدور المتنامي للاعبي المهجر في كتابة تاريخ الكرة الأفريقية الحديثة.
ولا يقتصر الأمر على اللاعبين المولودين بفرنسا في صورة التونسي حنبعل المجبري، فنيجيريا ممثلة بلاعبها أدامولا لوكمان المولود في لندن، وغانا بلاعبها إيناكي ويليامز من بيلباو الإسبانية، والمغرب لديها سفيان أمرابط من مواليد هولندا.
رغم التحديات التي يفرضها وجود لاعبين وُلدوا ونشؤوا في دول مختلفة، فإن الفوائد التي يجلبها هذا التنوع تتجاوز حدود كرة القدم، لتصب في تعزيز الانتماء والهوية الثقافية.
فالاحتفاء بالارتباط العميق بأرض الآباء والأجداد، حتى لدى اللاعبين الذين نشؤوا في المهجر، يتجلى في لحظات تاريخية كثيرة، حيث لا يفقد هؤلاء اللاعبون صلتهم بالبلد الأم ويواصلون تمثيله بفخر على الساحة العالمية.
ويُعد منتخب المغرب المشارك في نهائيات كأس العالم 2022 مثالا واضحا على هذه الظاهرة، إذ جاء معظم لاعبيه ومدربيه من بلدان المهجر، بداية من المدرب وليد الركراكي ومساعده غريب أمزين، والحارس ياسين بونو من كندا، وأشرف حكيمي من إسبانيا وغيرهم.
وتكشف تشكيلة "أسود الأطلس" عن قصص شخصية لكل لاعب، تعتبر تجسيدا للروابط القوية التي تجمع مغاربة العالم بوطنهم الأم، فصور اللاعبين المغاربة وهم في أحضان عائلاتهم يقبّلون رؤوس آبائهم وأمهاتهم، هو نوع من التكريم لمفهوم العائلة التقليدية الذي قد يكون غائبا في بلدان المولد.
اختار اللاعب التونسي إسماعيل الغربي، البالغ من العمر 21 عاما والمولود لأب تونسي وأم إسبانية، تمثيل منتخب تونس رغم خوضه تجارب سابقة مع منتخبات فرنسا وإسبانيا، مؤكدًا أن قراره جاء بناء على حدسه الشخصي.
وأوضح الغربي، الذي يلعب حاليا لنادي أوغسبورغ الألماني في مقابلة مع موقع الفيفا الرسمي، أن اللعب للمنتخب الوطني يختلف عن اللعب للأندية، لأنه يمثل شيئا أكبر بكثير من مجرد فريق، مشيرا إلى أن توقيت القرار كان مناسبا، ورغبته كانت تقديم مساهمة حقيقية لموطن الأجداد.
أما لوكا زيدان، نجل صانع لعب منتخب فرنسا زين الدين زيدان الفائز بكأس العالم لكرة القدم 1998، فقال إن جده شجعه على قرار اللعب لمنتخب الجزائر وتغيير الولاء الرياضي بعدما مثّل منتخبات الفئات السنية الفرنسية.
وأرجع لوكا، الذي قرر اللعب للمنتخب الجزائري في سبتمبر/أيلول الماضي، قراره لأنه يمتلك "ثقافة جزائرية"، موضحا دور جده إسماعيل في اتخاذ هذه الخطوة.
خلال كأس الأمم الأفريقية التي أُقيمت في كوت ديفوار عام 2023، نقل موقع "ذا أفريكان ميرور" عن مدافع منتخب الرأس الأخضر روبرتو لوبيز أن اللغة الكريولية تُعد اللغة السائدة داخل صفوف المنتخب، رغم أن التعليم الرسمي في البلاد يتم باللغة البرتغالية، في حين يتحدث السكان الكريولية، وهي لغة يصعب تعلمها دون الاحتكاك المباشر بأبناء الرأس الأخضر لندرة المراجع المكتوبة الخاصة بها.
وأوضح لوبيز أن هذا التنوع اللغوي والثقافي يسهم في تعزيز روح الانتماء والتلاحم داخل الفريق، حيث تحضر الموسيقى الرأس أخضرية بشكل دائم في التدريبات وأماكن إقامة اللاعبين، مما يمنحهم إحساسا عميقا بالثقافة والهوية والتراث الوطني.
ولا يقتصر تأثير اللاعبين المولودين خارج بلدانهم الأصلية على إضفاء الإثارة على البطولة الأفريقية فحسب، بل يسهمون أيضا في رفع مستوى اللعبة محليا، من خلال إضافة أبعاد فنية وتكتيكية متطورة، اكتسبوها بفضل تكوينهم في دول تمتلك أفضل المرافق والبنى التحتية الكروية.
وشهدت السنوات الماضية انتقال عدد من اللاعبين المولودين خارج القارة إلى دوريات بلدانهم الأصلية في صورة اللاعب الجزائري رياض بودبوز (35 عاما)، واللعب في عدة أندية أبرزها مونبيلييه وسانت إيتيان من فرنسا، وريال بيتيس وسيلتا فيجو من إسبانيا، وأهلي جدة وأحد في السعودي.
قبل أن ينتقل إلى نادي شبيبة القبائل الجزائري عام 2024، في صفقة انتقال حر، حتى صيف 2026.
تخليدا لذكرى والده قام النجم الجزائري رياض محرز عام 2022 ببناء مسجد في بلدة "بني سنوس" بولاية تلمسان مسقط والده، ودشنه وزير الشؤون الدينية في الجزائر يوسف بلمهدي.
بينما قالت والدة محرز في تصريح لوسائل الإعلام المحلية إن رغبة ابنها كانت كبيرة في تخليد ذكرى والده الراحل وبناء مسجد قرب قبره.
ولا يتوقف الأمر على اللاعبين الذين قرروا تمثيل بلدانهم الأم، بل حتى أولئك الذين مثلوا بلد الميلاد ما زالوا مرتبطين بشكل وثيق بموطن آبائهم حيث يسهمون بمشاريع خيرية سواء تعلق الأمر ببناء أكاديميات كروية أو مستشفيات ومدارس تعليمية.
مؤخرا خصّص مدافع ريال مدريد الإسباني أنطونيو روديغر جزءا من إجازته لزيارة موطنه الأصلي سيراليون، حيث التقى أبناء قبيلته وعددا من أفراد المجتمع المحلي، في زيارة تحمل طابعا إنسانيا واجتماعيا.
وشارك روديغر الذي يمثل المنتخب الألماني، في افتتاح أكاديمية خيرية لتعليم كرة القدم، في خطوة تهدف إلى دعم المواهب الشابة وتعزيز المبادرات الرياضية ذات البعد المجتمعي، ضمن جهوده المتواصلة لخدمة المجتمعات المحلية في بلده الأم.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة