لا يمكن الحديث عن نشأة كأس الأمم الأفريقية دون ذكر السودان؛ فقد كان الدكتور عبد الحليم محمد من مؤسسي الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (كاف)، الذي تأسس في الخرطوم يوم 8 فبراير/ شباط 1957. وبعد يومين فقط، انطلقت أول نسخة من البطولة على الملعب البلدي بمشاركة ثلاثة منتخبات: السودان، مصر وإثيوبيا وفازت بها مصر.
في عام 1970، استضاف السودان من جديد النسخة السابعة من البطولة، وأقيمت المباريات في الخرطوم وود مدني، وشهدت لأول مرة نقلًا تلفزيونيًا. توّج السودان باللقب بعد فوزه في النهائي على غانا بهدف نظيف، وهو إنجازه القاري الوحيد حتى الآن.
منذ ذلك اللقب، غاب السودان عن منصات التتويج بكأس أفريقيا، بل وأصبح حضوره في النهائيات نادرًا. فما السبب؟
يقول الصحفي السوداني عامر تيتاوي إن "كرة القدم السودانية تعرضت لهزة كبيرة في منتصف السبعينيات عندما أعلن الرئيس جعفر النميري سياسة "الرياضة الجماهيرية"، فألغى تراخيص الأندية الكبرى مثل الهلال والمريخ بعد أحداث شغب في مباراة بينهما في أبريل/ نيسان عام 1976".
ويضيف تيتاوي في حديث مع DW "توقفت المنافسات التقليدية، وتحولت الرياضة إلى نشاط مناطقي غير ناجح، ما دفع لاعبين ومدربين وإداريين بارزين للهجرة إلى دول الخليج، وأدى ذلك لانقطاع تواصل الأجيال رغم إعادة الأندية لاحقًا في بداية العام التالي".
بسبب الحرب التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها "أسوأ أزمة إنسانية في العالم"، خاض المنتخب السوداني كل مبارياته في تصفيات أمم أفريقيا ومونديال 2026 خارج البلاد. ورغم ذلك، تأهل إلى نهائيات كأس أفريقيا بعد غياب عن نسخة كوت ديفوار، ويلعب في المجموعة الخامسة إلى جانب الجزائر وبوركينا فاسو وغينيا الاستوائية، مستهلًا مشواره الأربعاء (24 ديسمبر/ كانون الأول 2025) أمام الجزائر.
يقول الصحفي السوداني محمد آدم إندي: "اللاعبون يحملون هوية واحدة واضحة: تمثيل السودان ككرة قدم لا كسياسة. في بيئة منقسمة، يصبح المنتخب مساحة يشعر فيها اللاعبون أنهم سودانيون فقط، بعيدًا عن الانتماءات العسكرية أو السياسية".
ويضيف آدم إندي في رسالة مكتوبة بعث بها لـDW: "الجهاز الفني والإداري لعبا دورًا حاسمًا في تحييد السياسة داخل المعسكر، عبر منع النقاشات السياسية والتركيز على التكتيك والانضباط، وخلق روتين احترافي يحد من تسرب الأخبار الخارجية. هذا العزل جعل الملعب ملاذًا نفسيًا للاعبين".
ويختم آدم إندي رسالته لـDW: "هناك غياب للاستقطاب السياسي في كرة القدم السودانية، وهناك قادة داخل الفريق، ساعدوا على الانضباط والتماسك. لهذا بدا المنتخب وكأنه يقول: قد نختلف خارج الملعب، لكن داخله نحن واحد".
يقول عامر تيتاوي إن "منتخب السودان يوحد السودانيين". ويوضح "في كأس العرب بالدوحة، كان حضور الجالية السودانية في قطر والخليج لافتًا؛ امتلأت المدرجات بالهتافات المستمرة، ولم تكن النتائج هي الأهم، بل الوقوف خلف المنتخب من أجل السودان الواحد، بعيدًا عن الجهوية والمناطقية".
يقول عامر تيتاوي إن ظروف إعداد المنتخب السوداني تختلف عن أي فريق آخر، فغياب المنافسة المحلية "يضيق خيارات المدرب الغاني كواسي أبياه". ويضيف أن مشاركة المنتخب بأساسيه في كأس العرب قبل البطولة القارية مباشرة، في وقت اعتمدت فيه منتخبات مثل المغرب ومصر على فرق الصف الثاني، شكل ضغطًا كبيرًا على اللاعبين الذين منهم من "لعب ست مباريات في عشرة أيام تقريبًا، بينها أربع في كأس العرب واثنتان بدوري الأبطال، وهو معدل مرهق جدًا، خاصة مع التنقل بين رواندا والجزائر والكونغو"، مشيرًا إلى أن سبعة لاعبين أساسيين شاركوا في تلك المباريات، لدرجة أنه في إحدى المباريات قدم لاعبو الهلال من المشاركة الأفريقية إلى الدوحة في فجر يوم إحدى مباريات البطولة العربية، ما يجعل الجاهزية البدنية صعبة.
كما يلفت الصحفي السوداني النظر إلى إصابة ثلاثة من أبرز اللاعبين: القائد رمضان عجب، الحارس محمد مصطفى، والمهاجم سيف الدين مالك، إضافة إلى تحدي انسجام المحترفين المستدعين حديثًا، "فهم لم يشاركوا في البطولة العربية وربما أجبرتهم مشاركتهم مع أنديتهم على الغياب عن تلك البطولة، وقد كانت فترة الإعداد قصيرة ومحدودة".
رغم صعوبة المجموعة التي تضم الجزائر وبوركينا فاسو وغينيا الاستوائية، يرى عامر تيتاوي أن السودان قادر على بلوغ دور الـ16، حتى ولو كأحد أفضل أصحاب المركز الثالث. لكنه يقرّ بواقعية: "ظروف المنتخب لا تسمح له بالذهاب بعيدًا في البطولة"، مشيرًا إلى أن الأمل معقود على الأداء الجماعي لا على نجم بعينه، خاصة أن محمد عبد الرحمن هداف الفريق عاد من إصابة ولم يسجل في كأس العرب، حيث عاني المنتخب من عقم تهديفي. ورغم قوة المنافسين، يبقى حلم صقور الجديان الوصول إلى الدور الثاني حلما يمكن تحقيقه.
تحرير: عادل الشروعات
المصدر:
DW