آخر الأخبار

هنادا طه: نحتاج إلى عقد من الزمن لإعادة «العربية» لرونقها

شارك الخبر

أكدت أستاذ كرسي اللغة العربية في جامعة زايد، الدكتورة هنادا طه، أن النظرة الإيجابية إلى اللغة العربية تلعب أهمية كبيرة في تعزيز دورها بين الأجيال وسوق العمل، مؤكدة أنه لن تكون لتعلم اللغة الأجنبية آثار سلبية، إذا كانت النظرة إلى اللغة الأم مرموقة، ولها مكانة في المجتمع، وأضافت: «نحن نحتاج في الوطن العربي إلى عقد من الزمن، إذا اشتغلنا على السياسات والثقافة والإعلام وتوعية الأسر داخل البيوت، بعدها سنرى جيلاً يتقن اللغة العربية وستعود لغتنا إلى رونقها المميز».

وتفصيلاً، قالت أستاذ كرسي اللغة العربية في جامعة زايد، الدكتورة هنادا طه، في حوار مع «الإمارات اليوم»، إن النظرة الإيجابية إلى اللغة تلعب أهمية كبيرة، فإذا كانت النظرة إلى اللغة الأم مرموقة، ولها مكانة في المجتمع، فلن تكون لتعلم اللغة الأجنبية آثار سلبية، ولكن إذا لم يتم الاحتفاء بلغة الموطن، تهمل تدريجياً، أي إن إهمال اللغة الأم

وتراجعها لا يُفرضان من الخارج، بل من تغيرات داخلية في الجماعة التي تتحدث اللغة، وقد بينت الدراسات أن الأطفال الذين لديهم روابط قوية مع لغتهم الأم يتمتعون بشعور أكبر بذواتهم وقيمتهم لأنفسهم، ويمكنهم اكتساب لغات أخرى بشكل أكثر سهولة وانسيابية، عدا عن أنهم الأكثر نجاحاً في الدراسة.

وأضافت: «لا أرى أن اللغة هي التائه، وأن الأطفال يستصعبون (العربية)، ولكن هناك عوامل متعددة هي التي تؤدي إلى الوضع الذي نحن عليه الآن من تصورات عن صعوبة اللغة العربية، فـ(العربية) لغة مثل سائر لغات العالم، لم نسمع قط عن أبناء لغة يقولون عن لغتهم صعبة».

وأردفت: «ممكن أن يقول الأجنبي إن اللغة العربية صعبة إذا أراد تعلمها، ولكن ما يحدث معنا مستغرَب قليلاً، وله أسباب مختلفة، منها الأساطير الكبيرة التي تبث ويتبناها الناس بأن اللغة صعبة»، موضحة أن اكتساب اللغة الأم يعتمد على البيت والمدرسة، لكن ما يحدث لدى كثير من الأبناء أن تعليم اللغة العربية سيئ في كثير من المدارس الخاصة.

وتابعت: «عدد ساعات تعليم اللغة ساعة أو أقل يومياً، إذاً الذنب ليس ذنب اللغة، وليس ذنب الأطفال، لكن ما يحدث في المدارس وبعض طرق التعليم هما أساس المشكلة، وأيضاً البيت جزء من المشكلة، فكثير من الأهل، وهم عرب، يتحدثون لغة أجنبية، عدا عن العاملات الأجنبيات، وبالتالي يواجه الأطفال حصاراً، ففي المدرسة اللغة الإنجليزية هي السائدة، وفي المنزل الأهل والمساعِدات يتحدثون (الإنجليزية)، إضافة إلى التلفاز والألعاب والأجهزة اللوحية، هذه الأشياء هي المؤثر الرئيس في تشكيل وعي الطفل حول لغته العربية».

وأكملت: «الطفل الأجنبي يأتي إلى المدرسة بمحصلة لغوية أعلى بكثير من الطفل العربي، وذلك لأن الطفل قبل أن يذهب إلى المدرسة يكون لديه عالم واحد تقريباً، وهو عالم البيت، وهنا أيضاً القضية، لماذا يأتي بمحصلة أقل من الطفل الأجنبي؟ ذلك لأنهم في البيت لا يتحدثون باللغة العربية، وبعض الأهل حتى لو تحدثوا باللغة العربية فهم لا يتحدثون مع أطفالهم كثيراً، لذلك نحتاج إلى أن نتواصل كثيراً، وألّا يكون البيت صامتاً، والأبناء طوال النهار مع الألعاب أو العاملة المنزلية، وهذا لا يحفز على اكتساب المفردات اللغوية».

وأضافت: «نحن نعرف تماماً ما الذي يجب أن نفعله كي يدخل الطفل إلى المدرسة مستعداً لتعلم لغته، وليس بالضرورة أن يتحدث الفصحى، فلو كان الطفل يتحدث لهجته العامية بطلاقة، يكفي هذا كي ننقله من خلال التعليم إلى اللغة المعيارية الفصحى، لكنهم يأتون ولا يعرفون أسماء الأشياء البسيطة باللغة العربية، لذلك يلعب البيت دوراً هائلاً وأساسياً في إكساب الطفل لغته الأصلية، والطفل من عمر يوم إلى ست سنوات، وهو العمر الذي يتكوّن فيه الدماغ، تتكون بذور الشخصية لديه، وفي هذه السنوات الذهبية لو أضاعها الأهل ولم يقرؤوا لأطفالهم خلالها، ولم يتحدثوا معهم ويشجعوهم على الكلام واستخدام اللهجة، فسيخسر الطفل كثيراً في المستقبل».

وحول معدل الوقت المخصص للغة العربية في معظم مدارس الوطن العربي، أكدت تناقص المعدل في معظم المدارس، وبات الطالب حالياً يحصل على 140 ساعة تدريس للغة العربية في العام الدراسي، وذلك للمدارس التي تعطي حصة في اليوم، وهو أقل من المعدل العالمي بـ100 ساعة، لأن المعدل العالمي 242 ساعة لتعليم اللغة الأم، و27% منها تقريباً تخصص لتعليم القراءة.

وأضافت: «القضية عندنا متعددة منها أن صانع القرار أحياناً قد لا يعرف هذه القضايا، أو ليس على علم بمسألة اللغويات، وكيفية اكتساب اللغة، وأيضاً نحتاج إلى أن تكون لدينا بحوث علمية مدعومة في مسائل تعليم القراءة وتعليم اللغة، وأن نوعّي المجتمع عموماً، لذا نحتاج إلى توعية كبيرة لكل الأطراف».

وأوضحت أن الأطفال يستطيعون أن يتعلموا لغتين وثلاث لغات بإتقان بسهولة، ويجب أن يعلم الجميع أن تعلم لغة أجنبية من أجل العلم أو العمل أو السفر لا يعني بأي شكل من الأشكال ألا يتعلم اللغة الأم، أو أنه لن يحتاج اللغة العربية، أو أنه سيصبح أجنبياً، فجميع الخريجين الدارسين باللغة الإنجليزية معرفتهم سطحية باللغة الإنجليزية، هو مجرد ناطق، ولا يعرف عمق الثقافة الإنجليزية، ولا عمق اللغة الأكاديمية، وبذلك يكون لدينا إنسان ضحل خسر لغته الأم، ولم يصبح ناطقاً أصيلاً باللغة الإنجليزية كذلك، فمن لا يتقن لغته الأم يفقد جذوره الاجتماعية والثقافية، ويخسر سلامه النفسي، ويكون أكثر عرضة للاكتئاب.

واستبعدت تأثير اللهجات المحلية والعامية في لغة الضاد، مؤكدة أن كل اللهجات جزء من اللغة العربية، فاللهجة لن تعيق التمكن من الفصيحة، القضية بين اللهجة والفصيحة تتعلق بكيف نعلم الأطفال وننقلهم من اللهجة إلى اللغة العربية الفصيحة، عبر السمع والتعرض للمفردات، وهذا الأمر ليس قضية كبيرة، هو مجرد تحدّ موجود في طبيعة لغتنا، ويسهل التغلب عليه بالتعليم الجيد. فتعريف الناطق الأصلي باللغة العربية هو أن يتقن لهجته الأم، ويعرف لهجات عربية عدة، ولدينا دليل من دولة الإمارات التي تعيش فيها جاليات من جميع الدول العربية، وجميعها تستطيع التحدث والتفاهم مع بعضها وفق لهجاتها، لأنها كلها لهجات نابعة من اللغة العربية الأم، واللهجة لا تعيق من التمكن من اللغة العربية الفصيحة.

وقالت: «لا يجوز أن يتخرج الطالب وهو يتقن اللغة الإنجليزية، ولا يتقن لغته العربية، يجب أن تعرف الإنجليزية أو الفرنسية أو أكثر من لغة، لكن اللغة العربية يجب أن تكون هي الأساس، ولا يوجد أي تضارب في إتقانك لغتك الأم ومعرفتك وإتقانك لغات أخرى. وهنالك دراسات علمية بهذا الشأن، أهمها ما أصدرته وزارة الثقافة في 2021، وهو تقرير عن حالة اللغة العربية، أظهر استفتاء تم إجراؤه مع الشباب وجود توجهات إيجابية للغاية نحو اللغة العربية، وأنهم ينظرون إلى اللغة العربية بشكل إيجابي، ولعل السبب في ذلك يعود للمجهودات الكبيرة التي تقوم بها الدولة، والتي تعد من أكبر الجهود الموجودة بين الدول العربية. ولابد أن نقرأ لأبنائنا منذ الصغر، فطفولة من دون كتب ليست طفولة على الإطلاق، للكتب التي تقرأ مع الأطفال رائحة الخبز الساخن ورائحة الأم والوطن، القراءة والكتب بمثابة الدواء، وهي البنية التحتية لتعلم اللغة الأم، وفهم الأطفال معاني الأشياء».

وحول إمكانية التغلب على عزوف بعض اليافعين العرب عن التحدث باللغة العربية، قالت: «للأسف يرى بعضهم أن الحديث باللغة العربية يقلل من الوجاهة الاجتماعية، أو يتعارض مع الدرجة العلمية التي يحملها، وأنا أظن أن هذا توجه مجتمعي، لأن الطفل أو الشاب يستمع في منزله عن أهمية إتقانه اللغة الإنجليزية، ولا يشعر بأي اهتمام من الأهل باللغة العربية».

وأضافت: «نحن نحتاج في الوطن العربي إلى تعليم أفضل للغة العربية، وتأهيل أفضل لمعلم اللغة العربية، وألا تكون الصورة الذهنية عن معلم اللغة العربية أنه الشخص الذي يصرخ في الطلبة، وغير عصري، والأقل أناقة بين المعلمين، وأنه لا يتحدث أي لغة أجنبية، فضروري أن يتعلم ولو قليلاً، فالاهتمام بالعربية لا يعني عدم تعلم لغات أخرى، كما نحتاج إلى تطوير أساليب تعليم اللغة، وألا تعتمد على الحفظ، كما أن معلم اللغة العربية يحتاج إلى تطوير أسلوبه التعليمي، فدائماً هو الأعلى صوتاً خلال التدريس عن بقية معلمي المواد الأخرى، كما أنه لا يهتم بنفسيات الطلبة، وتوقعاته من الطلبة ليست عالية، نحتاج إلى شخصيات يحبها الطالب».

ورداً على سؤال عن صلاحية اللغة العربية لسوق العمل في وقتنا الحالي، أفادت: «مقولة أن لغة سوق العمل هي الإنجليزية مجرد أسطورة، فأفضل طلابنا يعملون في الوطن العربي، ومهما تكلف الأمر إلى حاجتنا للغة الإنجليزية فلن يتعدى الحاجة إلى اللغة الإنجليزية 30% من حاجتنا في العمل، ومعظم حديثنا بالغة العربية، في العمل الحكومي كل ما يكتب يجب أن يكون باللغة العربية، ما يحدث غير ذلك يعدّ تجاوزات من الأفراد، وليس من قوانين سوق العمل، علينا أن نعيد النظر في أسطورة الإنجليزية لغة سوق العمل، سوق العمل تحتاج إلى اللغتين، وإلى اللغة الأم للبلد أكثر من أي لغة أخرى».

وأضافت: «نحن في الوطن العربي نحتاج إلى عقد من الزمن (10 سنوات)، إذا اشتغلنا على السياسات والثقافة والإعلام وتوعية الأسر داخل البيوت، فإذا اشتغلنا على كل هذه المحاور 10 سنوات فسنرى جيلاً يتقن اللغة العربية، وستعود لغتنا إلى رونقها المميز».

معايير ومؤشرات أداء لتعليم اللغة العربية

مصدر الصورة

كرّست أستاذ كرسي اللغة العربية في جامعة زايد، الدكتورة هنادا طه، كل مجهوداتها لفنون لغة الضاد، وطرائق تعليم اللغة العربية، وتصميم المناهج، والتعليم المبني على المعايير، وتدريب معلّمي اللغة العربية، وقد طوّرت الدكتورة هنادا معايير ومؤشرات أداء لتعليم اللغة العربية من الروضة حتى الصف الـ12، كما صمّمت أول تدريب للمعرفة القرائية في الوطن العربي، وأول منهاج لغة عربية مبني على المعايير، وأدب الأطفال، ومنحى اللغة المتوازن، وطوّرت أول نظام لتصنيف كتب أدب الأطفال العربية، وتم تصنيف أكثر من 9500 كتاب أدب أطفال، بحسب نظام تصنيف هنادا طه لأدب الأطفال، ويستخدم أكثر من 100 ألف تلميذ من أنحاء الوطن العربي معايير هنادا طه لتعليم اللغة العربية، كما تستند اختبارات ومناهج عدة إلى معايير هنادا طه لتعليم اللغة العربية.

هنادا طه:

. «العربية» مثل سائر لغات العالم.. ولم نسمع قط عن أبناء لغة يقولون عن لغتهم صعبة.

. الطفل يكفي أن يتحدث في المرحلة الأولى لهجته العامية بطلاقة، كي ننقله من خلال التعليم إلى اللغة المعيارية الفصحى.

. المواجهة من كل المحاور، الحل لتفكيك أسباب عزوف المواطنين والمقيمين عن التحدث بـ«العربية»، وتفتيت أسطورة صعوبتها.

. من لا يتقن لغته الأم يفقد جذوره الاجتماعية والثقافية، ويخسر سلامه النفسي، ويكون أكثر عرضة للاكتئاب.

. النظرة الإيجابية إلى اللغة تلعب أهمية كبيرة في الاحتفاء بها.. والشباب يرى أن الحديث باللغة العربية يقلل من الوجاهة الاجتماعية.

. التوجهات والنظرة إلى اللغة العربية في الإمارات جيدة جداً.. والمشكلة فقدان الطفل سماعها، بسبب الاستعانة بمساعِدات أجنبيات.

. حاجة سوق العمل إلى «الإنجليزية» أسطورة، وأفضل طلابنا يعملون في الوطن العربي ويتحدثون اللغة العربية.

شارك الخبر


إقرأ أيضا