آخر الأخبار

الجزيرة نت ترصد عوامل التوتر على الحدود الإيرانية الأفغانية

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

حدود إيران-أفغانستان- يمتد الخط الحدودي بين إيران و أفغانستان نحو 920 كيلومترا، عبر صحارى وجبال ووديان قاسية، من محافظة سيستان وبلوشستان في الجنوب وحتى خراسان الرضوية شمالا.

وهو ليس مجرد خط ترابي على خارطة، بل ساحة لتفاعلات إنسانية وأمنية وسياسية واقتصادية تخترق حياة الملايين من السكان والمهاجرين والتجار، وتكشف عن واقع معقد يتجاوز الهدوء الظاهري الذي يراه الزائر من بعيد.

في طيّات هذا التوتر، تتشابك الهجرة غير النظامية، و الترحيل الجماعي ، وتهريب الوقود والمخدرات، والسياسات الحكومية، وأزمة المياه، والمبادرات التجارية، في معادلة يصعب حصرها على عامل واحد.

مصدر الصورة الحدود الأفغانية الإيرانية ارتفعت فيها موجات العودة الجماعية بشكل غير مسبوق منذ عقود (الجزيرة)

الحدود وأزماتها

على الجانب الأفغاني من الحدود، في ولايات مثل هرات ونيمروز وفراه، يعيش السكان في ظروف اقتصادية صعبة للغاية، ونزوح متكرر طلبا للمياه، وشح في الخدمات الصحية والتربوية، وغياب فرص العمل يُعد من أبرز التحديات اليومية.

والمجتمع كثيرا ما يعتمد على الزراعة الموسمية وتربية الماشية، في بيئة لا تمنح استدامة واضحة لذلك النشاط، ما يدفع كثيرين للبحث عن فرص عمل خارج تلك المناطق.

وتظهر تقارير الأمم المتحدة أن هذه الضغوط تُفجّر موجات من الهجرة غير النظامية، عبر حدود غير رسمية، حيث يدخل آلاف الأشخاص يوميا سعيا لحياة أفضل، ولو مؤقتا، رغم المخاطر على الطريق.

وفي المقابل، يعاني سكان سيستان وبلوشستان من اقتصاد هش وضغوط اجتماعية متزايدة، فانتشار العمالة الأفغانية، التي كانت تشارك بقطاعات البناء والزراعة والخدمات، تغيّر في السنوات الأخيرة بسبب سياسات الترحيل والضوابط الأمنية، ما أثّر على شبكات الدخل المحلية.

والسكان المحليون بتلك المناطق يعيشون أحيانا على دوائر اقتصاد غير رسمي تعتمد على ما يمر عبر الحدود، بما في ذلك التجارة القانونية والمبادرات الاقتصادية الصغيرة، لكن ذلك غالبا ما يصطدم بالمنافسة مع التجارة غير الرسمية وأنشطة التهريب.

مصدر الصورة سياسة ترحيل الأفغان من الجانب الإيراني مستمرة (الجزيرة)

المُرحّلون

منذ منتصف عام 2025، تشهد الحدود موجة هجرة غير نظامية أو مسبوقة، تلاها ترحيل قسري وعائدون إلى أفغانستان، ووفق تقرير المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ، تجاوز عدد الأفغان العائدين من إيران حتى سبتمبر/أيلول الماضي 1.7 مليون شخص، عبروا من نقاط حدودية مثل إسلام قلعة ودوغارون – ميلك، في واحدة من أكبر موجات العودة الجماعية منذ عقود.

إعلان

ومن هذا العدد -بحسب صحيفة "طهران تايمز" الحكومية باللغة الإنجليزية- شهد يوم 4 يوليو/تموز الماضي وحده عودة أكثر من 39 ألف و400 شخص في يوم واحد، كما ارتفعت نسبة العائدين كعائلات مقارنة بالفترات السابقة، من 14% في الربع الأول إلى أكثر من 40% في منتصف العام.

وتشير هذه البيانات إلى أن كثيرا من العائدين كانوا يعيشون في إيران لسنوات، لكن سياسات ضبط الحدود وإنهاء صلاحية وثائق الإقامة المؤقتة دفعتهم للعودة الجماعية.

وتؤكد تصريحات مسؤولين إيرانيين أن العديد من العائدين "انتهت فترة إقامتهم"، إضافة لذلك، أشار تقرير آخر في "طهران تايمز" إلى أن نحو 460 ألف شخص تم ترحيلهم في يوليو/تموز الماضي وحده، في أعلى رقم شهري منذ سنوات، مع إعطاء مهلة لملايين الأفغان غير النظاميين للمغادرة قبل حلول مواعيد نهائية، ما رفع أعداد العائدين بشكل حاد.

والحياة بعد العودة إلى أفغانستان ليست سهلة، حيث يجد عائدون كثر أنفسهم دون موارد أو سكن أو عمل، ما يزيد من الضغوط الإنسانية على ولايات حدودية بلا بنى تحتية كافية لاستيعاب أعداد بهذه الضخامة. ووفقا لوكالة رويترز، تشير منظمات الإغاثة التي تقدم الدعم في المعابر إلى نقص التمويل وعدم كفاية الموارد، رغم التحذيرات من مخاطر تفاقم الأوضاع الإنسانية.

التهريب وأشكاله

يعد تهريب الوقود الإيراني المدعوم إلى الأسواق الأفغانية من أبرز الظواهر الاقتصادية غير الرسمية على الحدود وأوسعها، فإيران تدعم منذ سنوات أسعار الوقود محليا، ما يجعل فروق السعر مع دول الجوار -وخاصة أفغانستان- جاذبة جدا لأنشطة التهريب.

وتشهد نقاط مثل محافظة سيستان وبلوشستان دخول كميات كبيرة من الوقود عبر طرق فرعية، وغالبا بوسائل صغيرة كالشاحنات والدراجات، ما يعكس اقتصاد ظل كبير يعتمد عليه بعض السكان كمصدر دخل، رغم الجهود الأمنية.

وحسب تقرير لوكالة الأنباء الإيرانية "إرنا"، تم ضبط أكثر من مليون و273 ألفا و365 لترا من الوقود المُهرّب عند معبر "دوغارون-تايباد" بمحافظة خراسان الرضوية منذ أبريل/نيسان حتى ديسمبر/كانون الأول الحالي، منها نحو 987 ألف و384 لترا من الغازوالديزل، و 285 ألف و981 لترا من البنزين، أي ما يوازي قيمته أكثر من 450 مليار ريال إيراني.

وذكرت وكالة التلفزيون الرسمي الإيرانية أن السلطات القضائية فتحت 703 ملفات قضائيا لمتورطين بتهريب الوقود، منهم إيرانيون وأفغان، معتبرة أن تهريب الوقود عبر هذا المعبر أحد أهم التحديات الاقتصادية والأمنية في المنطقة.

وهذا النشاط ليس مجرد مشكلة اقتصادية، بل يعكس شبكات واسعة للتجارة غير الرسمية عبر الحدود، تستفيد من فوارق سعر الوقود الإيراني والأسواق المجاورة، حيث يُكسب التهريب العديد من التجار بنى اقتصادية مترابطة مع شبكات التهريب الكبرى، ما يزيد من صعوبة سيطرة الدولة عليه تماما.

وفي سياقات إقليمية، تشير تقارير متعددة إلى أن عمليات التهريب -بما في ذلك الوقود والمشتقات النفطية- تصل قيمتها بالمجمل إلى عشرات مليارات الدولارات سنويا في الاقتصاد غير الرسمي الإيراني، مع ارتباط كبير بالتهريب عبر الحدود.

إعلان

المخدرات أيضا

وبالرغم من حظر حركة طالبان زراعة الأفيون في عام 2022، تظل الحركة التجارية للمخدرات -خاصة لمن يحاول تجاوز القانون- سمة بارزة في المنطقة.

وكانت أفغانستان -وفق تقارير عالمية- تُعد المصدر الأكبر لأغلب أنواع الأفيون والهيروين عالميا لفترة طويلة قبل الحظر، وتفاوتت الكميات المنتجة مع تغير السياسات لكن دون اختفاء النشاط كليا.

وتاريخيا، لعبت الحدود مع إيران دورا رئيسيا بنقل المخدرات من موارد الإنتاج في أفغانستان إلى الأسواق الإيرانية ثم إلى خارجها، عبر شبكات تهريب معقدة تعمل على جانبي الحدود، مستفيدة من التضاريس الوعرة وطبيعة التفاعل البشري والاقتصادي هناك.

ورغم الخطط الأمنية المكثفة من إيران، بما في ذلك إنشاء وحدات مختصة ودوريات ومراقبة إلكترونية وجدارية في المناطق الأكبر نشاطا، يظل تهريب المخدرات جزءا من التحديات الأمنية المستعصية على السيطرة التامة.

مصدر الصورة التوترات بين إيران وأفغانستان تعود إلى فترة الاتحاد السوفياتي (الفرنسية)

وفي السنوات الماضية، قررت السلطات الإيرانية بناء أجزاء من جدار حدودي مزود بأسلاك شائكة وكاميرات مراقبة وأبراج حراسة في بعض المناطق الأكثر نشاطا على حدودها مع أفغانستان، كجزء من إستراتيجية أمنية لمحاولة الحد من الهجرة غير النظامية والتهريب.

وبحسب تصريحات رسمية نقلتها وكالة "إرنا"، فإن إيران أقامت أعمالا في مسافة تقارب 74 كيلومترا من الجدار بشمال شرقي البلاد، ضمن خطة لتأمين الحدود بشكل أكبر، مؤكدة أنها تحترم "مبدأ حسن الجوار" لكنها ترى أن الإجراءات الأمنية ضرورية للحماية.

ورغم ذلك، يبقى حجم الحدود وطبيعتها الجغرافية المعقدة عائقا أمام السيطرة الشاملة، خاصة في المناطق النائية، حيث تستفيد شبكات التهريب من التضاريس الصعبة للوصول إلى نقاط غير مراقَبة. كما أن الجدار لا يلغي وجود طرق غير رسمية متعددة يستخدمها المُهرّبون والمهاجرون غير النظاميين، مما يجعل الجدار جزءا من إستراتيجية أوسع، لكنها ليست حلا كاملا بحد ذاتها.

وليس الفقر والتهريب فقط ما يضغط على المجتمعات الحدودية؛ بل هناك أزمة مياه حادة تخص مجرى نهر هلمند الذي ينبع من أفغانستان ويمتد إلى إيران، ما أثار خلافات بين الجانبين عن حصص المياه وتأثيراتها على الزراعة المحلية.

ویشکل هذا الخلاف البيئي والسياسي سببا آخر للتوتر على الحدود، حيث لم يتم التوصل إلى آليات تعاون مشتركة للتعامل مع توزيع المياه في سياق تغير المناخ وارتفاع الطلب.

مصدر الصورة نهر هلمند ينبع من جبال هندوكش شمال شرقي أفغانستان، ويصب في بحيرة هامون داخل الأراضي الإيرانية (الجزيرة)

تفاهم تجاري

ووسط كل تلك الضغوط، ظهرت محاولات رسمية لتحويل هذه الحدود من مساحة توتر إلى مساحة تكامل اقتصادي، فقد وقّعت إيران وأفغانستان مذكرة تفاهم لتعزيز التبادل التجاري إلى نحو 10 مليارات دولار سنويا، وهو رقم طموح يهدف لتحويل العلاقات الاقتصادية بين الجانبين بعيدا عن الانعكاس الأحادي للنزاعات الحدودية، وفق ما نقلته وكالة تسنيم الإيرانية.

ويهدف الاتفاق لخدمة الاقتصاد الأفغاني الباحث عن طرق تجارية بديلة بعد توترات مع باكستان وإغلاق بعض المعابر، في حين ترى إيران بذلك فرصة لتخفيف آثار العقوبات وزيادة دورها كمنفذ تجاري للخارج.

وتقول وكالة "إرنا" إن من أهم مسارات التجارة بين البلدين طريق ميلك في محافظة سيستان وبلوشستان، أحد المعابر الحدودية الحيوية الذي يُنظر إليه كبوابة مهمة لتدفق البضائع التجارية رسميا، ويشكل جزءا من ممر يربط أفغانستان بالأسواق الإيرانية وخارجها، ويعد محورا لتطوير العلاقات التجارية في المرحلة القادمة.

كما أن بناء طريق 606، بطول نحو 218 كيلومترا داخل أفغانستان الذي يربط الحدود الإيرانية بشبكات الطرق الوطنية، يسهم في تسهيل الوصول إلى السوق الإيراني ويُعزّز دور التجارة الرسمية، وقد لعب دورا مهما في السنوات الماضية كممر تجاري مستقل عن باكستان ، وفق مقال نشره الموقع الرسمي لمعاونة الاقتصاد لرئاسة الوزراء الأفغانية.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2025، عقد وفدان رفيعا المستوى من إيران وأفغانستان اجتماعات في كابل لمناقشة قضايا التهريب والمراقبة الأمنية المشتركة، مؤكدين استعدادهما لرفع مستوى التعاون الميداني وتبادل الزيارات المنتظمة بين اللجان العليا لكلا البلدين لمعالجة الملفات الحدودية.

إعلان

وهذا الحوار المتجدد، وإن بقي محدودا في نطاقه، يُمثّل محاولة لتقليص التوترات الأمنية وتحسين الاتصال بين قوات الحدود لمواجهة:


* الهجرة غير النظامية.
* تهريب المخدرات والوقود.
* التهديدات الأمنية العابرة للحدود.

المليشيات المسلحة

من جهة أخرى، شهدت السنوات السابقة اشتباكات محدودة بين قوات الحدود على الجانبين ببعض المناطق، رغم النبرة الرسمية التي تؤكد التعاون، ما يعكس هشاشة الواقع الأمني على الأرض.

وإلى جانب التهريب والهجرة غير النظامية، يشكل نشاط المليشيات المسلحة عامل توتر دائم على الحدود الإيرانية-الأفغانية، حيث لا يقتصر التحدي على المواجهات مع حركة طالبان، بل يشمل جماعات مسلحة محلية وإقليمية تعمل خارج نطاق القانون.

وتنشط جماعة جيش العدل في محافظة سيستان وبلوشستان جنوب شرقي إيران وعلى امتداد مثلث الحدود مع باكستان وأفغانستان، والتي تعتبر نفسها جماعة مدافعة عن حقوق الأقلية البلوشية السنية، وتنفذ عمليات مسلحة ضد قوات الأمن الإيرانية على أساس متكرر، بمعدل اشتباك كل بضعة أيام تقريبا.

وتتضمن عملياتها كمائن ضد دوريات حرس الحدود، وتفجير مركبات، واغتيالات أفراد الأمن، ما يجعل الوجود على الحدود محفوفا بالمخاطر. وفي يوليو/تموز الماضي، أعلنت الجماعة مسؤوليتها عن هجوم مسلح على مبنى محكمة في زاهدان، أوقع قتلى وجرحى بين رجال الأمن، وفق رويترز.

كما يؤثر فرع تنظيم الدولة الإسلامية خراسان، النشط في أفغانستان، بشكل غير مباشر على الأمن الإيراني، ويقوم بعمليات مسلحة متقطعة تشمل اغتيالات واستهداف المدنيين والأهداف الأمنية في مناطق متاخمة للحدود، ويستغل الفوضى الأمنية لتجنيد عناصره، ويُشكل تهديدا أمنيا متواصلا يمكن أن يؤدي إلى اشتباكات مع قوات الأمن الإيرانية بمناطق الحدود.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا