آخر الأخبار

كيف تقرأ المرأة الليبية قرار منع تصوير الأنشطة النسائية؟

شارك

طرابلس- أثار قرار جهاز حماية الآداب شرق ليبيا القاضي بتقييد تصوير الأنشطة النسائية إلا بإذن مسبق تحت ذريعة الذوق العام، سجالا واسعا بين مؤيد ومعارض، ففي الوقت الذي حرك فيه القرار حفيظة قطاعات عريضة خشية الانزلاق نحو تقييد الحريات، رأى فيه أنصاره صماما لضبط فوضى المحتوى الرقمي.

وقالت وزيرة شؤون المرأة في الحكومة الليبية شرق البلاد انتصار عبود للجزيرة نت إن القرار يمكن أن يشكل أداة لتنظيم الفضاء العام وحماية المصلحة العامة وصون القيم المجتمعية، شريطة أن تصاغ إجراءاته التنظيمية على نحو دقيق يضمن عدم المساس بحقوق النساء لا سيما العاملات في المجالات الإبداعية.

في هذا التقرير، تحاول الجزيرة نت تفكيك خلفيات القرار وانعكاساته على النساء العاملات في القطاعات الإبداعية والتجارية، واستجلاء حدوده القانونية والدستورية للإجابة عن جملة من الأسئلة أبرزها، متى يتحول التنظيم إلى وصاية؟ وكيف ترسم الحدود بينهما؟ وأين ينتهي صون القيم ليبدأ تقييد الحقوق؟ وما الذوق العام؟ ومن يملك حق تعريفه؟ ثم ما دور النساء في هذه المعادلة؟

آلية احترازية

تعتبر وفاء الشريف الإذاعية والناطقة باسم مشروع "ملتقى رائدات ليبيا" في حديثها للجزيرة نت أن تنظيم عمليات التصوير لا يعد إجراء إقصائيا للنساء؛ بقدر ما هو "آلية احترازية تهدف إلى صون خصوصيتهن ومنع أي انتهاك محتمل" في ظل نظرة اجتماعية لا تزال تتعامل مع أنشطتهن بحساسية أكبر مقارنة بغيرها من الفضاءات العامة.

ومن خلال تتبع الجزيرة نت للتعليقات المصاحبة لمنشور قرار جهاز حماية الآداب العامة عبر منصة فيسبوك ، برزت آراء مؤيدة له، واعتبر أصحابها أنه ينظم عملية ضبط المحتوى المتداول في الفضاء الرقمي، لا سيما في ظل تدفق محتوى وصفوه بأنه لا ينسجم مع العادات والتقاليد السائدة في مجتمع محافظ.

وفيما يتعلق باشتراط التصريح المسبق لكل عملية تصوير، ترى عبود أن ذلك يمثل تحديا واضحا لصانعات المحتوى اللاتي تُحتم أنشطتهن الإنتاج المتكرر واليومي والتفاعل السريع مع الأحداث.

إعلان

من ناحيتها، أكدت الحقوقية والباحثة في قضايا النوع الاجتماعي والحوكمة حنين بوشوشة أن هذا البند المقتصر على النساء حصرا يتعارض بشكل صريح مع المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسة، التي تكفل الحق في تلقي ونقل المعلومات دون تدخل تعسفي.

كما يشكل القرار -برأيها- تمييزا مباشرا قائما على النوع الاجتماعي، في مخالفة واضحة للمادة 2 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

أما سدوس الجهمي الصحفية ومديرة منظمة "هيروفيل" المعنية بحقوق النساء والتنمية المستدامة، فقد وصفت القرار بـ"المقلق"، وينذر بتمدد الرقابة خارج الأطر القانونية والتشريعية المنظمة، وقالت للجزيرة نت إن "اشتراط التصريح المسبق غير واقعي، لأن طبيعة عمل صانعات المحتوى تقوم على الإنتاج اليومي المتكرر، وفرض الإذن المسبق يعوق عملية النشر ويقيد المحتوى".

نصوص فضفاضة

من جهتها، أكدت أستاذة القانون بجامعة بنغازي جازية شعيتير افتقار القرار لأي سند تشريعي صريح، وعدّته قرارا تنظيميا إداريا يستند إلى نصوص عامة وفضفاضة تتعلق بالآداب العامة وخدش الحياء، دون وجود أي نص قانوني يجيز فرض رقابة مسبقة أو اشتراط تصاريح لممارسة نشاط اقتصادي أو تعبيري مشروع؛ ما يُشكل "خرقا" لمبدأ الشرعية وتدرج قواعد القانون.

وأضافت للجزيرة نت أنه يتعارض مع الضمانات الواردة في الإعلام الدستوري، والتزامات ليبيا الدولية، لا سيما فيما يتعلق بحرية التعبير والإعلام والعمل.

وفي تشخصيها لدوافعه، قالت عبير أمنينة أستاذة العلوم السياسية بجامعة بنغازي ومديرة مركز وشم لدراسات المرأة للجزيرة نت إن "مثل هذه القرارات لا يمكن فصلها عن سياق هشاشة مؤسسات الدولة المنقسمة، إذ تميل الأجهزة الأمنية إلى توسيع أدوارها الوظيفية بحثا عن الشرعية الشعبوية، متجاوزة حدود اختصاصها المهني إلى إدارة القيم" حسب تعبيرها.

وأوضحت أمنينة أن ما حدث وفق منظور علم الاجتماع يمثل صراعا بين نمطين متوازيين في فهم الفضاء العام:


* الأول: نمط محافظ يتعامل مع الجسد الأنثوي بوصفه تهديدا محتملا لمنظومة الأخلاق والقيم الاجتماعية، ما يبرر إخضاعه للمراقبة والتقييد.
* الثاني: نمط رقمي ينظر إلى الجسد باعتباره موردا اقتصاديا يمكن تنظيمه بضوابط اجتماعية وقانونية واضحة.

وحذرت الخبيرة القانونية جازية شعيتير من تعاظم خطورة القرار "نتيجة توظيف المفاهيم المطاطية للآداب العامة وخدش الحياء، والتي لا تملك سلطة تعريفها إلا الجهة التشريعية".

مشيرة إلى أن تخصيص الأنشطة النسائية ينتج أثرا تمييزيا غير مباشر، يؤدي إلى تضييق نوعي اجتماعي في مجال التمكين الاقتصادي، في ظل ولوج عدد من النساء إلى سوق العمل الذي يعتمد على الإعلان الرقمي وصناعة المحتوى.

وهو ما تتفق معه الناشطة بوشوشة، التي حذرت من انسحاب النساء من الفضاء العام، أو تقليص حضورهن فيه؛ خشية المساءلة أو الوصم.

مصدر الصورة حقوقيات أكدن افتقار القرار لأي سند تشريعي صريح (صندوق الأمم المتحدة الإنمائي)

مقاربة متوازنة

ولتحقيق التوازن بين الحفاظ على القيم المجتمعية وضمان حق النساء في العمل، ترى الوزيرة انتصار عبود أن هذه الخطوة تتطلب مقاربة متوازنة، تتجاوز المنع والتضييق إلى التنظيم المسؤول الذي يستند إلى أحكام الشريعة الإسلامية السمحة، ويحترم العادات والتقاليد التي كرمت المرأة وصانت مكانتها عبر:

إعلان

* وضع أطر تنظيمية تميز بين المحتوى المخالف للقيم والمحتوى المهني.
* اعتماد آلية مرنة تراعي طبيعة العمل الرقمي.
* تعزيز ثقافة الالتزام الأخلاقي والمسؤولية الذاتية.
* إشراك النساء وصانعات المحتوى في صياغة أي سياسات أو قرارات تنظيمية تمسهن.

كما دعت الحقوقية عبير أمنينة إلى تبني مقاربة تشريعية أو سياساتيه تُعنى بالمجال العام والأخلاق، وتصاغ بمشاركة مختصين في علمي الاجتماع والنفس، لضبط المفاهيم الإشكالية التي يراد توظيفها في المجتمع، وعلى رأسها مفاهيم الحياء العام وخدش الحياء، ما يحول دون استخدامها كأدوات مطاطية لتقييد الحقوق والحريات.

ومن منطلق دور منظمات المجتمع المدني في هذه المرحلة، أكدت الجهمي أن للمنظمات النسوية دورا بارزا يبدأ قبل أي تحرك قانوني أو احتجاجي، عبر تفكيك الخطاب الذي يبرر التضييق باسم الذوق العام، للإجابة عن سؤال مفاده "من يملك حق تعريف الذوق العام وبأي سند قانوني؟".

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا