في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
تعمل الولايات المتحدة منذ أسابيع على إقرار مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة لإنشاء قوة دولية مؤقتة في قطاع غزة ، تعرف باسم قوة الاستقرار الدولية (ISF)، ضمن خطة شاملة لإعادة بناء القطاع وتأمينه حتى نهاية عام 2027، مع إمكانية التمديد.
وقد أعدت الولايات المتحدة مشروع القرار الخاص بالقوة الدولية استنادا إلى خطة ترامب المكونة من 20 بندا لوقف الحرب في قطاع غزة، ويفترض بهذه القوة أن تحل محل جيش الاحتلال الإسرائيلي فور دخولها القطاع.
وقد وُصفت مسودة الخطة بأنها "حساسة، ولكن غير سرّية"، في إشارة إلى طبيعتها التنفيذية لا السياسية، كما أوضح مسؤول أميركي رفيع -في تصريحات للقناة الـ12 الإسرائيلية- أن "القوة ليست لحفظ السلام، بل لإنفاذ الاستقرار وتهيئة الأرضية لحكومة فلسطينية جديدة تحت إشراف دولي".
وتمثل هذه الخطة النسخة الأميركية الأكثر وضوحا لخطة "اليوم التالي" في قطاع غزة، بعد عامين من العدوان الوحشي الإسرائيلي المتواصل.
ويهدف المشروع الأميركي إلى تحقيق توازن دقيق بين المصالح الأمنية الإسرائيلية ومتطلبات إستراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة.
ونشرت تعديلات للمرة الثالثة على مشروع القرار الأميركي الخميس الماضي، وقالت مصادر سياسية إسرائيلية تحدثت لصحيفة يديعوت أحرونوت إن المقترح الأميركي الجديد يتضمن بنودا "غير مواتية لإسرائيل"، مثل الحديث عن مسار للدولة الفلسطينية، وبندا يحرمها من حق الاعتراض على الدول التي سترسل قوات حفظ السلام.
واعتبر الكاتب والمحل السياسي وسام عفيفة -في حديثه للجزيرة نت- أن المسودة الأميركية المقدّمة إلى مجلس الأمن الدولي نقطة تحوّل إستراتيجية في علاقة واشنطن بالملف الفلسطيني الإسرائيلي، نظرا لما تحمله من أهداف مزدوجة، تتمثل في فرض تسوية أمنية متعددة الأطراف في غزة، وفي الوقت ذاته تثبيت النفوذ الأميركي ودعم الحليف الإسرائيلي بشروط أقل من السابقة.
في المقابل، اعتبر المختص في الشؤون الإسرائيلية فراس ياغي -في حديثه للجزيرة نت- أن مشروع القرار الأميركي هو غطاء صريح للوصاية الأميركية على قطاع غزة، فمرجعية قوة الاستقرار الدولي ومجلس السلام ستكون أميركية بحتة، وليست وفقا للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، إذ يظهر دور مجلس الأمن شكليا في صيغة القرار، وذلك عبر تقديم تقارير نصف سنوية له للاطلاع فقط.
وأضاف أن الهدف هو الحصول على منجزات سياسية وأمنية بعد العدوان الذي شنته إسرائيل على غزة والمنطقة بدعم أميركي غربي، ورأس حربتها المصالح الأمنية الإسرائيلية في المنطقة، إضافة الى المصالح الأميركية الإستراتيجية في المنطقة التي تستدعي أن تكون هناك علاقات طبيعية بين إسرائيل والدول العربية، بحيث يتم إغلاق المنطقة في وجه الصين وروسيا ومحاصرة إيران، ضمن مفهوم الإستراتيجية الأميركية في المنطقة ومصالحها وضمن متطلبات الأمن الإسرائيلي.
وأكد المختص ياغي أن مسودة القرار الأميركي تكشف عن إعادة هندسة شاملة لمعادلة غزة، حيث تُستبدل السيطرة الإسرائيلية المباشرة بـ"سيادة أمنية متعددة الأطراف" تديرها واشنطن وتراقبها تل أبيب.
ويكون ذلك ضمن إستراتيجية "استقرار مقابل أمن"، تمنح إسرائيل أقصى درجات الطمأنينة الأمنية من دون أن تتحمل كلفة الاحتلال، في حين تحصل الولايات المتحدة على رافعة سياسية جديدة في الشرق الأوسط، تُعيد صياغة التوازن بين النفوذ والمساءلة، وتجعل من غزة نموذجا لتطبيق الأمن أولا، والدولة لاحقا وفق الرضا الأميركي الإسرائيلي وتفضيله على نموذج الإصلاحات في السلطة الفلسطينية غير المرتبطة بجدول زمني أو تفاصيل واضحة المعالم.
وتؤسس مسودة القرار لمفهوم جديد في إدارة الصراع، إذ تربط بين الانسحاب التدريجي للجيش الإسرائيلي وتحقيق "المعايير الأمنية المتفق عليها"، وعلى رأسها النزع الكامل للسلاح.
وبدلا من تحديد جدول زمني للانسحاب، كما جرى في خطط سابقة، يحدد المشروع مراحل الانسحاب استنادا إلى "تقدّم قوة الاستقرار في تنفيذ مهامها الأمنية"، مما يمنح إسرائيل حقّ الفيتو الميداني على أي انسحاب نهائي.
وفي هذا السياق، نقلت صحيفة هآرتس عن مسؤول أمني إسرائيلي قوله: "لن ننسحب من غزة قبل أن نتأكد أن لا بندقية واحدة يمكن أن تُوجَّه مجددا نحو إسرائيل".
كما تشير المسودة إلى بقاء "قوات إسرائيلية محدودة الوجود" على محيط القطاع لمراقبة الحدود والممرات، في تكرار لنموذج "الحزام الأمني" الذي استخدمه الجيش في جنوب لبنان ما بين 1985 وحتى عام 2000، تاريخ الانسحاب.
ورغم ما تسمح به الصياغة لتحويل الانسحاب إلى أداة ضغط تفاوضية تتيح لإسرائيل إدارة وتيرة العملية السياسية بما يخدم متطلباتها الأمنية، فإن المنظومة الأمنية الإسرائيلية تشكك في وضوح العلاقة الأمنية بين المكتوب والمنفذ على الأرض.
ونقلت صحيفة هآرتس عن مسؤولين كبار في المؤسسة الأمنية أن هناك غموضا متزايدا بشأن الخطط الأميركية المستقبلية في غزة، التي يبدو أنها حظيت بموافقة الحكومة في محادثات سرية من دون مشاركة المستوى الأمني.
ويضيف المسؤولون أن قادة المؤسسة يلتزمون الصمت خوفا من أن يصبحوا أهدافا للسياسيين، ووفقا لأحدهم، لم يُطلب من المسؤولين الأمنيين على أي حال التعبير عن موقفهم من تداعيات التحركات الواسعة النطاق التي تخطط لها واشنطن في غزة.
وأضاف "لقد فقدنا القدرة على التأثير وإسماع صوتنا. تجري تحركات إستراتيجية في غزة أمام أعيننا، ولها تداعيات على مستقبل إسرائيل، دون أن يكون لنا أي تأثير على هذه العملية".
وتُنشئ المسودة ما يسمى "مجلس السلام"، ليكون الهيئة السياسية المدنية المسؤولة عن تنسيق الأنشطة الإدارية والإنسانية في غزة، وتحت إشرافه تعمل قوة الاستقرار الدولية.
ويتضح من النص أن "مجلس السلام" سيكون واجهة سياسية لشرعنة الدور الأميركي أكثر من كونه هيئة رقابية مستقلة، إذ تُربط تقاريره مباشرة بالتمويل الأميركي وتوصيات وزارة الخارجية، لا بقرارات الأمم المتحدة.
وتضع المسودة الولايات المتحدة في موقع "الضامن الأول"، وتمنح الدول العربية المشاركة دورا تنسيقيا في إعادة الإعمار والدعم الأمني.
ويتوقع أن تضم قائمة الدول الضامنة مصر والأردن والإمارات والمغرب والسعودية، في حين تبقى تركيا موضع خلاف، إذ تعارض إسرائيل أي مشاركة تركية مباشرة في القوة الدولية.
وحسب ما نشره براك بن رافيد في القناة الـ12، فقد ضغطت إسرائيل لإقصاء أنقرة من القوة الأمنية، بينما اقترحت واشنطن "مشاركة محدودة في المجال الإنساني" لتركيا في مجالات الإعمار والإغاثة فقط.
ويشير رفض وجود تركيا أو تحفظ الإمارات والسعودية إلى أن قائمة الدول الضامنة والمشاركة لم تُحسم بعد، ويُثبّت هذا حالة "تقاسم النفوذ" الجديدة، إذ تصر إسرائيل على دور مصري في الحدود، بينما تسعى الولايات المتحدة للوصاية الأمنية، أما الدول العربية فتبحث عن مطالب سياسية، خصوصا بما يرتبط بفلسطين وحق الدولة.
كما تُعدّ القوة الدولية جوهر الخطة الأميركية، إذ تمثل الأداة التنفيذية لضمان الأمن الميداني بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي .
وتتكون القوة -وفق ما ورد في موقع بلومبيرغ- من نحو 12 ألفا إلى 15 ألف عنصر من دول غربية وعربية "مختارة"، وتعمل تحت قيادة أميركية موحدة.
ويمنح القرار القوة تفويضا "باستخدام جميع الوسائل اللازمة" لضمان نزع السلاح ومنع عودة التهديدات، مما يعني -حسب صحيفة هآرتس- أن القوة "تملك صلاحية تنفيذ عمليات قتالية محدودة داخل غزة إذا تطلب الأمر".
لكن النص لا يوضح الآلية القانونية للمساءلة إن أخفقت هذه القوة في تحقيق أهدافها، ويشير ضمنيا إلى أن إسرائيل لها "الحق في استئناف العمليات العسكرية بالتنسيق مع الولايات المتحدة إذا عاد الإرهاب".
وقد أكد هذا التوجه ما نشرته هيئة البث الإسرائيلية من أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يستعد لنزع سلاح حركة حماس بالتزامن مع استئناف القتال، في حال فشل خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخصوص القوة الدولية التي تسعى الإدارة الأميركية إلى تشكيلها.
واعتبر الكاتب عفيفة أن تفاصيل الخطة الأميركية لقوة الاستقرار الدولية في غزة مبهمة، لكن مشروع المسودة يمنحها صلاحيات تشمل استخدام "كافة التدابير اللازمة" لتحقيق تفكيك البنى العسكرية وإعادة بناء الشرطة الفلسطينية.
وإذا فشلت هذه القوة في المهمة، فالمسودة تفتح الباب لإسرائيل لاستئناف العمليات ذاتيا، مع ما يترتب من تداعيات دولية بما في ذلك احتمال صدام مع الشرعية الدولية .
في المقابل، وزّعت روسيا مشروع قرارها الخاص على أعضاء مجلس الأمن الدولي الخميس، وذلك في إطار مساعيها بالتنسيق مع الصين للتعامل مع ملف وقف الحرب في قطاع غزة.
ويُعد هذا الإجراء عقبة كبيرة أمام مشروع القرار الذي تسعى الولايات المتحدة لسرعة إقراره، وقد يؤدي إلى تأخير التصويت عليه أو حتى عرقلة تنفيذ ما تُعرف بـ" خطة ترامب لإنهاء الحرب في غزة ".
وحسب القناة الـ12، فإن مفاوضات جرت خلال الأيام الأخيرة بين واشنطن وموسكو حول نص القرار الأميركي، غير أن روسيا قرّرت مساء الخميس منع التصويت المقترح يوم الجمعة.
ويُشير تحليل براك رافيد في القناة الـ12 حول مشروع القرار الروسي إلى أنه لا يتطرّق مطلقا إلى نزع سلاح القطاع أو نزع سلاح حركة حماس، مما يميّزه عن المشروع الأميركي الذي ركّز على نشر قوة دولية وإنشاء "مجلس سلام" يشرف على حكومة تكنوقراطية فلسطينية في غزة.
وعلى العكس، يُحوّل مشروع موسكو مسؤولية الدفع نحو نشر قوة دولية إلى الأمين العام للأمم المتحدة، ويرفض انسحابا إسرائيليا محددا من غزة أو تحديد خطّ أصفر يفصل بين مناطق تحت سيطرة إسرائيل وأخرى تحت سيطرة حماس ، كما يرفض فكرة "المنطقة العازلة" عند الحدود بين إسرائيل وغزة.
ويشترط كذلك في نصّه أن "يرفض مجلس الأمن أي محاولة للتغيير الديمغرافي أو الإقليمي في قطاع غزة، بما في ذلك أي عمل من شأنه تقليص مساحة القطاع".
كما يتوسّع المشروع الروسي في البعد السياسي، إذ يؤكد بوضوح حل الدولتين، ويشدد على أن قطاع غزة يجب أن يكون تحت مسؤولية السلطة الفلسطينية، مؤكدا "وحدة وسلامة أراضي قطاع غزة والضفة الغربية تحت سلطة السلطة الفلسطينية".
في المقابل، أعلنت الولايات المتحدة مع قطر ومصر والإمارات والسعودية وإندونيسيا وباكستان والأردن وتركيا -في بيان مشترك مساء الجمعة- دعمها لمشروع القرار الأميركي "الذي صاغته واشنطن بعد مشاورات وتعاون مع أعضاء المجلس وشركائها في المنطقة".
وأكد البيان تبنّي "الخطة التاريخية الشاملة لإنهاء الصراع في غزة"، التي أُعلِن عنها يوم 29 سبتمبر/أيلول واعتمدت في قمة السلام بشرم الشيخ.
ووصف دبلوماسيون غربيون هذا الإعلان بأنه خطوة مدروسة من جانب واشنطن للحفاظ على دعم مشروعها.
ولتمرير القرار الأميركي تحتاج واشنطن إلى 9 أعضاء في المجلس، وهو ما يبدو مهمة ليست سهلة أمام معارضة روسيا والصين، ودخلت باكستان، العضو غير الدائم في المجلس، في دعم المشروع الأميركي، بينما لا تزال الجزائر متردّدة، وهو ما يجعلها مفتاح نجاح القرار.
وقال 4 دبلوماسيين -تحدثوا لصحيفة نيويورك تايمز الجمعة- إن هناك حاليا عدة خلافات رئيسية حول القرارات المدرجة على جدول أعمال مجلس الأمن "فالصين ترغب في إزالة الخطة الأميركية بكاملها من القرار".
من جهتها، تطالب روسيا والجزائر وفرنسا بوضوح بتضمين صياغة لدعم الدولة الفلسطينية ، كما تسعى عدد من الدول إلى توضيح دور الهيئة الحاكمة "مجلس السلام" ودور السلطة الفلسطينية في "الإدارة الانتقالية" في غزة.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة