رام الله- من بين ما ينص عليه مشروع القرار بشأن قطاع غزة -والذي وزعته الولايات المتحدة أمس الخميس على أعضاء مجلس الأمن الدولي- الدعوة لتشكيل قوة دولية مؤقتة للاستقرار تعمل بالتنسيق مع مصر وإسرائيل .
وبينما يكشف مصدر فلسطيني للجزيرة نت عن مشاركة فلسطينية في مناقشة مشروع القرار قبل توزيعه، يشير إلى محددات فلسطينية عامة كي تكون القوة الدولية مقبولة فلسطينيا، بينما يتحدث محللان سياسيان عن محاذير ترافق تشكيل هذه القوة التي قد تتحول من مؤقتة إلى دائمة.
وكانت فصائل فلسطينية -تتقدمها حركتا التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) والمقاومة الإسلامية (حماس)- أكدت عقب اجتماع بالقاهرة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أهمية استصدار قرار أممي بشأن القوات الأممية المؤقتة المزمع تشكيلها لمراقبة وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بعد حرب إبادة استمرت عامين.
يقول عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ، واصل أبو يوسف -للجزيرة نت- إن الموقف الرسمي الفلسطيني من مشروع القرار ينطلق من عدة محددات:
أولا: وجوب أن تكون القوة الدولية عربية تحمي أبناء شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة من تغول الاحتلال على الحدود، وتراقب إلزام الاحتلال بوقف هذه الحرب العدوانية والإجرامية.
ثانيا: أن من يحكم غزة هم الفلسطينيون وليس أي أحد آخر، وبالتالي تحدثنا بشكل واضح عن لجنة إدارية لا بد أن تتبع منظمة التحرير الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وذراعها في الأراضي المحتلة السلطة الوطنية وحكومتها، بأن يكون أحد الوزراء مسؤولا عن هذه اللجنة التي تتولى الجانب الإغاثي والإعمار وحفظ الأمن.
ثالثا: رفض أي محاولة لفرض أي شكل من أشكال فرض الوصاية أو غيرها، لأن الحديث يجب أن يكون عن وحدة الأراضي الفلسطينية: الضفة بما فيه القدس وغزة، كوحدة واحدة ديمغرافيا وجغرافيا وسياسيا، وهي أراضي دولة فلسطين الواقعة تحت الاحتلال وتخضع لمسؤولية المنظمة الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني.
وكشف أبو يوسف عن نقاش جرى بين بعثة فلسطين في الأمم المتحدة والولايات المتحدة حول مشروع القرار قبل توزيعه، دون إعطاء مزيد من التفاصيل.
من جهته ينوه المحلل السياسي سليمان بشارات إلى وصف القوة الدولية بـ"المؤقتة" موضحا أن واقع الحال في كثير من التجارب كان تمديد القوات الدواية وفقا لاعتبارات سياسية للدول المسيطرة والمهيمنة، ومن هنا يستبعد أن تقتصر مدة القوة الدولية في غزة على عامين، ويرجح أن تسعى واشنطن وإسرائيل إلى الإبقاء عليها مدة أطول، بعيدا عن حل جذري للقضية الفلسطينية.
وفيما إذا كانت القوة الدولية تلبي دعوات المستوى السياسي المتكررة لتشكيل قوة لحماية الشعب الفلسطيني، قال إن وصف "قوة حماية" يكون مقبولا عندما يشمل عملها كل الأرض الفلسطينية وليس جزءا منها.
وقال إن أحد المخاوف الأساسية أن يتم التعاطي مع قطاع غزة بواقع مختلف عن الواقع في الضفة الغربية ، وبالتالي تكريس حالة الانقسام الفلسطيني في الجغرافيا والسياسة والإدارة وحتى المجتمع، وأن يتم التعامل مع كل جزئية من الجزئيات الفلسطينية بمعزل عن الأخرى وبمعايير تخدم المنظور الإسرائيلي.
ويشير بشارات إلى إشكالية أخرى كون مرجعية هذه القوة -وفق مشروع القرار- مجلس السلم الذي سيشكل لإدارة قطاع غزة، لأن من يهمين عليه حتى اللحظة الولايات المتحدة مع دور إشرافي ومرجعي لإسرائيل بالإضافة إلى مصر فقط، واستثناء الدول الأخرى "وهذا ربما يدفع إسرائيل للتلاعب أكثر فأكثر فيما يتعلق بمهام هذه القوة".
واستنادا إلى ما هو معلن، يقول بشارات إن صلاحيات القوة الدولية قد تمتد إلى مسألة تجريد المقاومة من سلاحها، وتساءل: هل نصل مرحلة الاحتكاك بين القوة الدولية والفلسطينيين أم سيقتصر دورها على الرقابة بما يضمن تنفيذ الاتفاق وعدم إحداث أي خروقات؟
ومع ذلك، يشير إلى جانب إيجابي في مشروع القرار كونه سيحول اتفاق وقف الحرب من اتفاق (بين الولايات المتحدة وإسرائيل والفلسطينيين وحتى بعض الدول الإقليمية) إلى قرار يصدر من مجلس الأمن مما يعطيه غطاء ومرجعية دولية.
وبالتالي -يضيف بشارات- فإن القضية الفلسطينية تعود إلى الساحة الدولية وهذا ما تخشاه إسرائيل التي طالما عملت على تجريدها من البعد الدولي، وتعاملت معها وكأنها شأن إسرائيلي خاص بما يحقق أهدافها السياسية والأمنية.
بدوره يرجح المحلل السياسي حسن أيوب أن يعاني مشروع القرار من ثغرات في التفاصيل وخاصة الدور الرسمي الفلسطيني، رغم أن السلطة الفلسطينية قبلت خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب دون تحفظات أو تعديلات.
وأوضح أن الفصائل الفلسطينية في اجتماع القاهرة اتفقت على أن القوة الدولية يجب أن تكون قوة استقرار وتتبع السلطة الفلسطينية، كما وافقت حماس على أن يكون وزير فلسطيني مسؤولا عن اللجنة الإدارية التي ستدير القطاع، لكنه تساءل عن العلاقة بين الهياكل المستحدثة ومرجعية القوة الدولية في مشروع القرار المعروض وهل هي اللجنة الإدارية أم مجلس السلم الذي سيرأسه ترامب؟
كما تساءل أيوب فيما إن كان مشروع القرار سيتضمن صيغة سياسية تؤكد على الأقل على ما ورد في خطة ترامب، وإن كان بصيغة غامضة، والمتعلق بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير ، مؤكدا أن الأمر يتطلب فلسطينيا وحدة الموقف ووقفة جدية من الأطراف العربية والإسلامية التي اتفقت مع ترامب قبل إعلان خطته.
وأشار إلى غموض فيما يتعلق بسلاح المقاومة في مشروع القرار، موضحا أن خطة ترامب لا تتحدث عن نزع السلاح إنما تفكيك البنية التحتية العسكرية والأسلحة الهجومية.
وشدد على أنه من المهم جدا أن يكون هناك قرار أممي بشأن غزة حتى لا تبقى المسألة بيد الولايات المتحدة وإسرائيل، وإن كان القرار سيفا ذا حدين كونه يفرض على الفلسطيني إصلاحات غاية في الخطوة لأنها ستتم وفق إرادة إسرائيل وأميركا.
وحتى تقول القوة الدولية مقبولة فلسطينيا، يقول أيوب إنها يجب:
أولا: أن تكون مقبولة إقليميا، لأن القوى التي ستشارك فيها من المحيط العربي والإقليمي وربما تركيا -رغم معارضة إسرائيل- ما زالت تتحفظ على إعلان قبولها المشاركة وتريد تفويضا واضحا يمنحها شرعية حتى لا تجد نفسها في مواجهة مع الشعب الفلسطيني وقوى المقاومة بقطاع غزة.
ثانيا: أن تكون كما أعلنت مختلف الأطراف الفلسطينية: قوة حفظ سلاح وقوة فصل بين إسرائيل والشعب الفلسطيني وأن تشرف على دخول المساعدات وتراقب التزام إسرائيل بوقف إطلاق النار ومن ثم تمديد وقف إطلاق النار بضمان الاستجابات المنصوص عليها بخطة ترامب، ورفض تحولها من قوة استقرار إلى قوة تسعى لفرض ترتيبات سياسية وجيوسياسية أو تحويل غزة إلى مجرد ساحة للتطوير العقاري.
ثالثا: وجوب أن يكون للقوة سقف زمني وجداول زمنية مرتبطة بإعادة الإعمار والإغاثة، وربط قطاع غزة بالضفة بالمعنى السياسي، وحينها تنتهي مهمتها.
وفيما إذا كانت القوة ستتحول إلى دائمة، قال أيوب إن إسرائيل -أغلب الظن- تريدها دائمة وأن يشبه تفويضها تفويض قوات اليونيفيل في جنوب لبنان ، أي أن حالة الصراع وإمكانية استئناف الحرب والقصف ستخلّد على الأقل في المدى المتوسط إن لم يكن على البعيد، وهذا ما يجب أن يرفضه الفلسطينيون.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة