في تعليقه على سبل مواجهة إجراءات الاحتلال الإسرائيلي في تهويد قطاع التعليم واستقطاب طلبة مدارس وكالة الأونروا في القدس بعد حظرها وصدور قرار بإغلاقها، قال رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي إن القدس بحاجة إلى قيادة توحد موقف المقدسيين.
وأضاف أن كل ما تقوم به بلدية… pic.twitter.com/199d6SxGqc
— الجزيرة نت | قدس (@Aljazeeraquds) December 23, 2024
شنت إسرائيل حربها المعروفة بـ"حرب الأيام الستة" في 5 يونيو/حزيران 1967م، وفي اليوم الثالث من بدء العمليات العسكرية تمكنت إسرائيل من استكمال احتلال القدس -كانت قد احتلت 84% منها إبان معارك النكبة- وشرعت مساء اليوم السادس من تلك الحرب في هدم حارة المغاربة ومسحها كاملا، لتجهيز المكان لاحتفالات دينية يهودية قد تمت في اليوم التاسع، الثلاثاء 13 يونيو/حزيران.
لم ينته يونيو/حزيران من عام 1967 حتى أعلن الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) ضم القدس الشرقية إلى إسرائيل، أي إخضاعها للقوانين الإسرائيلية على المستويات كافة، الأماكن الدينية والمدارس والمؤسسات الثقافية والصحية، وغيرها. وتعامل الاحتلال مع القدس الشرقية باعتبارها مدينة "محررة" منح نفسه حرية العبث في شؤونها كافة، وليست "مدينة محتلة" يحتفظ سكانها بهويتهم وحقوقهم المدنية.
هكذا ساد الرعب والقلق أوساط المجتمع المقدسي الذي استذكر مذابح النكبة، خاصة دير ياسين المجاورة. ولكن انبرى عدد من قادة المجتمع الشجعان الذين قرروا مواجهة الاحتلال، فوقع صراع حقيقي بين الاحتلال والمجتمع المدني المقدسي، تجلى في إنشاء الهيئة الإسلامية برئاسة المرحوم عبد الحميد السائح التي تصدت لهجمة وزارة الأديان الإسرائيلية، وقامت الهيئة بحماية الأماكن المقدسة واستمرار إدارتها.
ففي مجال التعليم والمدارس، ووفقا لقرار الاحتلال توحيد مدينة القدس وجعلها عاصمة له، فإن المنظومة التعليمية في دولة الاحتلال أخذت تتجه نحو انتزاع الهوية العربية والإسلامية للتعليم في القدس الشرقية، من أجل إلحاقها بمنظومة الاحتلال التعليمية، بأسرلتها وتهويدها.
في تلك الأثناء، كان معلمو القدس يراقبون كل ما يجري على الأرض من أحداث، وذلك بقيادة التربوي المقدسي العريق المرحوم حسني الأشهب ، إذ جمع حوله نخبة من المعلمين الأوفياء الذين استجابوا لنداء الوطن؛ فكانوا الدرع الحصينة في حماية الوعي والانتماء وتثبيت الهوية لأجيال القدس.
كما أن المجتمع المقدسي كان سندا قويا لتلك القيادة التربوية الوطنية، فعندما وضعت سلطة الاحتلال يدها على مدرسة الرشيدية الثانوية (حكومية) كانت تضم 39 معلما و12 طالبا فقط، علما بأنها كانت تضم نحو 780 طالبا قبل الحرب.
وهكذا احتدم الصراع مع الاحتلال بأن رفض المجتمع المدني المقدسي الخضوع لإملاءات الاحتلال بفرض منهاجه على مدارس القدس، ويوجز التربوي المقدسي المرحوم طاهر النمري مراحل الصراع بالآتي:
بمرور الزمن، وبالإصرار ومضاعفة الجهود، وباستصدار تراخيص لمدارس أخرى؛ أصبح الآن في القدس 51 مدرسة أوقاف كان يطلق عليها مدارس حسني الأشهب، تشكل مديرية تربية القدس، وتدار مباشرة من قبل وزارة التربية والتعليم الفلسطينية ومديرية أوقاف القدس، إضافة إلى 76 مدرسة خاصة وأهلية.
هكذا، نجد أنفسنا أمام قيادة تربوية تاريخية أنقذت الأجيال المقدسية التالية من ضياع محقق، إذ إن المنهاج الإسرائيلي الذي كانت دولة الاحتلال تسعى إلى فرضه بالقوة، يقطع مقومات انتمائهم إلى هويتهم الوطنية، وإلى أمتهم، وتراثهم الوطني، ويُخضعهم إلى "غسل دماغ" ينكر عروبة مدينتهم المقدسة، ويتنكر للانتماء إلى أمتهم كأمة عربية عريقة، ولا يسعى إلى وحدتها وعزتها، في حين أن المنهاج الأردني يغرس في الطالب صدق الانتماء إلى وطنه وأمته، وإلى الإنسانية بوجهها العادل، ويقوم على تربية المتعلم تربية سليمة قويمة، ملؤها حب الوطن والانتماء له والدفاع عنه.
وبعد مجيء السلطة الوطنية الفلسطينية حلّ المنهاج الفلسطيني محل المنهاج الأردني، وذلك رفع وتيرة الصراع مع الاحتلال الذي طور أساليبه من أجل اختراق العملية التعليمية لمصلحة مخططاته التي بدأها عام 1967 وفق الوصف أعلاه.
من جانب آخر، لا بد لنا من التوقف عند المجتمع المدني المقدسي الذي استمر قائما على التعليم في القدس، بعيدا عن الاحتلال وأمواله، من خلال مؤسسات تربوية غير ربحية، إسلامية ومسيحية، مثل كلية الأمة، ومدارس رياض الأقصى الإسلامية، ومدارس الإيمان، ومدارس الأوقاف المذكورة أعلاه، ومؤسسة فيصل الحسيني (2002)، وأعداد كبيرة من رياض الأطفال والمدارس الأساسية التي تديرها جمعيات خيرية وأطر نسوية، ومؤسسة "النيزك" المشهورة التي ترعى الطلبة المبدعين في المجالات العلمية والتكنولوجية. وهناك عدد كبير من المؤسسات التعليمية التي تتبع الكنائس في القدس، يضاف إلى ذلك مدارس تعلم الطلبة مقابل أقساط كالكلية الإبراهيمية بالقدس وغيرها.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة