آخر الأخبار

عصام يوسف للجزيرة نت: 90% من غزة دُمرت لكن الأمل ما زال أقوى من الركام

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

في ظل واحدة من أطول وأعنف الحروب التي مر بها قطاع غزة (2023–2025)، يعيش العمل الإغاثي والإنساني تحديات غير مسبوقة تمسّ جوهر وجوده، لا سيما في ظل تزايد حجم الدمار واتساع رقعة النزوح وغياب المقومات الأساسية للحياة، حيث باتت الجهود الإغاثية تمثل خط الدفاع الأخير عن بقاء السكان وصمودهم.

وبلغة الأرقام، وخلال عامين من حرب الإبادة، فإن قرابة 90% من الأبنية السكنية دُمرت كليا أو جزئيا، والتي أدت إلى تكدس 55 مليون طن من الركام وحطام المنازل والمنشآت، في حين تقدر كلفة الإعمار بين 70 مليارا و90 مليار دولار، وذلك وفق بيانات الأمم المتحدة .

اقرأ أيضا

list of 2 items
* list 1 of 2 قطر الخيرية تنشئ محطة لتحلية المياه في جيبوتي
* list 2 of 2 الهجرة الدولية: نزوح 1730 شخصا من منطقتين بالسودان end of list

وسط هذا الركام الإنساني والسياسي، تبرز جهود الهيئة الشعبية العالمية لدعم غزة كجسرٍ يربط بين معاناة المحاصرين وضمير العالم.

عن نشأة هذه الهيئة، ودورها، وحقيقة العمل الإغاثي في غزة اليوم، حاورت الجزيرة نت رئيس الهيئة الشعبية العالمية لدعم غزة الدكتور عصام يوسف، فكان الحوار كالتالي.


*

بداية، عرّفنا بالهيئة الشعبية العالمية لدعم غزة، ما دوافع تأسيسها؟ وفي أي سياق سياسي وإنساني نشأت؟

هي مبادرة دولية شعبية إنسانية، تسعى لأن تكون صوتا للمحاصرين في غزة وجسرا بين معاناتهم وضمير العالم عبر أدوات الحشد والإعلام والعمل الإغاثي.

تأسست استجابة للظروف الإنسانية والمعيشية الصعبة في قطاع غزة، خاصة مع استمرار الحصار الإسرائيلي منذ عام 2007 والحروب المتكررة.

تضم ناشطين ومتطوعين وشخصيات عامة من دول عدة، مهمتهم تحريك الرأي العام، وحثّ المؤسسات الخيرية والإغاثية على أداء دورها بما يتوافق مع احتياجات الشعب الفلسطيني، وتسعى إلى كسر الحصار المفروض عليه، وفضح الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية في المحافل الدولية.

تعمل الهيئة على توضيح واقع غزة للعالم وتشجيع المؤسسات على التدخل الإنساني الفاعل.

إعلان

أما سياسيا، فقد نشأت في ظل ضعف المواقف الرسمية العربية والدولية، والحاجة إلى حراك شعبي دولي منظم يعمل بالتوازي مع المؤسسات الحقوقية والإعلامية والإنسانية.


*

ما الرؤية التي تحملونها تجاه دعم غزة؟ وكيف تختلف عن المؤسسات الإغاثية التقليدية؟

رؤيتنا تنبع من فهم شامل لطبيعة المعاناة، وتعتمد الدمج بين العمل الإنساني والسياسي والإعلامي، ونحن لا نقدّم المساعدات المادية مباشرة، بل نعمل على تفكيك أسباب المعاناة نفسها: الحصار، والعدوان، والاحتلال.

مهمتنا أن نسوّق واقع غزة في الفعاليات الدولية ونحشد الدعم عبر القنوات الشعبية والحقوقية والإعلامية، لتبقى غزة حاضرة في الضمير العالمي.

وقد شكّلت مبادرة "أميال من الابتسامات" إحدى أذرعنا التنفيذية في القطاع، وامتدت لتشمل العديد من الحملات الإنسانية.


*

كيف تطوّر عمل الهيئة منذ تأسيسها وحتى اليوم؟

انطلقت كحراك شعبي محدود، ثم أصبحت منصة دولية مؤثرة في العمل الإنساني والإعلامي الفلسطيني.

في البداية، ركزت على تنظيم القوافل الإغاثية والتضامنية مثل "تحيا فلسطين " و"أميال من الابتسامات"، ثم توسّع الدور بين عامي 2010 و2020 ليشمل تنظيم مؤتمرات وورش وملتقيات في عواصم عربية وغربية للتعريف بمعاناة غزة.

أسّسنا شبكة علاقات مع مؤسسات حقوقية وإعلامية دولية، وساهمنا في رفع دعاوى ضد الاحتلال في المحاكم الدولية، مما نقل القضية من الشارع العربي إلى ساحات القانون الدولي والرأي العام العالمي.


*

ما أبرز المبادرات والمشاريع التي قدّمتها الهيئة لأهالي غزة خلال السنوات الماضية؟

قدّمنا سلسلة من المبادرات التي تنوعت بين الإغاثة العاجلة، والتمكين الاقتصادي، والدعم النفسي، والإعلام والمناصرة، والتضامن الدولي، كما كنا الداعم والمسوّق الرئيس لقوافل "أميال من الابتسامات" التي نقلت آلاف الأطنان من المواد الغذائية والطبية والتعليمية إلى غزة.

وكذلك دعمنا مشاريع الغذاء، وتمويل مطابخ خيرية لإعداد وجبات ساخنة للنازحين خلال الحروب، كما موّلنا توفير الأدوية والمستهلكات الطبية للمستشفيات المنهكة.

وشملت الجهود أيضا كفالة مئات الأيتام والأسر المتضررة، ودعم مشاريع تمكين المرأة والشباب، وتنظيم حملات إعلامية دولية لفضح جرائم الاحتلال.


*

كيف كانت استجابة الشعوب العربية والإسلامية لتلك القوافل؟ وهل واجهتم عقبات لوجيستية أو سياسية؟

الاستجابة كانت إنسانية جارفة، رأينا الشوارع تمتلئ بمتطوعين يحمّلون الشاحنات وينادون بفتح المعابر، مما يعكس حجم التفاعل الشعبي والإنساني مع معاناة الفلسطينيين في القطاع، خاصة في ظل الحرب والحصار.

لكن العقبات كانت هائلة، أبرزها الإغلاق التام للمعابر ومنع إدخال المساعدات لفترات طويلة، فبعض القوافل ظلت عالقة لأسابيع على الحدود، وأحيانا تلف المواد الغذائية قبل أن تصل. ومع ذلك، لم تنكسر إرادة المتطوعين، بل زادت القناعة بضرورة الاستمرار رغم الحصار.


*

كيف تابعتم اندلاع حرب الإبادة الأخيرة؟ وهل كنتم مستعدين للتدخل الإغاثي؟

منذ اللحظة الأولى، رصدنا الواقع المأساوي عبر شبكاتنا داخل غزة. الحاجة كانت شاملة: من شربة ماء إلى غرفة طوارئ.

إعلان

بدأنا فورًا بحشد المؤسسات الخيرية لتنظيم حملات عاجلة لتوفير الغذاء والمياه والأدوية، ودعم المستشفيات، وتأمين الخيام والبطانيات للنازحين، كما نسقنا مع مؤسسات عربية وإسلامية لإيصال المساعدات عبر معبر رفح أو أي منفذ متاح، رغم القصف المستمر وصعوبة الحركة.


*

ما التحديات التي واجهتموها خلال حرب (2023-2025) مقارنة بالحروب السابقة؟

واجهتنا خلال حرب 2023–2025 تحديات غير مسبوقة قلبت موازين العمل الإنساني رأسا على عقب، فالبنية التحتية انهارت بالكامل، وتحوّلت المستشفيات والمستودعات وفرق الإغاثة إلى أهداف مباشرة للقصف، في مشهد لم تعرفه غزة من قبل.

كذلك أُغلقت المعابر لأشهر طويلة، واحتُجزت القوافل الإغاثية عند الحدود، بينما تضاعفت أعداد الشهداء والنازحين إلى مستويات لم تشهدها أي حرب سابقة.

لقد كانت حربًا لم تكتفِ بتدمير الإنسان والمكان، بل استهدفت روح العمل الإنساني ذاته.


*

كتبتم عدة مقالات مؤثرة في الجزيرة نت ما الرسائل التي أردتم إيصالها؟

كانت رسالتنا واضحة: فضح جرائم الاحتلال، والتذكير بأن شهداء غزة ليسوا أرقاما بل وجوه وأسماء وأحلام، ونقلنا للعالم تفاصيل الحياة اليومية في ظل الإبادة، وحشدنا الدعم العربي والدولي عبر الكلمة والصورة والصوت.

كانت رسالتنا في مقالاتنا عن مأساة غزة واضحة لا لبس فيها، تنطلق من وجع الأرض وكرامة الإنسان، حيث سعينا إلى فضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي التي تحوّلت إلى حرب إبادة ممنهجة، وإلى التذكير الدائم بأن الفلسطينيين لا يطلبون سوى حقهم الطبيعي في الحياة، وأن الشهداء والضحايا ليسوا أرقاما في نشرات الأخبار، بل وجوه وقصص حياة وأمل.

كتبنا عن الواقع المعيشي المنهار في القطاع، وعن الحاجة الملحّة إلى الدعم والإغاثة، في حرب طالت كل تفاصيل الحياة حتى باتت النجاة نفسها فعل معجزة لا يتحقق إلا بتدخل إنساني عاجل، كما سعينا إلى حشد الموقف العربي والإسلامي والدولي من جديد ليقف إلى جانب غزة لا بالبيانات، بل بالفعل والتضامن الحقيقي.

وأقول إن الكتابة بالنسبة لنا ليست مرافعة سياسية، بل شهادة إنسانية في وجه النسيان.


*

هل شعرت أن هذه المقالات أثّرت في الرأي العام؟

نعم، فإلى جانب العمل الميداني واللقاءات وورش العمل كان هناك صدى ملموس، فالدفاع عن شعب فلسطين ولا سيما الغزيين هو عمل متكامل لا يمكن النظر له من زاوية واحدة.

لقد رأينا أثر هذا العمل المتكامل في الحراك الشعبي، في المظاهرات، في مواقف البرلمانات الأوروبية.

الرسالة الإعلامية والمقالة الصحفية جزء من منظومة المقاومة الإعلامية، التي تعمل جنبًا إلى جنب مع الفعل الإغاثي والميداني لتغيير صورة الفلسطيني في الوعي العالمي من ضحية صامتة إلى إنسان يقاوم بالحياة.


*

كيف تُقيّم أداء الإعلام العربي والدولي خلال حرب الإبادة؟

الإعلام العربي انقسم بين من ناصَر الحقيقة ودفع الثمن بدماء مراسليه مثل الصحفي أنس الشريف و محمد قريقع وحسن اصليح وغيرهم المئات، وبين من خانها وسار في ركاب الرواية الإسرائيلية.

أما الإعلام الدولي، فقد بدأ متواطئا، فمنهم من انحاز للرواية الإسرائيلية، وتجاهل المجازر الجماعية ودمار المستشفيات ومجازر الأطفال، أو غطّاها بلغة تبريرية، واستخدم مصطلحات مضلّلة مثل "أعمال عنف" أو "نزاع" بدلا من "إبادة" و"احتلال" و"تجويع ممنهج"، ورغم ذلك اضطر جزء كبير من الإعلام الغربي تحت ضغط الصور والحقائق، إلى كشف المجازر وفضح زيف الرواية الإسرائيلية الكاذبة.

حتى إن بعض المؤسسات الغربية أعادت النظر في خطابها بعد أن أدركت أن الحياد أمام الإبادة جريمة.


*

كيف أثّرت هذه التجارب عليكم إنسانيا؟ وهل تشعرون بالعجز أحيانا؟

هذه التجارب تترك أثرًا نفسيا وإنسانيا عميقا فينا جميعا، فرؤية الوجوه المتألمة، والأطفال المذعورين، والأمهات الثكالى، والبيوت التي تُقصف، كل مشهد منها يترك ندبة في الذاكرة، خاصة أنني زرت غزة مرات عديدة وعشت فيها أسابيع والتقيت شعبها وزرت أماكنها وشوارع وبيوت أهلها.

إعلان

نعم، نحن نتعب ونشعر بالعجز، لكننا ننهض لأننا نعرف أن العجز الحقيقي هو الصمت.


*

ما رسالتكم لأهالي غزة الذين عاشوا تحت النار والدمار لعامين متواصلين؟

من عاش هذه الحرب من أهلي في قطاع غزة، لا أحد يستطيع أن يتحدث عنهم أو ينقل أي رسالة لهم، سوى أنهم شعب عظيم وكبير ويستحقون الحياة والمستقبل الواعد.

أقول لهم: أنتم لستم الضحايا، أنتم المعجزة، فغزة التي خرجت بعد عامين من الإبادة لتحتفل بنهاية الحرب، وتحرير أسراها، وتفوّق طلابها هي تعريف جديد للحياة نفسها.

أنتم الجواب الإنساني على سؤال الاحتلال: "هل يمكن قتل الأمل؟" والجواب كان: لا.


*

ما خطتكم المستقبلية لإعادة الإعمار والدعم بعد الحرب؟

إعادة إعمار غزة بالنسبة لنا ليست مجرد مشروع هندسي يعيد بناء ما تهدّم، بل هي فعل وفاء ومسؤولية أخلاقية تجاه الإنسان قبل الحجر.

رؤيتنا تنطلق من شمولية الجرح الفلسطيني، فنحن نبدأ بالإغاثة العاجلة عبر تأمين المأوى المؤقت للنازحين، وترميم ما تبقّى من المستشفيات والمراكز الصحية، وضمان تدفق الغذاء والمياه والدواء بشكل مستدام.

يتبع ذلك مرحلة إعادة الإعمار التي نركّز فيها على إعادة بناء المنازل المهدّمة، وترميم المدارس والمساجد والمراكز المجتمعية، إلى جانب دعم مشاريع البنية التحتية التي تضمن عودة الحياة الأساسية من كهرباء ومياه وصرف صحي.

ثم تأتي المرحلة الأعمق، مرحلة التنمية المجتمعية طويلة الأمد، حيث نعمل على تمكين الشباب والنساء بمشاريع صغيرة وتدريب مهني، وإسناد القطاع التعليمي ببيئة آمنة وكوادر مؤهلة، إلى جانب إنشاء صناديق دعم نفسي واجتماعي تساعد الناس على النهوض من تحت الركام واستعادة قدرتهم على الحلم.


*

هل ستنظمون قوافل جديدة بعد فتح المعابر؟

بالتأكيد. القوافل ستكون أول خطوة بعد فتح المعابر، وسنرسل وفودا طبية وهندسية وحقوقية لتقييم الواقع ودعم الجهود الميدانية.


*

ما رسالتكم للمنظمات الدولية والشعوب الحرة؟

الصمت ليس حيادا، بل تواطؤ، والمنظمات الدولية مطالبة بوقف لغة "القلق العميق" والتحرك فعليا لحماية المدنيين.

أما الشعوب الحرة، فنقول لهم: صوتكم لا يُستهان به. المظاهرات، المقاطعة، الضغط، كلها ساهمت في إبقاء غزة حية.

والأكيد أن غزة لا تحتاج شفقة، بل موقفا إنسانيا حقيقيا يليق بكرامتها وصمودها.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا