واشنطن- بعد إتمامه زيارة تاريخية، وإن كانت قصيرة، لإسرائيل ومصر، احتفت دوائر متعددة بما اعتبرته إنجازا غير مسبوق لرئيس أميركي يبشر بـ"عصر ذهبي جديد للشرق الأوسط"، في حين شكك آخرون في مآلات الزيارة التي اعتبروا أن إنجازها الوحيد الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين ووقف القتال.
ويراهن الرئيس دونالد ترامب على إمكانية التحول بسرعة من وقف إطلاق النار في قطاع غزة إلى تحقيق سلام إقليمي أوسع في الشرق الأوسط مع اعتقاده أن عامين من الحرب غيرا المنطقة لدرجة أنه يمكن معها تنحية العداوات التي استمرت عقودا جانبا.
واستطاع ترامب إيجاد إطار يمكن من خلاله للعديد من القوى المختلفة التفكير في أولوياتها المختلفة والعمل معا لتحقيق هدفها المشترك المتمثل في وقف الحرب في قطاع غزة.
فإسرائيل أرهقتها الحرب وأفقدتها تعاطف الرأي العام العالمي والأميركي. والدول العربية لا تريد خروج نطاق الحرب عن السيطرة مع زيادة الغضب الشعبي ضد إسرائيل. والأوروبيون يريدون إنهاء الحرب التي أثارت غضب شعوبهم وسكانهم المسلمين وتبعات ذلك داخليا.
أما داخليا، فقد جاءت زيارة ترامب في وقت يعاني فيه من جمود داخلي ومواجهة مع الديمقراطيين أدت لشلل الحكومة الفدرالية وإغلاق أبوابها للأسبوع الثاني على التوالي، مع زيادة رفض المحاكم الأميركية لإجراءاته المتعلقة بالمهاجرين وبنشر قوات عسكرية في المدن الأميركية.
وجاءت الزيارة، ومن قبلها طرح خطة غزة ، بمثابة مخرج مناسب من حالة جمود وتراجع أميركي تجاه أكثر ملفات السياسة الخارجية أهمية لإدارة ترامب، وهي الحرب الأوكرانية والحرب التجارية مع الصين.
أمام أعضاء الكنيست الإسرائيلي، وبعد الإفراج عن 20 إسرائيليا كانوا محتجزين لدى حركة حماس، تحدث ترامب لما يزيد عن ساعة كاملة عن إنجازه وخطته، وقال "هذه ليست فقط نهاية الحرب، هي نهاية عصر الرعب والموت، بداية عصر الإيمان والأمل بالله".
ودفع ذلك بكليفورد ماي، رئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، وهي مركز بحثي مقرب بشدّة من إسرائيل، للقول إن "إجبار حماس على إطلاق سراح الرهائن –وهي جريمة حرب استمرت عامين– هو إنجاز مهم، ويعود نصيب الأسد من الفضل إلى الرئيس ترامب ومقاتلي إسرائيل".
وقال مسؤولون إن اتفاق غزة يمثل انتصارا دبلوماسيا كبيرا للرئيس الأميركي، بالنظر لعلاقاته الشخصية القوية مع إسرائيل ومع الدول المؤثرة على حماس كمصر وقطر وتركيا، والتي أفضت إلى دفع خطته للتطبيق.
وأشاد الرئيس السابق بيل كلينتون بجهود إدارة الرئيس ترامب في التوسط في وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، قائلا إن الرئيس والشركاء الإقليميين "يستحقون تقديرا كبيرا" لإبقاء المفاوضات على المسار الصحيح.
لكن الواقع كان أكثر تعقيدا، وظهرت تصدعات فورية في خطة ترامب بدأت بمعضلة حضور رئيس الوزراء الإسرائيلي لقمة شرم الشيخ من عدمها. وانتهت القمة بتوقيع ترامب وقادة تركيا ومصر وقطر على تعهد وضمانات لخطة سلام لم تُحدد خطواتها التالية، وفقا لمسودة الوثيقة التي نشرها البيت الأبيض.
كما أن الأمر لم يستغرق سوى أقل من ساعتين ليبرز هشاشة ما تم الاتفاق عليه، إذ قال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، أثناء وجود الرئيس ترامب في قمة شرم الشيخ، إن الجيش الإسرائيلي سيواصل العمل على نزع سلاح حماس وتدمير أنفاقها إلى جانب فريق دولي تشرف عليه الولايات المتحدة.
من هنا، يرى السفير ديفيد ماك مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق لشؤون الشرق الأوسط ، والخبير حاليا بالمجلس الأطلسي، أن "رحلة ترامب في حد ذاتها ليست كافية لتحقيق سلام دائم".
وقال ماك للجزيرة نت "بدون حكومة أقل تطرفا وبعيدة النظر في إسرائيل، سيظل الإسرائيليون يتدخلون عسكريا من وقت لآخر في غزة. وفي الوقت الراهن، لا أتصور تغييرا كبيرا في الائتلاف اليميني المتطرف الحالي الذي يعتمد عليه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو".
أما تشارلز دان، المسؤول السابق بالبيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية والخبير بالمعهد العربي، والمحاضر بجامعة جورج واشنطن، فشكك فيما تم التوقيع عليه في مدينة شرم الشيخ من اتفاق ووجود ضمانات داعمة لخطة ترامب ووقف إطلاق النار.
وقال في حديث للجزيرة نت إن "ما تم الاتفاق عليه هو اتفاق إطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار، وليس تسوية سلمية شاملة بين العرب والإسرائيليين، ناهيك عن بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ورغم ذلك هي مجرد بداية حسنة النية".
ورغم تعهد ترامب بتوسيع نطاق صنع السلام ليشمل الشرق الأوسط الأوسع، وليوسع من نطاق اتفاقيات التطبيع (الإبراهيمية)، فإن قدرة ترامب على السعي إلى تسوية إقليمية أوسع ستختبر من خلال ما سيقوم به بعد توقف القتال في غزة، وإذا ما كان سيمهد الطريق لمسار حل الدولتين.
ولم تشارك الحكومة الإسرائيلية ولا ممثلون عن حركة حماس في قمة شرم الشيخ التي تم التوقيع فيها للضامنين الأربعة للاتفاق وهم الولايات المتحدة، وتركيا، وقطر، ومصر.
ويُخشى على نطاق واسع من فك ترامب لانخراطه بالشرق الأوسط، وهو ما قد يعيد فتح الباب أمام مواجهات متجددة وعدوان جديد على غزة، وهو ما سيجمد أي طموحات لترامب في تحقيق تسوية إقليمية أوسع.
من هنا، أشار تشارلز دان إلى أن "الأمر سيتطلب سنوات من الدبلوماسية المكثفة للتوصل لمثل هذه التسوية الشاملة، وهو ما يتطلب تركيزا كبيرا من الرئيس الأميركي، ويظهر أن ترامب لا يمتلكه" على حد تعبيره.
ويرجح أن يتحول التركيز ببساطة إلى توسيع اتفاقيات التطبيع، "التي لا تزال صعبة، ولكنها متماسكة، وسيتم ترك الفلسطينيين لتدبر أمورهم بأنفسهم كالمعتاد". وقال إن "خطة ترامب ليست وصفة لعصر ذهبي جديد في المنطقة كما ادعى ترامب".
ويكرر معلقون أميركيون أن المحادثات حول تفاصيل تنفيذ خطة غزة لم تبدأ بعد، ومع "ادعاء" ترامب نجاح خطته لسلام الشرق الأوسط، فقد تركت أغلب بنود الخطة لفرق التفاوض لوضع التفاصيل.
وتدعو الخطة، إضافة لإنهاء الحرب والإفراج عن المحتجزين، إلى إنهاء سيطرة حركة حماس على غزة، وتنصيب إدارة تكنوقراط جديدة غير سياسية، وجلب قوة متعددة الجنسيات بقيادة عربية لتوفير الأمن.
وتحدثت باربرا سلافين، خبيرة الشؤون الدولية بمعهد ستيمسون بواشنطن، للجزيرة نت، قائلة "أحاول أن أكون متفائلة، ولكنني متشككة، فهناك سؤالان لم تتم الإجابة عليهما حول ما سيأتي بعد ذلك؟ وما هي المدة التي يستغرقها إنشاء قوة أمنية جديدة لغزة؟. وحتى الآن، يبدو أن حماس استأنفت دورها السابق".
وخلال خطابه بالكنيست، قال الرئيس ترامب للنواب الإسرائيليين إن الوقت قد حان لتحويل تركيزهم من الحرب على قطاع غزة إلى احتضان السلام والتعاون مع الآخرين في المنطقة، وطالبهم بترجمة ما اعتبره "انتصارات بالسلاح" إلى الجائزة النهائية للسلام والازدهار للشرق الأوسط بأسره.
ويشير البروفيسور أسامة خليل، أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية بجامعة سيراكيوز في نيويورك، إلى "أن زيارة الرئيس ترامب إلى إسرائيل ومصر لديها القدرة على تحقيق سلام طويل الأمد".
ولكن خليل ربط في حديث للجزيرة نت، ذلك بحال حافظت إدارة ترامب على اهتمام كبير بالقضية ومارست ضغوطا مستمرة على إسرائيل للالتزام بشروط وقف إطلاق النار وخطة السلام. "وإلا فإن نتنياهو سيستخدم جميع الوسائل المتاحة لتقويض الاتفاق وانتهاك وقف إطلاق النار، الذي حدث بالفعل".