تبدلت ملامح الشرق الأوسط في 7 أكتوبر، اليوم الذي حمل تناقضين لا يجتمعان: صفعة للسلام وبداية لتساؤل جديد يشأن إمكانية ولادته من بين الركام. فالهجوم الذي شنته حركة "حماس" في ذلك اليوم وفق ما رآه مراقبون، لم يكن مجرد تصعيد عسكري، بل ضربة موجهة لمسار إقليمي كان يتهيأ لتدشين مرحلة جديدة عنوانها اتفاق محتمل بين الرياض وتل أبيب.
بعد عامين من الحرب في غزة، تعود المنطقة لتقف أمام السؤال ذاته: هل ما زال هناك طريق إلى السلام، أم أن 7 أكتوبر أغلق الباب نهائيًا أمام المصالحة الكبرى في الشرق الأوسط؟
مع اشتداد المعارك في غزة وتفاقم التداعيات، بدا أن هجوم 7 أكتوبر كان محاولة لقطع الطريق أمام مبادرات التطبيع بين السعودية وإسرائيل، كما أشارت تقارير أميركية، أبرزها تقرير وول ستريت جورنال الذي كشف أن قيادات " حماس" ناقشت تلك الخطط قبل تنفيذ الهجوم.
لكن بعد عامين من النزاع، تعود الدعوات العربية والدولية لتطبيق حل الدولتين كأساس لأي تسوية، فيما تقود السعودية ودول عربية حراكا دبلوماسيا متزايدا لإعادة طرح مشروع السلام الإقليمي، إدراكا أن غياب السلام هو الوجه الآخر الدائم للحرب.
ويؤكد الكاتب والباحث السياسي منيف عماش الحربي، في حديثه لـ"سكاي نيوز عربية"، أن رؤية الرياض تجاه السلام "لم تتغير رغم التحولات التي فرضتها حرب غزة"، موضحا أن "شرط الرياض من البداية أن السلام بين الرياض وتل أبيب قائم على إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية".
ويرى الحربي أن هذا الموقف "ليس تكتيكا مرحليًا بل مسار استراتيجي لا رجعة فيه"، مضيفًا أن ما جرى في غزة "لن يعطل مسار السلام، لأن القرار الحقيقي بيد إسرائيل لا بيد الدول العربية".
ويتابع قائلاً: "السؤال الحقيقي هو: هل اليمين المتطرف في إسرائيل مستعد لقبول حل الدولتين أم لا؟" مشبهًا المرحلة الراهنة بما جرى بعد حرب 1973 حين وقّع مناحيم بيغن اتفاق السلام مع الرئيس أنور السادات.
ويضيف الحربي أن السعودية تسير على خطى متوازنة بين دعم القضية الفلسطينية والانفتاح الإقليمي، مؤكداً أن "المسار الاستراتيجي الذي أعلنته الرياض في المؤتمر الدولي لإحياء حل الدولتين لن يكون مرهونا بمن يحكم في تل أبيب".
وأشار إلى أن "إعلان نيويورك" في يوليو الماضي أعاد تسليط الضوء على الدور السعودي والفرنسي المشترك، موضحا أن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المحدثة للسلام تضمنت النقاط العشرين التي طرحتها الرياض.
ويقول الحربي: "شروط الرياض واضحة: الحق الفلسطيني يجب الحفاظ عليه، والطريق إلى ذلك هو إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية."
ويعتبر أن موجة الاعترافات الأوروبية الأخيرة بالدولة الفلسطينية "تمثل تحولًا غير مسبوق"، مضيفًا: "من كان يتوقع أن الدول التي ساهمت في وعد بلفور ستعترف اليوم بفلسطين؟".
ويختم بالقول: "السلام الحقيقي هو الذي بدأ من كامب ديفيد، وهو الذي سيتحقق اليوم. لأن الثابت الوحيد بعد عامين من الحرب هو الحاجة إلى السلام والتعايش والاستقرار."
من جانبه، يرى محلل الشؤون الأميركية في سكاي نيوز عربية موفق حرب، أن ما جرى في 7 أكتوبر "قلب المعادلة برمتها"، موضحًا أن الهجوم "أعاد المنطقة إلى المربع الأول لأنه ضرب فكرة السلام عبر المصالح التي كانت تشكل الإطار الجديد للعلاقات بين بعض الدول العربية وإسرائيل".
ويقول حرب: "بعض الدول العربية كانت تريد أن تجزئ الصراع، بالاكتفاء بالقول إنه لا سلام إلا بعد قيام دولة فلسطينية على حدود 67 والقدس الشرقية عاصمة لها. لكن هذا الموقف أصبح قيدا سياسيا حتى جاءت أوسلو".
ويضيف أن 7 أكتوبر "جعل من الصعب العودة إلى مقاربة المراحل الانتقالية لأن المشهد تغير: حكومة إسرائيلية متشددة من جهة وبرنامج نووي إيراني من جهة أخرى".
ويحذر حرب من أن "تجاهل القضية الفلسطينية أو تأجيلها كان دائما سبب فشل كل مسارات السلام السابقة"، مؤكدًا أن "العنف دائما كان كفيلا بإجهاض أي تقدم".
أما محرر الشؤون الإسرائيلية في سكاي نيوز عربية نضال كناعنة، فيختصر المشهد بجملة رمزية: "السلام مثل التانغو، يحتاج إلى طرفين". ويقول إن المشكلة ليست في غياب الرغبة بل في "عدم استعداد الطرفين لدفع الثمن"، موضحا أن " الحكومة الإسرائيلية الحالية غير مستعدة لدفع ثمن السلام، لأن نتنياهو بنى فكرته على مبدأ السلام مقابل السلام، من دون علاقة بالأرض".
ويشير إلى أن الاتفاقيات الإبراهيمية كشفت هذا التناقض حين "اشترطت الإمارات وقف ضم الضفة"، معتبرا أن أي سلام لا يبدأ من الفلسطينيين لن يكتمل مع العرب.
بعد عامين من الحرب، لم تعد المنطقة تبحث عن سلام شعارات بل عن سلام واقعي يدرك حدود القوة ومصالح الشعوب.
السابع من أكتوبر لم يغلق الباب أمام اتفاق السلام بين السعودية وإسرائيل، لكنه بدّل مفاتيحه. فكما ولد سلام 1973 من رحم الحرب، قد يولد السلام القادم من رماد غزة، حين يدرك الجميع أن البديل عن السلام ليس النصر.. بل الفوضى الدائمة.