🦅 تخيل إنسانًا عاديًا يتحمل ما لا يُتصور! في 6 أكتوبر 1973، كان الجندي المصري بطلًا خارقًا. الإعلام لم يركز على جهده الجسدي الرهيب أثناء العبور. دعونا نروي القصة الحقيقية خطوة بخطوة. #حرب_أكتوبر_المجيدة #بطولة_مصرية
1/10 pic.twitter.com/uTDifa80q0— Dr. Usama Hefny (@UsamaHefny) October 3, 2025
القدس المحتلة- بعد مرور أكثر من نصف قرن على حرب السادس من أكتوبر (تشرين الأول) 1973 (تسميها إسرائيل حرب الغفران)، خرج الضابط الإسرائيلي السابق إسحاق أغام، الذي خدم في فرقة الجنرال أرييل شارون ، بكشف جديد يثير الجدل داخل المؤسسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية.
ففي مقابلة مطولة مع صحيفة "يسرائيل هيوم"، وبمناسبة إصدار كتابه الجديد، كشف أغام عن تسجيلات نادرة قال إنها توثق اتصالات التنسيق بين الجنرالات خلال الحرب، و"تفضح أكاذيب وخداع شارون الذي خالف الأوامر الميدانية، ما أدى إلى خسائر بشرية وميدانية جسيمة".
كرس أغام معظم وقته للبحث المتعمق في هذه الحرب التي فقد فيها أعز أصدقائه وكاد أن يُقتل خلالها. وقد أنجز كتابه الجديد بعنوان "أكتوبر 1973: شجاعة الجنود، أخطاء الجنرالات"، الذي نشر ذاتيا هذا الأسبوع.
يكشف أغام في كتابه عن رحلة شخصية بعد انتهاء الحرب حين كان يتعافى من إصابته. حينها، تواصل مع عدد من الشخصيات البارزة، من حاييم هرتسوغ إلى عيزر وايزمان، في محاولة لفهم الحقيقة كاملة وراء الأحداث التي شهدها.
لكن جهوده لم تؤتِ ثمارها، فقد واجه رفضا من وسائل الإعلام الإسرائيلية التي لم تستمع له، وسياسيين تجنبوا مواجهة الحقائق، ورجل واحد شكل رواية الحرب وفق ما يراه مناسبا وهو شارون، "الذي ارتكب أخطاء جسيمة" خلالها.
يقول أغام إنه كان شاهدا مباشرا على لحظات مفصلية في الميدان؛ إذ رأى كيف اتخذ شارون قرارات منفردة انعكست بخسائر فادحة في صفوف القوات الإسرائيلية. ويضيف "كما حدث آنذاك، رأينا بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، قادة يحاولون تسوية الحقائق وإخفاءها بدل الاعتراف بالتقصير".
ويعود بذاكرته إلى 9 من الشهر نفسه عام 1973، أي بعد يومين فقط من وصوله إلى جبهة سيناء ، حيث صعدت ناقلة جنده المدرعة إلى سلسلة الجبال المطلة على السهل الشرقي ل قناة السويس ، وهناك كانت القوات المصرية قد اجتاحت المنطقة في هجوم مباغت شكّل بداية الحرب، تاركا القوات الإسرائيلية في حالة ارتباك عميقة.
وبحسب روايته، فإن تصرفات شارون لم تكن مجرد اجتهادات ميدانية، بل كانت "تلاعبا بالحقائق" ترك أثره المدمر على مسار الحرب. ويضيف "لقد فقدنا مقاتلين ودبابات بلا مبرر بسبب طموحات شخصية وتجاهل للانضباط العسكري".
في تلك المرحلة، كان جيش الاحتلال يواجه وضعا ميدانيا صعبا؛ إذ لم يتعافَ بعد من صدمة الهجوم المصري المفاجئ، في حين نجح الجيش المصري في تثبيت مواقع حصينة داخل سيناء.
واستعاد أغام تلك اللحظات، قائلا "علينا أن نرفع القبعات للمصريين، لقد أبلوا بلاء حسنا حين تمكنوا من عبور هذا العدد الكبير من القوات عبر القناة، وفي وقت قصير جدا".
بعد عبور الجيش المصري الناجح، يروي أغام أن القوات الإسرائيلية وجدت نفسها في حالة ارتباك، إذ لم تكن الخطط الدفاعية الموضوعة كافية للتعامل مع حجم المفاجأة وسرعة التقدم المصري. ويضيف أن الجنود في الميدان "لم يعرفوا إلى أين يتجهون"، في حين بدا أن كبار القادة العسكريين، وعلى رأسهم شارون، يتخذون قرارات متسرعة وأحيانا مخالفة للأوامر.
ويؤكد أن التسجيلات التي حصل عليها لاحقا، تكشف بوضوح حجم التناقضات بين ما كان يقال في المداولات العسكرية وبين ما تم تطبيقه عمليا على الأرض. وتابع "شارون لم يلتزم بالخطة، تصرف بشكل منفرد، وجر وراءه وحدات كاملة إلى مواجهات لم تكن محسوبة. هذا الخداع كلفنا خسائر فادحة في الأرواح والدبابات".
ولم يكتف أغام باستعادة الماضي، بل ربط بين هذه التجربة وما جرى في معركة " طوفان الأقصى "، قائلا "كما حصل حينها، رأينا أيضا بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 قادة يحاولون تغطية الحقائق وتبرير الإخفاقات، بدلا من مواجهتها بشجاعة".
ظنّت إسرائيل يوماً أنها تستطيع القتال على ثلاث جبهات، فتفاجأت في هذه المعركة أن معظم قواتها النظامية وثلثي قوات احتياطها غرقت في جبهة واحدة، واضطرت إلى زج 6 فرق عسكرية في غزة وحدها، في حين لم تضطر لاستخدام نصف هذه القوات في حرب يوم الغفران أكتوبر 73 مع جيش بحجم مصر.
– عن قوات… pic.twitter.com/Gn8RFiohIt
— Saeed Ziad | سعيد زياد (@saeedziad) March 23, 2024
تعيد هذه الاتهامات إلى الواجهة النقاش الإسرائيلي المزمن حول القيادة السياسية والعسكرية في الأزمات الكبرى.
فمثلما ارتكبت أخطاء كارثية عام 1973 نتيجة سوء تقدير وغرور بعض القادة، يرى أغام أن المشهد تكرر بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، حين فوجئت إسرائيل بالهجوم المباغت لحركة المقاومة الإسلامية ( حماس )، ليتكشف لاحقا حجم الإخفاقات والتلاعب بالمعلومات داخل دوائر القرار.
ومن وجهة نظره، هناك نمط ثابت يتكرر، قادة يخفون الحقيقة أو يعيدون صياغتها بما يخدم مصالحهم الشخصية والسياسية، بينما يدفع الجنود والمجتمع الثمن. وكأن التاريخ الإسرائيلي يسير في دائرة مغلقة من الإنكار والتبرير.
كان أغام، الذي يقترب اليوم من عامه الـ80، ضابط احتياط شابا في الـ27 من عمره خلال "حرب السادس من أكتوبر (تشرين الأول)". خدم حينها كقائد فصيلة في كتيبة الاستطلاع 87 التابعة للفرقة 143 بقيادة شارون.
وكانت هيئة الأركان العامة تعول على هذه الفرقة لتحقيق توازن في ميدان القتال على الجبهة الجنوبية، بل وربما دفع القوات المصرية للانسحاب مجددا عبر قناة السويس. وكلفت وحداتها بمهام خطرة في منطقة سلسلة الجبال الواقعة بين القناة وعمق سيناء.
وفي التاسع من أكتوبر/تشرين الأول، بعد أيام قليلة من اندلاع الحرب، تحركت قوات من الفرقة نحو تلك الجبال، حيث كان الهدف إنشاء خط دفاعي متماسك يمكّن الجيش الإسرائيلي من الاستعداد لشن هجوم مضاد لاحقا.
و"من المواقع العسكرية المرتفعة، كان الجنود الإسرائيليين قادرين، في يوم صاف على رؤية مياه القناة غربا، لكنهم في الواقع كانوا في مواجهة مباشرة مع قوة مصرية ضخمة كانت قد نجحت في تثبيت وجودها على الضفة الشرقية".
وعندها لم يجد أغام خيارا سوى إصدار أمر حاسم لعناصره بترك مركباتهم المدرعة من طراز "إم-113" (زيلدا)، والتقدم نحو الهدف سيرا على الأقدام، في محاولة شاقة للوصول إلى التلة المحصنة تحت الخطر المستمر لنيران الجيش المصري.
يتذكر أغام تلك اللحظات قائلا "لم يكن لدينا وقت للتفكير، كنا نعرف أن البقاء في المدرعات يعني الموت المحقق تحت نيران الساجر" (صواريخ مضادة للدبابات). لم يكن أمامنا سوى خيار واحد، التسلل والوصول إلى معسكر تاوز كيشوف بأي ثمن".
وبعد ساعات من "المشي الشاق والتسلل الحذر"، تمكنت القوة من الوصول إلى محيط التلة والتحصّن فيها، لكن دون مركباتها المدرعة أو دعم ثقيل. كانت المهمة قد تحولت من محاولة "إنشاء خط دفاعي" إلى مجرد صراع من أجل البقاء وسط حصار خانق.
عندما وصل أغام إلى الموقع، لم يتردد لحظة واحدة في مباشرة عمله. ويقول "بصفتي ضابط استطلاع، كان من الطبيعي أن تكون مهمتي الأولى هي مراقبة العدو وجمع المعلومات عنه".
وبدأ أغام بمهمته مستعينا بمنظار ميداني ضخم لرصد تحركات القوات المصرية، وهو ما أتاح له رؤية خطوط كاملة من الدبابات والمدفعية المصرية تتحرك بدقة وتنظيم.
وكان المشهد صادما له، فهذه القوات لم تكن مجرد وحدات متناثرة عبرت القناة، بل جيشا منظما ومجهزا، تمكن في أيام قليلة من ترسيخ مواقع دفاعية محصنة في عمق سيناء. فأدرك أن ما يراه ليس مجرد معركة عابرة، بل تحول إستراتيجي قلب موازين الحرب لصالح المصريين.
لاحظ أغام كل تحركاتهم من خلال المنظار، بما في ذلك تموضعهم وتخزين الذخيرة وتحريك القوات، مؤكدا أن هذه المعلومات كانت حاسمة، لكنها كشفت أيضا عن سوء إدارة المعركة على المستوى القيادي لجيش الاحتلال.
ويصف تلك اللحظة بأنها "نافذة على الحقيقة المرة"، وهي أن الجيش لم يكن مستعدا لمواجهة هذا الحجم من التنسيق والإصرار لدى المصريين، إذ أدرك حجم الفجوة بين تقديرات القيادة العسكرية الإسرائيلية وبين الواقع على الأرض، وضرورة اتخاذ قرارات ميدانية سريعة لتفادي خسائر أكبر.
بعد مراقبة الوضع، تقدمت قوات أغام نحو الخط الأمامي، لكنها وقعت في كمين محكم من المصريين الذين استغلوا التضاريس وأطلقوا نيرانا كثيفة من صواريخ ساجر ومدافع مضادة للدبابات، ما أسفر عن خسائر فادحة واضطر قوات الاحتلال للتراجع.
ويقول: "كانت المعركة درسا قاسيا في فخاخ الحرب، وأثبتت أن ما أرسلته من تحذيرات لم يؤخذ بعين الاعتبار. كنا نحاول النجاة أكثر من محاولة تحقيق أي تقدم إستراتيجي".
ويشير إلى أن القوات الإسرائيلية واجهت صعوبة بالغة في التنسيق بين الوحدات نظرا لتشويش الاتصالات وفقدان بعض المعدات، وهذا أجبر أغام وفرقته على اتخاذ قرارات ميدانية سريعة، غالبا بمفردهم، لمحاولة إنقاذ الموقف.
ويختم قائلا "الدرس الأهم هو أن تجاهل الواقع الميداني لصالح خطط مفروضة من أعلى القيادة يمكن أن يكون مميتا. كل خطوة تخطط بعيدا عن الأرض كانت تساوي حياة الجنود، وهذا ما دفعنا للخسائر التي شهدناها".