آخر الأخبار

بين درعا ودمشق.. من يكتب ملامح السلطة التشريعية في سوريا؟

شارك

دمشق- تستعد معظم المحافظات السورية لخوض انتخابات مجلس الشعب، وسط سباق محموم بين قوى مجتمعية وكيانات محلية وشخصيات ناشئة تسعى لتثبيت حضورها وتأثيرها.

ودخلت محافظة درعا ، جنوبي سوريا ، مرحلة جديدة بعد سقوط نظام الأسد برزت فيها العشائر الكبرى والمبادرات المدنية والشبابية كقوى رئيسية تتنافس على تمثيل المجتمع المحلي وإعادة صياغة دوره السياسي، في محاولة لكسر الاحتكار التقليدي للسلطة.

بالمقابل، وفي العاصمة دمشق ، تتداخل المصالح بين الدولة والفاعلين المحليين، وتتجلى المنافسة بشكل آخر، إذ تحاول العشائر النازحة بالإضافة للجمعيات المدنية والنخب الجديدة توظيف شبكاتها الاجتماعية والاقتصادية لكسب النفوذ من خلال العملية الانتخابية.

وبالمزيد من التركيز على الجنوب السوري والعاصمة، يتضح دور العشائر والمبادرات المدنية والنخب الجديدة في توجيه خيارات الناخبين، مع محاولة استشراف ما إذا كانت الانتخابات المقبلة ستنتج مشهدا محليا جديدا أم تعيد إنتاج الولاءات التقليدية بشكل مختلف.

الدور العشائري والمدني

في درعا، يأتي التنافس على مقاعد مجلس الشعب بين العشائر والمبادرات المدنية والشبابية وكأنه نتيجة للفراغ السياسي. ويقول محمود الرفاعي، أحد وجهاء محافظة درعا ، للجزيرة نت "إن العشائر لا تزال تمثّل شبكة اجتماعية واسعة تُمكّنها من التأثير، لكنها اليوم تتجه للمشاركة أكثر في النقاش والتوافقات بدل فرض خياراتها مباشرة كما كانت سابقا".

وأضاف الرفاعي أنه "بالرغم من تراجع التأثير نسبيا لكون الشباب أصبحوا أكثر استقلالا، فإن العشيرة ما تزال ركيزة أساسية خصوصا في المناطق الريفية والقرى".

وأضاف الرفاعي أن أبرز التحديات التي نواجهها هي جذب الشباب إلى المشاركة ضمن الأطر العشائرية وعدم ترك الساحة للمبادرات المدنية فقط، "لذلك نتوقع أن تكون النتائج هذه المرة متقاربة بين المرشحين المدعومين عشائريا وبين الشخصيات المستقلة، في مؤشر على تغير الخريطة الاجتماعية والسياسية في المحافظة".

إعلان

من ناحيته، يقول سمير عبد العال، وهو أحد الناشطين السياسيين في درعا، للجزيرة نت "نحاول نحن الشباب تقديم بدائل جديدة للتمثيل التقليدي عبر برامج خدمية وتنموية، ونستخدم اللقاءات المجتمعية ووسائل التواصل الاجتماعي لإبراز خطط واضحة وحلول عملية بدل الخطابات التقليدية".

ومن أهم التحديات أمامهم -يضيف عبد العال- "بناء ثقة الناس بقدرتنا على تحقيق التغيير، خاصة في ظل هيمنة الولاءات التقليدية وتردد البعض في منح الشباب فرصة حقيقية".

وبالرغم من ذلك، يقول "متفائلون بأن حضورنا سيتوسع في الانتخابات المقبلة، وأن المجتمع بدأ يتقبل فكرة التمثيل القائم على البرامج والخدمة العامة أكثر من الانتماءات الضيقة".

من ناحيته، يقول المحامي عدنان المسالمة، أحد المرشحين لمجلس الشعب في درعا، إنه "بعد انتصار الثورة وتحرير البلاد من النظام البائد الذي كان يسخر المجلس التشريعي لخدمة أجنداته"، قرر الترشح للمجلس الجديد من أجل العمل على بناء مجلس حقيقي لإلغاء المحاكم الاستثنائية وتعديل القوانين الجائرة.

وبرأي المسالمة، في حديث للجزيرة نت، فإن "المجتمع الثائر الذي قضى على أكثر الدكتاتوريات دموية، وبوجود المبادرات الشبابية والوعي المتزايد، سيلفظ العشائرية التقليدية ويسخر العشيرة لخدمة المجتمع عبر تقديم مرشحين ينقلون مطالبهم إلى المجلس الجديد لتُطبق على الأرض".

مشاركة النساء

إلى جانب التنافس بين العشائر والمبادرات الشبابية، برزت النساء في محافظة درعا عنصرا فاعل في العملية الانتخابية من خلال مشاركتهن في اللجان الناخبة. ويُنظر إلى هذه المشاركة بوصفها خطوة نحو تعزيز تمثيلهن في صنع القرار السياسي، ليس فقط كناخبات، بل بعضوية مؤثرة في اختيار السلطة التشريعية المقبلة.

تقول الناشطة النسوية آلاء محاميد، وهي عضو اللجنة الناخبة في مجلس الشعب بدرعا "مشاركتي في اللجنة الناخبة تمثل بالنسبة لي خطوة مهمة لتعزيز حضور المرأة في الحياة السياسية، وإثبات قدرتها على أن تكون شريكا حقيقيا في صناعة القرار، بعد سنوات من تهميش أصوات النساء في المجالس المحلية والوطنية".

واعتبرت محاميد أن وجود نساء داخل اللجان الناخبة يعني "أننا لا نكتفي بالمطالبة بالحقوق فقط، بل نشارك في اختيار وصياغة السلطة التشريعية نفسها، وهي فرصة أكبر لضمان وصول أصوات النساء وقضاياهن إلى البرلمان الجديد".

تداخل المصالح

أما في دمشق، فيبقى المشهد أكثر تعقيدا بفعل تركز نفوذ الدولة وتشابك المصالح، كما أن وجود عشائر نازحة إلى العاصمة خلق مزيجا من الولاءات القديمة والجديدة، مما يجعل التنافس الانتخابي فيها أقل وضوحا وأكثر خضوعا لشبكات النفوذ الرسمي والاجتماعي معا.

ويعتقد عمران المؤذن، أحد الناشطين السياسيين بدمشق، أن "الانتخابات المقبلة ستفرز خريطة مختلطة، فبعض المواقع ستحوزها وجوه شابة أو مبادرات مدنية، لكن جزءا كبيرا سيبقى بيد القوى التقليدية".

واعتبر المؤذن، في حديث للجزيرة نت، أن المشهد في دمشق أكثر تعقيدا من المحافظات الأخرى، إذ تتداخل مصالح الدولة مع قوى محلية وعشائر نازحة وجمعيات مدنية، مما ينتج عنه تنافس غير معلن لكنه حاضر بقوة.

إعلان

ويضيف موضحا "نحن أمام مرحلتين متداخلتين، هناك محاولات جادة لتأسيس سلطة محلية جديدة تقوم على المبادرات المدنية والنخب الشابة، لكن في الوقت ذاته لم تختفِ الولاءات التقليدية، بل أعادت تنظيم نفسها بأساليب مختلفة، خصوصا في المناطق التي ما تزال فيها العشيرة أو رأس المال المحلي ذات تأثير".

مصدر الصورة الرئيس أحمد الشرع يتسلّم النسخة النهائية من النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب (مواقع التواصل)

صراع مجتمعي أم وطني؟

يشير محللون إلى أن التنافس بين العشائر والمبادرات المدنية والنخب الجديدة لا يقتصر على درعا ودمشق، بل يعكس بدرجات متفاوتة تحولات أوسع في المجتمع السوري، مع احتفاظ كل محافظة بخصوصيتها.

ويقول الكاتب السوري أحمد أبا زيد للجزيرة نت "إن وجود مجلس تشريعي ضرورة في سوريا، وقد نص عليه الإعلان الدستوري لملء الفراغ التشريعي وعدم تخويل إصدار التشريعات لجهة واحدة. وتجري الانتخابات لاستكمال أركان الدولة وشكلها القانوني في مرحلة تثبيت الاستقرار، لأن سوريا لم تحصل على استقرار كامل على المستوى السياسي والأمني".

وبرأي أبا زيد، هذه ليست انتخابات بالمعنى الحرفي، وربما يكون هناك تناقض في تسميتها انتخابات في حين يغلب عليها التعيين والانتقاء. ولعلّ الأدق دعوة هذا المجلس مجلسا تشريعيا أكثر من كونه مجلس شعب.

وتابع أبا زيد حديثه بأن هذه الانتخابات مفهومة الآن بحكم الواقع غير المستقر وعدم وجود سيطرة كاملة للدولة على جميع الأراضي السورية ولا هياكل إدارية كافية لإدارة العملية الانتخابية. لكن الأكيد هو أن تقدم السلطة السياسية وعودا بحصول انتخابات حقيقية في المرة القادمة.

وحول التوقعات بشأن مكونات المجلس القادم، يرى أبا زيد أنه لن يعيد إنتاج النخب السياسية القديمة، فتشكيل الهيئات الناخبة والأسماء المشاركة فيها يغلب عليه شخصيات من الثورة السورية ، وكثير منهم لم يكن في أجسام المعارضة السياسية، بل هم نشطاء وإعلاميون وأعضاء سابقون في الجيش الحر أو هيئة تحرير الشام.

بالإضافة إلى ذلك، هناك تشكّل لنخب سياسية جديدة مرتبطة بتغير النظام، لكن ما ينقصها أنها لم تتبلور كقوى سياسية مقارنة بالأحزاب التقليدية، وهي موجودة الآن كأشخاص لا كتيارات منظمة. وهؤلاء أمامهم تحدي تشكيل أنفسهم سياسيا وعدم الاكتفاء بالتمثيل الفردي في مجلس الشعب، إذ أن القوة السياسية المنظمة الوحيدة الموجودة حاليا هي كوادر هيئة تحرير الشام السابقة.

آلية جديدة

وشهدت سوريا تاريخا طويلا من الأنظمة الانتخابية المتغيرة، حيث بدأ النظام الأخير بعد الاستيلاء على السلطة من قبل حزب البعث في عام 1963، ومنذ ذلك الحين، تم تعديل القوانين الانتخابية عدة مرات، لكن الانتخابات غالبا ما كانت تُعتبر شكلية تفتقر إلى التنافس الحقيقي والشفافية.

واليوم، تبرز آلية مغايرة لما اعتاده السوريون في العقود السابقة، فبدلا من تصويت عموم الناس في صناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم، جرى اعتماد نظام يقوم على تشكيل لجان ناخبة محلية في كل منطقة، بحيث تتولى هذه اللجان -التي يُفترض أن تضم وجوها من مختلف المكونات- اختيار ممثلي المحافظة بعد أن يتقدم المرشحون بطلبات الترشح، ويُشترط أن يكون المرشحون أنفسهم من أعضاء هذه اللجان.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا