آخر الأخبار

15 عاما والقامشلي بلا بنك دم

شارك

القامشلي- في إحدى ليالي مدينة القامشلي القلقة كانت المواطنة فريال زيدان تتمدد على سرير مستشفى خاص وسط المدينة، بانتظار لحظة الولادة، وكانت المخاوف والهواجس تعتريها، ليس كأم تنتظر بفارغ الصبر قدوم جنينها، بل كان الأمر غير ذلك تماما.

تبث شكواها للجزيرة نت، وتقول "لم يكن قلقي وخوفي من آلام المخاض، ولا من صعوبة إنجاب توأم، بل كان الأمر أبسط من ذلك بكثير، كيس دم ينقذ حياتي وحياة طفليَّ".

هناك في ساحة المستشفى، وقف زوج فريال كتائه ضل طريقه، يبحث في الهواتف وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، يستنجد بالأقارب والأصدقاء، ويكتب نداء عاجلا بحاجته الماسة إلى دم من زمرة (O) سالب.

يقول للجزيرة نت "كانت حياة زوجتي وطفلي في خطر"، كانت بحاجة إلى التبرع بالدم لإتمام ولادة توأمها، كنت أخجل من ذكر اسمي لهذا راسلت إحدى الصفحات العامة لنشر الطلب".

مصدر الصورة ممرضة تفحص الدم في مستشفى خاص بالقامشلي (الجزيرة)

هشاشة الوضع الصحي

"في مثل هكذا ظروف، فإن الوقت يمرّ ببطء قاتل، فالمريض ينزف"، تقول الممرضة سُلاف أحمد، وتتابع "كثيرا ما تردنا حالات لحوادث سير، أو جرحى الاشتباكات، أو سيدات على وشك الولادة، وجميعهم ينزفون وبحاجة للدماء".

وتضيف في حديثها للجزيرة نت "بنك الدم الوحيد الذي كان يمكن أن يكون خط الأمان لم يعد موجودا منذ سنوات".

حتى عام 2011، كانت القامشلي تضمّ بنكا للدم يلبّي حاجات المرضى، لكنّه أُغلق لاحقا، وحُوِّل إلى مستوصف بقي عمليا من دون جدوى حقيقية.

وتشترط مؤسسات الإدارة الذاتية على الموظفين الجدد تقديم شهادة تبرع بالدم، وتُسحب الوحدات في مستشفى "الشهيد خبات" التابع لها، وتُستخدم بشكل محدود في الحالات الطارئة أو داخل المستشفى نفسه.

في المقابل، تبقى المستشفيات الخاصة والمراكز الصحية الأخرى بلا بنك دم منظم، وهو ما اعتبرته سلاف "تقصيرا خطيرا يهدد حياة المرضى ويكشف هشاشة البنية الصحية في المدينة".

تنسيق وتشبيك

لا يكاد يمر أسبوع من دون نداءات استغاثة وطلب لمختلف زُمر الدم، ورجاء الناس بالتوجّه إلى المستشفيات لتقديم الدم للمحتاجين، سواء في حالات الولادة أو بسبب كثرة حوادث السير التي تقع في المنطقة.

إعلان

يقول الصحفي والناشط بروري ميدي إن غياب مركز للتبرع بالدم ذو تأثيرات سلبية على أرواح المُحتاجين للدم، مستذكرا الكثير من الحوادث والمشاكل التي أثر غياب المركز فيها على صحة الأهالي.

ويضيف، للجزيرة نت، أن المنطقة تعرضت للكثير من الحروب والمعارك والانفجارات، التي خلفت أعدادا كبيرة من الجرحى، وفقدان الدم عرض حياتهم للخطر، خاصة الزمر غير المتوفرة بكثرة، أو في حالة ارتفاع أعداد المحتاجين للدم.

ويعتقد بروري أن السبب الأساسي لغياب بنك الدم هو غياب التنسيق السياسي والتشبيك الإداري "فمن الضروري أن يتم ربط المنطقة بوزارة الصحة السورية، والمنظمات الدولية الفاعلة في هذا الشأن، وأن يتم إنشاء بنك دم وفق مقاييس الصحة العالمية".

مصدر الصورة المستشفيات لا تتبع غالبا الأساليب والطرق الحديثة في فحص ونقل الدم (الجزيرة)

مخاوف كارثة صحية

من جهته، يرى الممرض والمتخصص بمتابعة أمراض الثلاسيميا أحمد داليني أن "غياب بنك الدم في القامشلي يشكل كارثة لكل المرضى".

ويقول في حديثه للجزيرة نت إن الدم هو أكبر ناقل للأمراض، ومن الأمور المؤسفة غياب التحاليل الدقيقة، فالمخابر الخاصة أو المستشفيات لا تتبع غالبا الأساليب والطرق الحديثة في الفحص، مع غياب ثقافة منع أشخاص معينين من التبرع.

وتفتقر المنطقة -كما يقول الصحفي بروري- إلى توفر كوادر طبية متخصصة، ومستلزمات التبرع من أجهزة سحب دم وفحصها، وأجهزة حفظ الدم وغيرها، مؤكدا استحالة قيام المنظمات المحلية بمثل هذه الخطوات.

وأضاف "لا يمكننا توفير مثل هذه الأجهزة، أو تدريب الأطباء والممرضين، وأساسا القامشلي كلها لا يتوفر فيها أكثر من 3 أطباء دم، وهذه مشكلة أكبر، عدا عن غياب ثقافة التبرع بالدم"، داعيا إلى الالتفات إلى هذه القضية، "فحياة الناس في خطر حقيقي".

من جهته، يورد داليني أمثلة عن ذلك، ويقول "كثيرا ما يتم سحب الدم من أشخاص يتناولون حبوب الريتان، وهي تمنع نقل الدم قبل انقضاء 6 أشهر من تاريخ انتهاء تناول الدواء، لأنه مخصص لحالات الفايروسات وغيرها".

وأضاف على سبيل المثال "تنتشر ظاهرة الوشم في المنطقة، وطبيا لا يجوز سحب الدم من الموشوم حديثا قبل انقضاء شهر على تاريخ الوشم، خوفا من أن تكون الإبر ملوثة".

الحاجة للدم

ويشرح داليني، للجزيرة نت، أن مريض الثلاسيميا يحتاج بشكل دوري إلى نقل دم كل أسبوعين أو ثلاثة، لكن الصعوبات تكمن في غياب بنك دم نظامي.

وأضاف أن جميع مرضى القصور الكلوي وأورام الدم، والصفيحات الدموية والبلازما، يحتاجون للدم بشكل مستمر، وأيّ تأخير يُعرّض المرضى للخطر وينعكس على صحتهم، وصحة أعضائهم ويؤثر على معدلات هرمونات النمو.

من جهته، يقول الدكتور أحمد عبد الله المتخصص بأمراض العظام وجراحتها إن أمراضا مثل "الديسك والفقرات والجمجمة، هي باردة، ولا تحتاج لدم بشكل مستعجل" لكن المشكلة في حالات "الإسعاف مثل البطن والصدر وغيرها".

ويتابع الموضوع مهم وجدي، وعلى الأغلب يتعرض المريض للخطر، ومن الضروري جدا توفر الدم، وفحصه مخبريا من فيروسات الكبد والتهاب الكبد الوبائي، لكن خلال الحالات المستعجلة من الصعب فحصه.

مصدر الصورة بنوك الدم في المنطقة لا تزال بموارد وإمكانيات خجولة (الجزيرة)

إمكانيات متواضعة

ورغم وجود أكثر من بنك دم في محافظة الحسكة ، متوزعة في المالكية، والحسكة، وعامودا، فإنها لا تزال بموارد وإمكانيات خجولة، حيث تعتمد القامشلي والدرباسية على بنك الدم في عامودا.

إعلان

وفي حديثه مع الجزيرة نت، يقول أحد الممرضين من بلدة عامودا وهو مطلع على وضع بنك الدم فيها "نعاني من جملة من المشاكل أهمها، وسائل النقل، ونقص عدد المتبرعين المنتظمين، إضافة لمحدودية التجهيزات الطبية، والصعوبات اللوجيستية في المستلزمات والتنسيق".

وأضاف نطرح على المتبرع أسئلة حول تاريخه المرضي من أمراض مزمنة أو معدية، ثم نقوم بفحص سريع: قياس ضغط الدم، النبض، الوزن، والتأكد من خلو المتبرع من علامات المرض.

وبعد سحب الدم وحفظه في الأكياس يقوم المختبر بفحص الدم المأخوذ وسلامته من فيروس التهاب الكبد، ونقص المناعة البشرية، ومرض الزهري، وتخزين الوحدات السليمة بدرجة حرارة 2-6، وتلف الوحدات "غير السلمية فورا".

ويتم صرف الدم بناء على طلب المستشفيات والأطباء للحالات الإسعافية أو العمليات أو الأمراض المزمنة (مثل الثلاسيميا ).

ويُطالب الأهالي في القامشلي وعبر الجزيرة نت "بإحداث بنك دم نظامي وإجراء تحاليل السلامة بأجهزة متطورة، ومع وجود جهاز فرز مكونات الدم لفصل الكريات الحمر والصفيحات الدموية والبلازما. وبدعم من المنظمات الدولية لمرضى الثلاسيميا بتوفير أدويتها".

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا