في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
"تظهر إسرائيل أسوأ ما لديها عبر استخدام سلاح التجويع ضد المدنيين في قطاع غزة ، على مرأى من العالم كله وبأبشع الأشكال، وتتم هندسته بشكل منظم ومبرمج وباستخدام الذكاء الاصطناعي، في جريمة مكتملة الأركان"، بهذه الكلمات عبّر مدير مركز الزيتونة للدراسات الدكتور محسن صالح عن معضلة غياب القانون الدولي أمام جرائم الإبادة الجماعية والتجويع الإسرائيلي بحق أهالي غزة.
ورغم وضوح النصوص التي تحظر التجويع كوسيلة حرب وتعتبره جريمة حرب وإبادة جماعية، فإن الواقع يكشف أن القانون الدولي يعيش أسوأ اختباراته في غزة، فهل الخلل في النصوص القانونية نفسها؟ أم في الإرادة السياسية التي تعطل تنفيذها؟ كانت هذه الأسئلة وغيرها محور حلقة نقاشية بعنوان "تجويع سكان قطاع غزة بين الجريمة الإسرائيلية والمسؤولية الدولية" نظمها مركز الزيتونة للدراسات.
وأضاف صالح خلال افتتاح الحلقة النقاشية "بين أيدينا نحو 470 ألفا من أبناء قطاع غزة جلهم من الأطفال والنساء على حافة الموت بسبب التجويع، ونحو 2.4 مليون فلسطيني تحت الحصار يُمنع عنهم الغذاء والدواء والماء، وهذه الجريمة لا يمكن أن تمر أو تقف دون تدخل المجتمع الدولي ".
أستاذ القانون الدولي الدكتور محمد الموسى، أشار إلى أن التجويع المنهجي لسكان غزة قد يرقى إلى جريمة حرب محظورة بموجب اتفاقيات جنيف ، وقد يصل في بعض الحالات إلى جريمة ضد الإنسانية أو حتى إبادة جماعية إذا تبين وجود نية تدميرية موجهة.
وأضاف الموسى "الترسانة القانونية الدولية ثرية بالنصوص، من اتفاقيات جنيف ومبادئ إرشادية مثل مبادئ سان ريمو إلى نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية ، لكن ما يجري في غزة يبرهن على أن هناك فجوة بين النص المثالي للقانون الدولي، والقانون الدولي المادي الذي يخضع لميزان القوى والمصالح السياسية".
وأردف قائلا "لذلك يجب الانتقال من استعراض النصوص إلى مقاربات عملية مثل: تحليل الإطار المعياري للحق في المساعدة، فضح فجوة التطبيق، قراءة هذه الفجوة بمنظور ما بعد الاستعمار ومقاربات العالم الثالث، ثم اقتراح تدابير عملية لتعزيز المساءلة والوصول الإنساني".
وشدد الموسى على أن الأمر المركزي يتلخّص في فحص عناصر الجريمة (النية، السياق الركني، النطاق) لتقرير إن كان التجويع مجرد انتهاك أم جريمة دولية كاملة الأركان.
من جانبه، قال المحامي والأستاذ الجامعي في القانون الدستوري عادل يمين إن "الوضع الإنساني في غزة يعتبر من أخطر الأزمات الإنسانية المعاصرة، حيث يشهد السكان المدنيون ظروفا قاهرة وقاسية ومؤلمة نتيجة الحصار، ونتيجة التقتيل ومحاولات الإبادة الواضحة، والتجويع ومنع إدخال المواد الحيوية، والقيود على الإمدادات الأساسية، والحرمان المتكرر من الغذاء والماء والدواء".
وأكد يمين أن الحصار والتجويع جريمة حرب موصوفة بنصوص صريحة، مشيرا إلى أن المحكمة الجنائية الدولية مختصة بملاحقة المسؤولين الإسرائيليين، حتى لو لم تكن إسرائيل طرفا في نظام روما.
وأوضح أن مبادئ سان ريمو بشأن المساعدات الإنسانية، إلى جانب نظرية "التدابير المضادة الإنسانية"، تتيح للدول التدخل لتقديم الإغاثة والمساعدات الإنسانية لغزة حتى بغير موافقة الاحتلال الإسرائيلي .
وبحسب يمين فإن العائق الأكبر ليس في غياب القوانين، بل في غياب آليات التنفيذ والإرادة السياسية الدولية، مؤكدا أن المجتمع الدولي يملك ترسانة قانونية متكاملة لكنه عاجز عن توظيفها.
بدورها، ترى أستاذة القانون الدولي والعام والخاص في الجامعة اللبنانية أحلام بيضون أن استهداف المدنيين عند مراكز توزيع المساعدات لا يشكل فقط جريمة حرب، بل يرتقي إلى جريمة ضد الإنسانية.
وأضافت هذه ليست فقط جريمة قتل لطالبي المساعدات بل عملية ممنهجة تهدف إلى بث الرعب في قلوب المدنيين، ونشر المجاعة، والتخلص من العنصر البشري إما بتصفيته أو بدفعه إلى النزوح، مؤكدة أن ما يجري أمام مراكز المساعدات سلسلة جرائم بداية من العقاب الجماعي إلى جرائم الحرب و الجرائم ضد الإنسانية ، مرورا بالإبادة الجماعية وتصفية العرق.
وأوضحت بيضون أن المحكمة الجنائية الدولية مختصة بالنظر في هذه الجرائم خصوصًا أن فلسطين عضو في المحكمة منذ عام 2015، كما يمكن أيضًا تشكيل محاكم دولية خاصة على شاكلة محكمة نورمبرغ وتوكيو، ولكن المشكلة تكمن في أن المحاكم الدولية غالبا ما تتأثر بالضغوط السياسية، وهو ما يضعف ثقة الشعوب المظلومة في جدوى العدالة الدولية.
لكنها أشارت إلى "الجرائم المرتكبة من قبل دولة الاحتلال لا تسقط بالتقادم، ولا مكان يحدد ملاحقة مرتكبيها، بمعنى أن أي دولة بإمكانها توقيف المرتكبين عملا بالقانون الدولي العام والخاص".
وفي مداخلة ختامية، شددت أستاذة القانون والعلوم السياسية أليسار فرحات على أن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية حماية المدنيين في غزة ومنع الإبادة بالتجويع بموجب مبدأ "مسؤولية الحماية"، إلا أن آلية الفيتو الأميركي في مجلس الأمن تحول إلى أداة لتعطيل أي تحرك فعال.
ودعت إلى تفعيل آلية "الاتحاد من أجل السلم" في الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وممارسة ضغط شعبي ودبلوماسي لإدخال المساعدات بشكل مستدام، معتبرة أن الاستمرار في الاكتفاء بالنصوص يزيد من تكريس فشل المؤسسات الأممية.
وأكدت فرحات أن غزة كشفت بوضوح حدود النظام القانوني الدولي، مما يستدعي تبنّي مقاربات جديدة، نقدية وعملية، تعيد للقانون الدولي دوره الحقيقي في حماية الإنسان لا في خدمة موازين القوى.