روما – "انطلقنا رسميا من جزيرة صقلية ، ها نحن تحت جنح الظلام، وسط عباب البحر، نشاهد النجوم ومعها نُبصر الأمل نحو نقطة الوصول: غزة .. إنه يوم حافل بالعمل في القارب، لقد تعلمت شدّ الأشرعة وقيادة القارب".
هكذا تحدث للجزيرة نت من عرض البحر الأبيض المتوسط عبد الرحمن أماجو، أحد المشاركين في " أسطول الصمود العالمي " المتجه نحو غزة، بنبرة صوت كلها مشاعر فرح وتحدٍ.
وانطلقت عصر يوم السبت من ميناء أوغوستا القافلة البحرية الإيطالية من أسطول الصمود المتجه لكسر الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة، بعد أن غادرت سفنه موانئ مدينة برشلونة الإسبانية بداية شهر سبتمبر/أيلول الجاري.
بدأت القافلة الإيطالية من أسطول الصمود، المُشكلة أغلبها من قوارب شراعية، في الإبحار بعدما استكمِلت التدريبات النهائية صباحا في الساحل الشرقي لجزيرة صقيلية جنوبا، وخاصة في ميناء بلدة أوغوستا، الواقعة ضمن الحدود الترابية لمقاطعة سيراكوزة، بجزيرة صقلية في إيطاليا.
ويوم الجمعة أجرت القافلة الإيطالية من أسطول الصمود "وقفة تقنية" في أوغوستا، كما أجريت تدريبات مكثفة بين السابعة والتاسعة مساءً استعدادا للانطلاق بحرا.
اتخذ القرار النهائي للقافلة الإيطالية بالمغادرة مساء الخميس الماضي بعد وصول المشاركين من سيراكوزة بالاتفاق مع المنظمين، على أن يتم التوجه مباشرة نحو نقطة تقاطع في عرض البحر دون المرور بتونس، ثم الإبحار الجماعي باتجاه غزة، بحسب مصادر مطلعة فضلت عدم الكشف عن هوياتها.
وشهد الخميس الماضي ندوة صحفية في ميناء سيراكوزة، شارك فيها المنظمون وشخصيات سياسية بارزة منهم النائب البرلماني أرتورو سكوتو، وعضو البرلمان الأوروبي أناليزا كورادو من الحزب الديمقراطي، والنائبة الأوروبية بنديتا سكوديري من تحالف الخضر واليسار، وعضو مجلس الشيوخ عن حركة خمس نجوم ماركو كرواتي، إلى جانب ممثلين عن المجتمع المدني.
وسبق أن تم تأجيل انطلاق القافلة البحرية الإيطالية من أسطول الصمود العالمي مرات عدة منذ أن كان أول موعد للمغادرة في الرابع من الشهر الحالي، ثم لاحقا في السابع من الشهر ذاته، وكان آخر موعد للمغادرة هو يوم الأربعاء الماضي وتأجل بسبب سوء الأحوال الجوية، في حين كانت الموانع في السابق تنظيمية وتقنية، كما ذكرت مصادر للجزيرة نت.
ويتكون أسطول الصمود من الجانب الإيطالي من نحو 50 قاربا شراعيا على متنها ما يقرب 600 شخص، ضمنهم أفراد الطاقم التقني والمنظمون والنشطاء، إضافة إلى عدد من الصحفيين.
عشية انطلاق القوارب الشراعية الإيطالية نحو غزة، أخذت تتشكل على السواحل الصقلية معالم أخرى من مشروع دولي يسعى إلى كسر الحصار المفروض على غزة، اسمه أسطول الصمود العالمي .
وستكون نقطة التجمع في عرض البحر الأبيض المتوسط حيث يلتقي المشاركون من الجانبين الإسباني والتونسي ثم لاحقا اليوناني المشكل للأسطول.
ويقول الناشط الإيطالي ذو الأصول المغربية أماجو إن الأسطول عبارة عن قافلة من السفن والقوارب على متنها نساء ورجال من مختلف أنحاء العالم، توحدوا في قرار الإبحار كمتطوعين من أجل إيصال المساعدات إلى المدنيين الفلسطينيين.
ويعدّ أماجو أحد أبرز الوجوه المشاركة نيابة عن المجتمع المدني الإيطالي بصفته رئيسا لمنظمة "أكشن إيد" فرع إيطاليا ومؤسس شبكة جمعيات المجتمع المدني في الشمال الإيطالي.
ويوضح أن حضوره في القافلة البحرية الإيطالية "بصفة مشارك ليس من أجل عمل رمزي، بل هو فعل عدالة وواجب أخلاقي لا يمكننا نحن المواطنين والبشر تأجيله أكثر".
وقال "منذ أكثر من 700 يوم يعيش قطاع غزة تحت واحد من أقسى أشكال الحصار في التاريخ الحديث، مستشفيات مدمرة، ومدارس مقصوفة، وعائلات بأكملها أُبيدت. وفي هذا السياق، يريد الأسطول أن يكون إشارة ملموسة إلى القرب والمقاومة".
ويضم أسطول الصمود العالمي مشاركين من أكثر من 44 دولة، وسيحمل في شقه الإيطالي ما يقارب 300 طن من المساعدات الغذائية والطبية إلى أهالي غزة.
ويقول ياسين لفرم رئيس اتحاد الجاليات الإسلامية بإيطاليا المعروف اختصارا بـ"أوكوي"، إن هذا الأسطول المدني هو تعبير عملي عن التضامن مع الشعب الفلسطيني، ورسالة أمل نوجهها إلى المحاصَرين في غزة، مفادها "أنكم لستم وحدكم".
وأكد لفرم، الإيطالي من أصل مغربي، "نحن نؤمن بأن الوقت قد حان للتحرك العملي، وأن هذه المشاركة هي فعل إنساني وأخلاقي قبل أن تكون موقفا سياسيا"، مؤكدا أن "الصمت لم يعد مقبولا أمام الجرائم المرتكبة ضد المدنيين الأبرياء".
يشار إلى أن انطلاق القافلة البحرية الإيطالية من أسطول صمود العالمي يرافقه نشاط إعلامي ودبلوماسي وإنساني واسع، وسبقه تنظيم مؤتمرات وفعاليات قبل انطلاق الأسطول، من بينها مؤتمر صحفي في مجلس الشيوخ الإيطالي بحضور نواب وأعضاء في البرلمان الأوروبي، إضافة إلى مظاهرات شعبية شارك فيها عشرات الآلاف من المواطنين الإيطاليين في عدد من البلدات الصغيرة والمدن الكبيرة، كانت أبرزها جنوة.
كما رافق المشاركة الإيطالية في أسطول الصمود كثير من الجدل السياسي بين التحالف اليميني الحاكم ممثلا في شخص رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني من جهة وقوى المعارضة اليسارية وأبرز وجوهها رئيسة الحزب الديمقراطي إيلي شلاين من جهة أخرى، وذلك بشأن مسألة مدى ضمان الحكومة الإيطالية أمن وسلامة المشاركين الإيطاليين من أي هجوم إسرائيلي محتمل.