فيديو |
تصوير جوي للسيول في بئر احمد والحسوة pic.twitter.com/jopS0hvWoy— عبد الرحمن أنيس (@abdulrahmananis) August 23, 2025
عدن- لم يكن السبت الماضي يوما عاديا بالنسبة لأم وسيم، إحدى ساكنات مدينة عدن جنوبي اليمن ، التي استفاقت على مشهد لم تعرفه منذ عقود، سيول جارفة اجتاحت الأحياء من أطراف المدينة، محولة الأمطار التي طال انتظارها إلى كارثة أغرقت منازل بأكملها، وخلفت ضحايا وخسائر مادية واسعة.
في حي الحسوة غرب عدن، كانت أم وسيم (40 عاما)، وهي أم لـ4 أطفال، تحاول جاهدة إخراج ما تبقى من أثاث منزلها الذي غمرته المياه حتى النوافذ، بينما كان الجيران يتنادون لإخراج سيارة دفنتها السيول تحت الرمال في الجهة المقابلة.
وتقول أم وسيم للجزيرة نت وقدماها تغوصان في الطين الكثيف الذي خلفته السيول "خرجنا حفاة نركض من الخوف". وتضيف وهي تروي لحظات الرعب التي عاشتها حين دهم السيل منزلها "غرق البيت والأثاث وكل شيء، لم يبقَ معنا إلا الملابس التي علينا".
أم وسيم لم تكن وحدها، فقد عاش مئات السكان المشهد ذاته في أنحاء عدن المختلفة، التي شهدت السبت سيولا جارفة وأمطارا غزيرة غير مسبوقة استمرت عدة ساعات، مما تسبب في توقف شبه كلي لحركة السير في عدد من الشوارع والتقاطعات الرئيسية، وذلك للمرة الثانية خلال أقل من أسبوع.
واجتاحت السيول مناطق زراعية ومساكن في مديرية البريقة، مخلفة أضرارا واسعة في المنازل والممتلكات، كما غمرت أحياء سكنية عدة في صلاح الدين وصيرة والمعلا والشيخ عثمان، وسط عجز السكان عن مواجهتها أو الحد من تدفقها.
كما تسببت الأمطار الغزيرة المصاحبة للسيول في شلل شبه تام لحركة السير، وتحولت بعض الأحياء إلى بحيرات مغلقة، مما اضطر سكانا إلى استخدام وسائل بديلة للتنقل، في حين جرفت السيول مركبات وأتلفت بضائع في متاجر غمرتها المياه.
ووجهت السلطة المحلية في عدن نداء عاجلا للمنظمات الدولية لتوفير مأوى ومواد غذائية ودعم لوجستي، في حين تم فتح بعض المدارس لإيواء عشرات الأسر التي تضررت منازلها جراء السيول، وسط غياب حلول عاجلة لتصريف المياه.
ويصف سكان محليون في عدن هذه الأمطار والسيول بأنها الأشد منذ عقود، بعد أن وصلت سيول وادي الحسيني، القادمة من مديرية تبن بمحافظة لحج، إلى شاطئ الحسوة للمرة الأولى منذ نحو 60 عاما.
وقال عبد الرحمن الكازمي، أحد سكان حي بئر أحمد، للجزيرة نت، إن السيول التي ضربت المدينة لم يشهدوا مثلها منذ 40 عاما، مشيرا إلى أنها تسببت في أضرار كبيرة، بينها توقف إمدادات مياه الشرب عن آلاف السكان، إلى جانب أضرار بالغة في الأراضي الزراعية وفقدان عشرات المواشي.
وأظهرت صور جوية تداولها ناشطون في عدن حجم الكارثة، حيث بدت أحياء واسعة وقد غمرتها السيول بالكامل، في حين وثقت مقاطع فيديو لحظات مرعبة لانجراف السيارات وسط التيار، بينها مركبة تقل 7 أشخاص جرفتها السيول في أحد أحياء المدينة.
وأمس الأحد، أعلنت قوات الشرطة العثور على جثة مواطن غرق خلال السيول التي اجتاحت منطقة الحسوة في مديرية البريقة غرب عدن، دون أن تتوافر حصيلة دقيقة بعدد الضحايا.
وسبق أن حذر خبراء جيولوجيون في تقارير سابقة من أن غياب شبكات تصريف السيول، إلى جانب التوسع العمراني العشوائي في عدن، قد يؤدي إلى كوارث أكبر في حال استمرار هطول الأمطار خلال الأيام المقبلة، مطالبين السلطات باتخاذ تدابير عاجلة لحماية الأرواح والممتلكات.
وقال الناشط الإعلامي في عدن، زبير عبد الرحيم، إن السيول التي شهدتها المدينة مؤخرا لم تكن استثناء، بل تكرارا مأساويا اعتاد عليه السكان مع كل موسم أمطار، مستنكرا غياب المعالجات الجذرية لهذه الكارثة المتكررة التي يدفع المواطنون ثمنها من أرواحهم وممتلكاتهم.
وأضاف للجزيرة نت "أمطار السبت تحولت خلال ساعات إلى سيول جارفة اجتثت منازل ومركبات وممتلكات، والمشهد لم يكن مجرد أزمة طقس، بل كشف عن هشاشة البنية التحتية، وانعدام الجاهزية لأي طارئ في مدينة تعاني أصلا من انقسامات أمنية وإدارية وخدمات متهالكة منذ سنوات".
في أعقاب الأزمات في #اليمن،بسبب العنف أو سيول الأمطار والنزوح المترتب عليها، فوراً تقدم فرق آلية الاستجابة السريعة-بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان-الإغاثة الطارئة المنقذة للحياة، والتي وصلت لأكثر من 9,848 أسرة متضررة منذ يناير ٢٠٢٥، بدعم من الاتحاد الأوروبي.#من_أجل_الإنسانية pic.twitter.com/60VTJCZVqc
— UNFPA Yemen (@UNFPAYemen) August 24, 2025
ولم تقتصر الكارثة على عدن، بل شملت محافظات يمنية عدة، من صعدة شمالا وحتى عدن وأبين جنوبا، مرورا بالمناطق الوسطى والغربية والسواحل المطلة على البحر الأحمر ، وكذلك محافظات الجوف ومأرب وحضرموت وشبوة والمهرة، حيث خلفت الأمطار والسيول عشرات الضحايا ومئات الأسر بلا مأوى.
وأكدت وسائل إعلام محلية يمنية أن عدد ضحايا السيول والأمطار في اليمن خلال يومي الجمعة والسبت الماضيين فقط، بلغ نحو 15 شخصا على الأقل، في حين ألحقت السيول دمارا واسعا في منازل وممتلكات.
وتشير تقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن أكثر من 150 ألف شخص تضرروا مباشرة من الفيضانات حتى الآن.
وتعكس هذه الفيضانات جانبا من آثار التغير المناخي ، الذي جعل مواسم الأمطار في اليمن أكثر شدة وتكرارا، حيث تواجه البلاد منخفضا جويا شديد التعقيد، يرافقه هطول أمطار رعدية ورياح عنيفة، مما يزيد من هشاشة الأوضاع الإنسانية.
وتشهد عدة محافظات يمنية، سواء في المناطق الجبلية أو الساحلية، منذ منتصف يونيو/حزيران، تغيرات مناخية مصحوبة بأمطار غزيرة وعواصف رعدية ورياح شديدة، تسببت في مصرع العشرات.
ورغم أن اليمن معتاد على تقلبات الطقس، فإن السنوات الأخيرة كشفت هشاشة المدن، خاصة في ظل الحرب، وتوقف مشاريع البنية التحتية، وغياب الدولة.