آخر الأخبار

يصوغ روايات تُبنى على الأكاذيب المتقنة.. سلاح إسرائيلي جديد لإبادة غزة

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

في ظل الفظائع المستمرة لآلة الحرب الإسرائيلية التي لا تتوقف عن حصد أرواح الأبرياء وتدمير البنية التحتية في قطاع غزة تتكشف فصول جديدة من إستراتيجية إسرائيل التي لا تقتصر على القوة العسكرية فقط، بل تتسلح أيضا بأسلحة إعلامية وقانونية بالغة الخطورة والتأثير.

فبينما تتصاعد الاتهامات الدولية لإسرائيل بارتكابها جرائم حرب وانتهاكات صارخة للقانون الدولي برز إلى الواجهة وجود وحدة سرية داخل هيئة الأركان العامة للجيش تُعرف باسم "خلية إضفاء الشرعية".

وهذه الوحدة -التي تختلف في طبيعتها عن الوحدات القتالية التقليدية- لا تطلق الرصاص أو تشن الغارات، بل تصوغ روايات تُبنى على الأكاذيب المتقنة، وتعد بمثابة العقل المدبر وراء الحملات الإعلامية المضللة التي تسعى إلى تبرير القصف العشوائي وتدمير المستشفيات والمدارس.

مصدر الصورة من مهام خلية إضفاء الشرعية الحملات المضللة لتبرير القصف العشوائي وتدمير المستشفيات والمدارس (الجزيرة)

إستراتيجية التضليل

"خلية إضفاء الشرعية" ليست مجرد مكتب علاقات عامة، بل هي جهاز استخباري متخصص في صياغة روايات موجهة بعناية لتخاطب الرأي العام العالمي، فبعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أدركت إسرائيل الحاجة الملحة لوجود مثل هذه الوحدة لتغطية الفظائع المتزايدة والدمار الشامل الذي لحق بغزة، وتوجيه مسار النقاش الدولي بعيدا عن انتهاكاتها.

ووفقا لتقرير نشره موقع "الكريدل عربي" في 15 أغسطس/آب 2025، فإن عمل الخلية يتركز على "جمع معلومات استخبارية، لا لخدمة العمليات العسكرية الميدانية، بل لدعم الرواية الإسرائيلية في الإعلام العالمي".

وأبرز مهام هذه الوحدة تقديم مبررات قانونية للتدمير الشامل عبر توظيف مصطلحات مثل مبدأ "التناسب"، حيث تبرر إسرائيل استهداف مناطق سكنية مكتظة بزعم أنها تحتوي على أهداف عسكرية، وأن الدمار الهائل الذي لحق بالبنى التحتية والمباني السكنية هو مجرد "ضرر جانبي" يُعتبر متناسبا مع "قيمة الهدف".

إعلان

هذا التفسير المشوه لمصطلح "التناسب" يتجاهل بشكل كامل حجم الخسائر البشرية غير المبررة، مما يُفرغ المبدأ من محتواه الإنساني.

كما تكرر الخلية مزاعم "استخدام المدنيين دروعا بشرية" من قبل حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وهو ادعاء وصفته منظمة هيومن رايتس ووتش بأنه "ذريعة متكررة لتبرير استهداف المدنيين"، مما يلقي بالمسؤولية القانونية عن حياة المدنيين على الضحايا أنفسهم.

والأمر لا يتوقف هنا، إذ كشفت مصادر أن الخلية تسعى أيضا إلى تشويه سمعة الصحفيين في غزة.

وقال مصدر استخباراتي "إذا تحدثت وسائل الإعلام عن قتل إسرائيل الصحفيين الأبرياء يتم البحث فورا عن صحفي يمكن اتهامه كما لو أن ذلك يبرر قتل الآخرين".

هذه الإستراتيجية تُظهر أن الهدف ليس فقط تبرير الجرائم المرتكبة، بل أيضا تقويض مصداقية شهود العيان وإسكات الأصوات المستقلة التي تسعى إلى نقل الحقيقة، مما يبرر استهدافهم ويقوض أي تقرير مستقل ينقل الواقع الميداني.

وبحسب مراقبين، فإن هذه الإستراتيجية مصممة خصيصا لخنق أي رواية بديلة عن الرواية الرسمية الإسرائيلية، وإضفاء الشرعية على القتل المستهدف للصحفيين من خلال نشر الشك بشأن نزاهتهم المهنية.

كما تعمل هذه الخلية على بناء الروايات بعناية لتخاطب جمهورين مختلفين: الجمهور الداخلي الإسرائيلي لتعزيز فكرة "أخلاقية" الجيش، والجمهور الدولي بلغة قانونية مصقولة تخدع الرأي العام وتضعف تقارير المنظمات الحقوقية المستقلة، مما يخلق صورة مزدوجة للواقع.

حرب الروايات ودحض مبدأ الضرورة العسكرية

في خضم معركة الروايات يتواصل المشهد الدموي في قطاع غزة بشكل مأساوي، فبينما تبرر "خلية إضفاء الشرعية" عمليات الجيش يُظهر الواقع حجم المأساة الإنسانية التي تتعارض تماما مع كل ادعاءات "الشرعية".

وأشار تقرير للأمم المتحدة عن غارة مستشفى الأهلي المعمداني بتاريخ 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى مقتل ما يقارب 500 فلسطيني في القصف، في حين سارعت إسرائيل إلى إلقاء اللوم على حركة الجهاد الإسلامي ، مستندة إلى تسجيلات صوتية قالت الحركة إنها "مفبركة".

هذه الرواية أحدثت ارتباكا عالميا وأثرت على ثقة بعض وسائل الإعلام بالمصادر الفلسطينية الرسمية، لكن الحقيقة الثابتة التي لا يمكن نكرانها هي أن مستشفى مكتظا بالجرحى والنازحين قد تحول إلى ساحة مجزرة دموية.

ولم يقتصر القصف الإسرائيلي على المستشفيات فقط، بل شمل مدارس الأونروا والمساجد والكنائس ومحطات تحلية المياه، وفقا لتقارير منظمة العفو الدولية.

وهذه الانتهاكات الصارخة للقوانين الدولية خلفت كارثة بيئية وصحية غير مسبوقة جعلت الحياة في القطاع شبه مستحيلة.

وأدى الدمار الشامل للبنية التحتية الأساسية -مثل المستشفيات وشبكات المياه والصرف الصحي- إلى تفشي الأوبئة والأمراض المعدية، وانهيار النظام الصحي بشكل كامل، مما ضاعف معاناة المدنيين بشكل لا يمكن وصفه.

وقالت المفوضية السامية لحقوق الإنسان إن ما يحدث في غزة "قد يرقى إلى إبادة جماعية "، مؤكدة أن حجم الاستهداف المدني لا يمكن تبريره بأي شكل من الأشكال بمبدأ الضرورة العسكرية.

مصدر الصورة تسعى خلية إضفاء الشرعية الإسرائيلية إلى إلهاء المؤسسات الدولية عن محاسبتها على جرائم الحرب (أسوشيتد برس)

أفق العدالة والمحاسبة الدولية

وجود "خلية إضفاء الشرعية" يُعد في جوهره اعترافا ضمنيا من إسرائيل بأنها ترتكب أعمالا تتجاوز القانون وتستوجب التبرير والتمويه، لأن "جيشا واثقا من شرعية أفعاله لا يحتاج إلى وحدة سرية لإنتاج روايات"، كما علق خبير القانون الدولي ريتشارد فولك.

إعلان

وأكد فولك أن هذا السلوك هو دليل على انعدام الثقة في الموقف القانوني للعمليات العسكرية الإسرائيلية، وأن وجود هذه الخلية السرية يُعد اعترافا ضمنيا بأن أفعال الجيش الإسرائيلي لا تستقيم أمام القانون الدولي، مما يستلزم ابتكار مبررات ودفاعات زائفة مسبقا.

وبحسب خبراء، فإن هذا التلاعب الممنهج بالقانون يهدف إلى تحويل العدالة الدولية إلى مجرد ساحة للمناورات الإعلامية، وإضعاف قدرة المجتمع الدولي على فرض المساءلة، مما يرسخ ثقافة الإفلات من العقاب ويشجع على ارتكاب المزيد من الانتهاكات في المستقبل دون خوف من المحاسبة.

وقد طالبت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش بشكل حاسم الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيقات مستقلة وشفافة، مؤكدة أن "الرواية الإسرائيلية الرسمية لا يمكن أن تكون المرجع الوحيد للتحقيق".

وفي عالم تختلط فيه الحقائق بالأكاذيب وتشوه فيه الروايات تصبح الحقيقة أغلى ما يملكه ويحتاجه الضحايا، حيث تكشف "خلية إضفاء الشرعية" الإسرائيلية أن حرب غزة لم تكن فقط عسكرية، بل حربا شاملة على الوعي والضمير الإنساني.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا