كلّفت الحكومة اللبنانية، الثلاثاء، الجيش بوضع خطة تطبيقية لـ "حصر السلاح بيد القوى الشرعية" قبل نهاية العام الحالي، وفق ما أعلن رئيس الحكومة نواف سلام.
وأضاف سلام أنه من المقرر عرض الخطة على مجلس الوزراء قبل نهاية شهر أغسطس/آب الجاري لنقاشها وإقرارها.
كما قرر مجلس الوزراء استكمال النقاش فيما يتعلق بالخطة التي طرحها المبعوث الأمريكي إلى لبنان توم براك، والتي تضمنت جدولاً زمنياً لنزع سلاح حزب الله.
جاء ذلك في ختام اجتماع عقده مجلس الوزراء اللبناني، الثلاثاء 5 أغسطس/آب، برئاسة رئيس الجهورية جوزاف عون، وحضور رئيس الوزراء نوّاف سلام، وناقش ملفات على رأسها سلاح حزب الله.
واكتسب هذا الاجتماع أهمية كبيرة نظراً لتصاعد الحديث عن ملف سلاح حزب الله، وانعقاده بعد زيارات عدة أجراها المبعوث الأمريكي براك، طرح خلالها خارطة طريق تتضمن وقف الضربات الإسرائيلية على لبنان، التي لم تتوقف رغم التوصل لوقف إطلاق نار بين حزب الله وإسرائيل نهاية عام 2024، إضافة إلى دعم لبنان اقتصادياً.
وشملت خارطة الطريق الأمريكية في المقابل مطالبات صريحة بنزع سلاح حزب الله مع تحديد موعد زمني لذلك، وهو الملف الذي لطالما كان جدلياً في لبنان خلال العقود الأخيرة.
وبالتزامن مع الاجتماع، رفض حزب الله "أي جدول زمني" لتسليم سلاحه مع استمرار ما وصفه بـ "العدوان الإسرائيلي" على لبنان.
وقال الأمين العام للحزب، نعيم قاسم، في كلمة مصوّرة، إن على الدولة اللبنانية أن "تضع خططاً لمواجهة الضغط والتهديد وتأمين الحماية، وليس تجريد مقاومتها من قدرتها وقوتها"، على حدّ وصفه.
وأوضح وزير الإعلام اللبناني، بول مرقص، أن الوزيرين ركان ناصر الدين وتمارا الزين المحسوبين على حزب الله وحليفته حركة امل، "انسحبا من الجلسة لعدم موافقتهما على قرار مجلس الوزراء" الذي تلاه رئيس الوزراء.
وشهد لبنان في الأسابيع الأخيرة شداً وجذباً فيما يتعلق بالتجاوب مع طرح المبعوث الأمريكي، فموقف حزب الله تفاوت بين إبداء الانفتاح على النقاش في البداية، وبين رفض تقديم تنازلات في هذا الملف استجابة لـ "ضغوط أمريكية وإسرائيلية"، تبع ذلك تصعيد في لهجة المبعوث الأمريكي تجاه الحكومة اللبنانية وحزب الله في الأيام الأخيرة.
في عام 1989، وُقّع ما عُرف باتفاق الطائف، الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، وتضمن الاتفاق نزح سلاح جميع الفصائل المسلحة التي شاركت في الحرب، لكن، ولاعتبارات إقليمية وسياسية عديدة، لم يُنزع سلاح حزب الله الذي كان يُصوّر من قبل كثيرين على أنه "قوة مقاومة" في وجه إسرائيل التي كانت لا تزال تحتل شريطاً بعرض عدة كيلومترات على طول الحدود الجنوبية للبنان.
لكن وبعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان سنة 2000، كان يُطرح بين الحين والآخر ملف سلاح حزب الله، ولطالما اتهمه خصومه باستخدام سلاحه في الداخل اللبناني، لفرض إرادته السياسية. وقبل الحرب الأخيرة مع إسرائيل، كان الحزب صاحب النفوذ الأوسع على الساحة اللبنانية.
وفي أعقاب هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، الذي شنته حركة حماس ضد بلدات حدودية ومواقع جنوبي إسرائيل، أعاد حزب الله فتح الجبهة مع إسرائيل بعد سنوات طويلة من الهدوء، معللاً ذلك بـ "إسناد غزة".
وفتح ذلك الباب أمام أشهر طويلة من تبادل الضربات بين الطرفين، لكن الأمور اتخذت منحنى تصاعدياً كبيراً في سبتمبر/أيلول 2024، حين شنت إسرائيل هجوماً جوياً واسعاً، وهجوماً آخر بأجهزة اتصالات مفخخة، استهدف عناصر وقادة الحزب وبنيته التحتية في أرجاء لبنان، أُتبع بهجوم بري في الجنوب.
وأدى الهجوم إلى تكبّد الحزب خسائر كبيرة في صفوفه وبين قادته، وعلى رأسهم أمينه العام حسن نصر الله، كما خسر جزءاً كبيراً من ترسانته العسكرية.
وانتهت المواجهة بإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
خرج حزب الله من المواجهة مع إسرائيل منهكاً، وتزامن ذلك مع تطوّرات أخرى في المنطقة، تمثّلت في سقوط نظام بشار الأسد في سوريا نهاية 2024، الذي كان يُعد أحد أهم حلفاء حزب الله. وأدت كل تلك المعطيات إلى تراجع نفوذ الحزب في لبنان.
وبداية عام 2025، انتخب مجلس النواب اللبناني، قائد الجيش، جوزاف عون، رئيساًَ للبلاد، بعد أكثر من عامين من شغور المنصب.
ورغم سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، تُبقي إسرائيل على وجودها في خمس نقاط حدودية، كما تشن ضربات شبه يومية، مستهدفة ما تقول إنه بنى تحتية ومقاتلون تابعون لحزب الله، الذي يمتنع عن الرد عليها.
وتوعدت اسرائيل، التي تتهم الحزب بالعمل على إعادة ترميم بناه العسكرية، بمواصلة شنّ ضرباتها ما لم تنزع السلطات اللبنانية سلاحه.
وأخيراً، تحركّت واشنطن عبر تقديم خطة مفصّلة لنزع سلاح الحزب مقابل انسحاب إسرائيل ووقف ضرباتها الجوية، إضافة إلى مساعدات اقتصادية للبنان.
وهي خطة حرّكت المشهد السياسي الداخلي في لبنان، وفاقمت الضغوط على الحكومة والحزب على حدّ سواء.
وكان الرئيس اللبناني، جوزاف عون، قد أكّد يوم الخميس الالتزام بـ "سحب سلاح جميع القوى المسلّحة، ومن ضمنها حزب الله، وتسليمه إلى الجيش اللبناني".
وشدّد على أن "المرحلة مصيرية ولا تحتمل استفزازاً من أي جهة كانت"، وصاغ موقفه بعبارة قوية: "علينا اليوم أن نختار، إما الانهيار وإما الاستقرار"، وذلك في ظل ربط المجتمع الدولي مساعداته للبنان بنزع سلاح الحزب.
ومن غير الواضح حتى الآن مدى إمكانية تطبيق ما تمخض عن اجتماع مجلس الوزراء اللبناني.
ونقلت وكالة فرانس برس عن مصدر لبناني، أن واشنطن "تضغط على لبنان ليسلّم حزب الله سلاحه ضمن جدول زمني"، لكن المصدر أكّد أن "حزب الله لن يُقدم على تسليم سلاحه بلا مقابل، وهو ما يدركه الأمريكيون جيداً".
وهذا يتوافق مع ما نقله تلفزيون المنار التابع لحزب الله عن "مصادر مطلعة"، بأن "الطلب الأمريكي، باختصار، هو استسلام لبناني كامل أمام العدو الإسرائيلي، من دون أي ضمانات تلزمه بالتقيّد" باتفاق وقف إطلاق النار.
وبحسب وكالة فرانس برس، فإن حزب الله يطالب بأن تنسحب اسرائيل من النقاط الخمس الحدودية، وأن توقف الضربات التي تنفّذها رغم وقف إطلاق النار، وأن تعيد عدداً من أسرى الحزب الذين اعتقلتهم خلال الحرب، وبدء عملية إعادة إعمار المناطق التي دمرتها الحرب، قبل الحديث عن مصير السلاح.
ويبدو هذا الموقف قريباً من الرد الذي قدمته الحكومة اللبنانية بداية يوليو/تموز على الخطة الأمريكية، وركزت فيه على مبدأ التزامن بين الانسحاب الإسرائيلي ووقف الضربات في لبنان من جهة، وبحث مصير سلاح حزب الله من جهة أخرى.