آخر الأخبار

"أحداث السويداء" بين تعقيدات الداخل وتدخلات الخارج

شارك
دورز على الحدود مع سوريا في الجولان

تعيش محافظة السويداء السورية منذ أيام على وقع تصعيد غير مسبوق، حيث دخلت الأوضاع في الجنوب السوري منعطفا حادا يُعيد تسليط الضوء على تعقيدات المشهد الأمني والاجتماعي، وتحديدا ما يتعلق بملف الأقليات.

فالإقرار الرسمي السوري بوجود "تجاوزات" في المحافظة، ترافق مع تعهدات واضحة بالمحاسبة، فتح الباب واسعا أمام تساؤلات جوهرية: هل تدخل دمشق مرحلة جديدة في إعادة رسم معادلة الحكم والسيطرة في مناطق الجنوب؟ وهل يصبح ملف الأقليات – وفي مقدمته الطائفة الدرزية – معيارا حاسما لقياس قدرة النظام على بسط نفوذه؟

اعتراف رسمي نادر وتغيير في لغة الخطاب

في تصريح غير مألوف في السياق الرسمي السوري، أقرّت الحكومة السورية، ممثلة حتى بمؤسسة الرئاسة، بوجود "تجاوزات" ارتُكبت في السويداء من عدة أطراف، وتعهدت بمحاسبة المسؤولين عنها، في خطوة تشير إلى تحوّل في الخطاب الرسمي من سياسة الإنكار التي اتبعها نظام الأسد سابقا، إلى إقرار بالمشكلة ووعود بمعالجتها.

وحول ذلك، قال الكاتب والباحث السياسي عباس شريفة من دمشق في مداخلة مع غرفة الأخبار على "سكاي نيوز عربية"، إن ما جرى "ليس تجاوزا من جهة واحدة، بل "تجاوزات جماعية" وقعت من رجال أمن، ومن بعض أبناء البدو، ومن أهالي السويداء أنفسهم، وهو ما يعقّد المشهد ويؤكد أن(الحالة الفصائلية) التي يعيشها الجنوب السوري تقف عائقا أمام فرض سلطة الدولة بشكل كامل".

وأضاف شريفة أن "الحكومة السورية لا تتنكر لمسؤولياتها، وهي بصدد المحاسبة الفعلية، وهناك إرادة حقيقية لضبط الأجهزة الأمنية".

حواجز واعتقالات.. هل بدأت دمشق استعادة السيطرة؟

وفق شريفة، فإن الدولة السورية بدأت بالفعل بنشر الحواجز على مداخل السويداء ومخارجها، وشرعت في تنفيذ سلسلة من الاعتقالات بحق من ثبت تورطه في انتهاكات، سواء من رجال الأمن أو من المدنيين، مشيرا إلى أن "أكثر المعتقلين حاليا هم من الأمن العام، وقد سبقت عليهم شكاوى موثقة، وبعضهم تم فصلهم من الخدمة".

وأشار شريفة إلى أن "200 عنصر على الأقل تم فصلهم قبل شهرين فقط من أجهزة الأمن بسبب ارتكابهم تجاوزات سلوكية"، ما يعكس – بحسب تعبيره – تحولا استراتيجيا في منهج الدولة تجاه ضبط الأداء الأمني.

الفوضى الفصائلية جنوبا: إسرائيل في العمق؟

يعتقد شريفة أن المشهد الأمني المتفلت في الجنوب، وتحديدا في السويداء ودرعا، لا يمكن فصله عن ما وصفه بـ"الممانعة الإسرائيلية لتنظيم المشهد الأمني"، ويرى أن تل أبيب تسعى لتعطيل أي اتفاق قد يفرض سيطرة الدولة السورية الكاملة على الجنوب.

وأوضح شريفة أنه "منذ شهور، هناك مفاوضات سورية إسرائيلية لتوقيع اتفاقية أمنية، لكن إسرائيل تحاول إفشالها عبر الفوضى"، مضيفا أن تل أبيب تسعى لتحويل الجنوب السوري إلى "حديقة خلفية" لأجندتها الأمنية.

واستشهد شريفة بسوابق مماثلة حين قصف الجيش الإسرائيلي مواقع للجيش السوري عندما تدخل لضبط الأمن في مدن مثل جرمانا وصحنايا، معتبرا أن إسرائيل "لا تريد للسوريين أن يحكموا أنفسهم، بل أن تبقى المناطق في حالة تشظٍ وفوضى".

السويداء بين الدولة والفصائل: معركة الشرعية والتمثيل

تعتبر طبيعة السيطرة داخل السويداء من أبرز النقاط الخلافية، وحول ذلك كشف شريفة أن الدولة السورية عرضت أكثر من مرة على قادة الفصائل هناك الانخراط ضمن هيكل رسمي يتبع وزارة الدفاع، بهدف توحيد السلاح وإنهاء تعدد المجموعات، لكن هذه المبادرات – وفق قوله – قوبلت بالرفض من قبل بعض القيادات مثل الشيخ حكمت الهجري ومجلسه العسكري.

وفيما يصرّ شريفة على أن "90 بالمئة من المجتمع المدني والعسكري في السويداء يقف إلى جانب الدولة"، يتهم جهات بعينها بالسعي إلى "تقاسم السلطة" وليس المشاركة فيها، قائلا: "هناك من يريد أن يتحول إلى الحاكم الأوحد للدروز، أو لأكراد سوريا، وهو ما ترفضه الدولة باعتبار أن ذلك يهدد وحدة البلاد ويغذي مشاريع فيدرالية خطيرة".

إسرائيل والدروز: حماية أم ورقة سياسية؟

في رده على ما يُشاع عن أن إسرائيل تسعى لحماية دروز سوريا، انتقد شريفة ما وصفه بـ"الازدواجية" في خطاب تل أبيب، مشيرا إلى أن إسرائيل لم تحرك ساكنا عندما ارتُكبت مجزرة داعش بحق أبناء الطائفة الدرزية في 2019، والتي راح ضحيتها أكثر من 150 شخصا.

وشدد شريفة على أن "إسرائيل لا تحمي دروز سوريا، بل تسعى لابتزازهم سياسيا وتوظيفهم كورقة في صراعها مع الدولة السورية"، مضيفا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "يستغل الورقة الدرزية لتصدير أزماته الداخلية".

وفي ما يمكن اعتباره تشخيصا سياسيا أعمق، يرى شريفة أن بعض القوى التي نشأت خلال سنوات الحرب – سواء في الشمال أو الجنوب – بنت لنفسها نفوذا اقتصاديا وعسكريا، وتحوّلت إلى "أجهزة موازية"، تسعى لاقتسام السلطة مع الدولة، وليس فقط للمطالبة بالحقوق.

ووفق شريفة فإن "هذه القوى تحاول فرض نموذج يشبه الفيدراليات، وهو ما تراه الدولة تهديدا مباشرا لوحدة سوريا".

السويداء كمؤشر: هل تنجح تجربة فرض الاستقرار؟

في ختام مداخلته، أشار شريفة إلى أن الحكومة السورية اليوم تقف أمام تحدٍ حقيقي لاختبار قدرتها على ضبط الأمن والاستقرار، كما فعلت في دمشق، التي تُدار اليوم – بحسب قوله – "بسبعة ملايين نسمة دون تجاوزات أمنية تُذكر، وبوجود سلمي لكل المكونات الدينية والمذهبية".

وتابع شريفة موضحا أنه "من غير المعقول أن تعجز الدولة عن فرض الأمن في السويداء، ذات الثلاثمئة ألف نسمة، إذا ما توفرت الإرادة وتعاونت الفصائل".

الجنوب السوري بين الاختبار والفرصة

تكشف تطورات السويداء عن مرحلة دقيقة تمر بها سوريا، إذ لم يعد الحديث فقط عن انفلات أمني أو تعدد فصائل، بل عن توازنات داخلية وإقليمية تحكم مشهد الجنوب.

فبين اعتراف الدولة بالمسؤولية، وبين اتهام إسرائيل بالسعي لتفجير المشهد، تتضح معركة النفوذ والصورة الرمزية: من يمسك بالجنوب يملك مفتاحا مهما لمعادلة ما بعد الحرب.

والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم: هل تنجح دمشق في تحويل ما يجري في السويداء إلى فرصة لتثبيت شرعيتها مجددا، أم أن تعقيدات الداخل وتدخلات الخارج ستجعل من ملف الأقليات تحديا دائما على طاولة السلطة؟

سكاي نيوز المصدر: سكاي نيوز
شارك

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا اسرائيل سوريا بشار الأسد

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا