آخر الأخبار

التحقيق مع أسامة نجيم.. هل بدأت طرابلس بتفكيك الدولة الأمنية الموازية؟

شارك





طرابلس- في سابقة وصفت بالمفصلية في المشهد الأمني الليبي، شرعت النيابة العامة بحكومة الوحدة الوطنية في التحقيق مع أسامة نجيم، أحد أبرز القيادات الأمنية بجهاز "الردع" المختص بمكافحة "الإرهاب والجريمة المنظمة"، وذلك بعد سنوات من اتهامات موثقة بانتهاكات جسيمة داخل سجن "معيتيقة" الذي يخضع لسيطرة الجهاز.

وتزامن التحقيق مع قرارات مفاجئة بالإفراج عن عدد من المحتجزين في السجن ذاته، ما فتح باب التساؤلات حول ما إذا كانت هذه التطورات تشير إلى بداية تفكيك "الدولة الأمنية الموازية" التي تشكلت بعد الثورة ، أم أنها لا تتعدى محاولات لامتصاص ضغوط داخلية ودولية متصاعدة.

مصادر قضائية ليبية أكدت للجزيرة نت أن التحقيق مع نجيم تم بعد رفع الحصانة عنه، وبتنسيق مع قيادة جهاز "الردع"، إلا أن التوقيت لفت الأنظار، إذ تزامن مع الإفراج عن معتقلين صدرت بحقهم أحكام بالبراءة دون تنفيذها لسنوات.

مذكرة توقيف

وفي حديث خاص للجزيرة نت، أشار المحامي فيصل الشريف إلى أن "الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية أصدرت في 18 يناير/كانون الثاني 2025 مذكرة توقيف بحق أسامة نجيم بتهم تتعلق بجرائم ضد الإنسانية ، بينها القتل والتعذيب والاغتصاب".

وأضاف الشريف أن "قرار المحكمة الدولية جاء بناء على وثائق وشهادات وبلاغات لضحايا لم يتمكنوا من اللجوء إلى القضاء المحلي خوفا من الانتقام، وأن الإفلات من العقاب في الداخل دفعهم إلى اللجوء للعدالة الدولية".

وعاد ملف حقوق الإنسان في ليبيا مجددا إلى واجهة الاهتمام الدولي، خاصة بعد الإحاطة التي قدمها المدعي العام ل لمحكمة الجنائية الدولية كريم خان أمام مجلس الأمن في مايو/أيار الماضي، والتي تناول فيها علنا قضية أسامة نجيم، ودعا السلطات الليبية إلى التعاون الكامل في تنفيذ مذكرة التوقيف.

إعلان

وتزايدت حدة الضغوط بعد ما كشفته صحيفة "إل مانيفيستو" الإيطالية يوم 10 يوليو/تموز الجاري، عن وثائق رسمية تؤكد أن وزارة العدل الإيطالية كانت على علم بتوقيف نجيم في مدينة تورينو، عكس ما صرح به وزير العدل كارلو نورديو للبرلمان.

وبحسب الصحيفة، أصدرت رئيسة ديوان الوزير تعليمات باستخدام وسائل اتصال مشفرة والحفاظ على السرية، قبل أن يتم ترحيل نجيم إلى ليبيا عبر طائرة رسمية، دون إحالته إلى المحكمة الجنائية الدولية ، مما أثار اتهامات بالتستر وغضبا واسعا داخل الأوساط السياسية الإيطالية.

وطالبت أحزاب المعارضة باستقالة وزير العدل، ودعت لجلسة طارئة بحضور رئيسة الوزراء جورجا ميلوني ، وسط انتقادات لحكومة روما بالتقاعس في تنفيذ التزاماتها الدولية.



موقف حكومة الوحدة

في مقابلة تلفزيونية مع قناة "ليبيا الأحرار" بُثت في 6 يوليو/تموز الجاري، أكد رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة أن حكومته "عازمة على إصلاح المنظومة الأمنية وإنهاء التجاوزات داخل السجون"، مشيرا إلى أن "أي انتهاك للحقوق لن يقبل تحت أي مبرر".

ويأتي هذا الموقف في ظل تقارير متكررة لمنظمات حقوقية دولية مثل هيومن رايتس ووتش و العفو الدولية ، وضعت سجن معيتيقة تحت المجهر، متهمة القائمين عليه بممارسة الاحتجاز التعسفي والتعذيب.

وفي هذا السياق، قال الناشط الحقوقي جمال الفلاح للجزيرة نت إن "التحقيق مع نجيم خطوة إيجابية لكنها غير كافية، وقد تبقى شكلية إن لم تتبعها محاسبة حقيقية"، مشيرا إلى أن النفوذ الكبير لبعض الشخصيات الأمنية يجعل إدانتهم قضائيا داخل ليبيا أمرا بالغ الصعوبة.

كما أشار إلى امتلاك منظمات حقوقية محلية وأممية شهادات تتعلق بتورط نجيم في جرائم تعذيب وتهريب أموال ومهاجرين، داعيا الحكومة الليبية إلى تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية كخطوة جدية نحو العدالة.



ضعف المساءلة

من جانبه، قال مدير منظمة "رصد الجرائم في ليبيا" علي عمر ، إن التحقيق مع نجيم جاء "متأخرا للغاية"، وهو يعكس "فشل السلطة القضائية في توفير الحماية للشهود أو جمع الأدلة، وتكريس مناخ الإفلات من العقاب".

وأكد عمر، في تصريح للجزيرة نت، أن منظمته وثقت عشرات حالات الانتهاك داخل سجن "معيتيقة"، بينها تعذيب تسبب في إعاقات دائمة، وأخرى أودت بحياة الضحايا، مشيرا إلى أن النيابة العامة لم تتواصل معهم رغم امتلاكهم أرشيفا كاملا من الشهادات والتقارير.

وكان النائب العام قد أصدر في 17 يونيو/حزيران الماضي قرارا بتشكيل لجنة لحصر المحتجزين في سجن "معيتيقة" والتثبت من قانونية احتجازهم. واعتُبر القرار -رقم 265 لسنة 2025- اعترافا رسميا بغياب الرقابة القضائية داخل السجن، ووجود معتقلين منذ سنوات دون سند قانوني، رغم صدور أحكام نهائية ببراءتهم.

إعلان

وتزامن القرار مع إطلاق سراح عدد من المعتقلين في خطوة وُصفت بأنها محاولة لتهدئة الاحتقان المحلي والدولي، لكن مراقبين يرون أنها استجابة جزئية لا ترقى إلى مستوى إصلاح شامل للمنظومة الأمنية.



مفترق طرق

وسط تصاعد الضغوط الدولية، تجد حكومة الوحدة الوطنية نفسها أمام خيارين: إما التوجه الجدي نحو تفكيك الأجهزة الأمنية الموازية، أو الاكتفاء بإجراءات شكلية تعيد إنتاج النظام الأمني القديم بصيغة جديدة.

ويرى المحامي فيصل الشريف أن تخلي جهاز "الردع" عن حماية نجيم قد يكون مؤشرا على سعيه لتجنب الظهور بمظهر المتورط، لا سيما في ظل احتمالات ملاحقة جماعية لبعض كوادره.

ويضيف الشريف أن الوضع السياسي الراهن، وربط المجتمع الدولي بين تحسين ملف حقوق الإنسان والذهاب نحو انتخابات شاملة، قد يجعل من قضية نجيم اختبارا حقيقيا لقدرة الحكومة على الالتزام بالإصلاح، أو الاستمرار في سياسة الترضيات.

ويرى مراقبون أنه في خضم هذه المعطيات، تظل التساؤلات قائمة: هل ستتحول محاسبة نجيم إلى بداية فعلية لتفكيك الدولة الأمنية البديلة؟ أم أننا أمام محاولة لإعادة تموضع هذه الدولة تحت غطاء قانوني جديد؟.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا