لم تكن دول مجلس التعاون الخليجي تتمنى أو تريد الحرب الإسرائيلية ـ الإيرانية. وقد أعلنت مرارًا أنها تدعم السلام والاستقرار في المنطقة، بل ساعدت بعضُ دول المجلس على إعادة المفاوضات الأميركية ــ الإيرانية حول الملف النووي؛ تفاديًا لحدوث مواجهات مسلحة بين الطرفين، أو مضي الولايات المتحدة في فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على إيران.
وقبل أكثر من عامين، اتخذت المملكة العربية السعودية خطوات إيجابية حيال إيران، عندما تم توقيع اتفاقية سعودية ـ إيرانية برعاية صينية في العاصمة بكين يوم 10 مارس/آذار 2023. تم بمقتضاها تفعيل التعاون في مجالات: الأمن، الاقتصاد، التجارة، العلوم، الثقافة، والرياضة، إضافة إلى أن هذه الاتفاقيات خففت من حالة التوتر التي كانت سائدة قبل توقيعها، وأحدثت انفراجة في عددٍ من الملفات، وعززت الثقة بين الجانبين بما يساهم في إتاحة فرص أفضل باتجاه علاقات أكثر قوة واستقرارًا، ويحدوها الأمل دائمًا في إقامة علاقات طبيعية وشراكة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ تقوم على أسس علاقات حسن الجوار والأخوة، بدون أي حساسيات.
وفي الأزمة الحالية وقفت دول مجلس التعاون الخليجي بإيجابية مع إيران، ورفضت الحرب بشكل قاطع وصريح، ووجدت هذه المواقف ترحيبًا من وزارة الخارجية الإيرانية حيال بيان الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، ونقلت وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء عن المتحدث باسم وزارة الخارجية إسماعيل بقائي ترحيبه ببيان الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الذي أدان العدوان الإسرائيلي على أراضي إيران وسيادتها الوطنية، وانتهاك القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة.
وقال بقائي: "إن انعقاد الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية مجلس التعاون يعكس التفاهم المشترك لدول المنطقة بشأن ضرورة التحرك العاجل على المستويين؛ الإقليمي، والعالمي لوقف الحرب والعدوان على إيران".
وقبل الحرب التي نشبت بين إسرائيل وإيران كانت دول مجلس التعاون، قد أعادت النظر في تموضعها السياسي ومواقفها الإستراتيجية قبل تطور الأزمة الراهنة بفترة زمنية. فقد سعت دول المجلس لتحسين علاقاتها مع إيران، وتجاوز التوتر والصراع، وتبني محاولات بناء الثقة، وإعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية، وتعميق التبادل التجاري.
وكان على رأس هذا التحرك جهود المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات، ومملكة البحرين الهادفة لتطبيع العلاقات مع إيران، والتمسك بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية. لذا فإن الأزمة الراهنة جاءت على خلفية حدوث تغيير جذري في الموقف الخليجي تجاه إيران، حيث لم تعد إيران دولة عدوة أو مصدر تهديد فعلي.
وعلى صعيد العلاقات السعودية ـ الإيرانية، فإن المملكة العربية السعودية تنتهج إستراتيجية تراهن على الاستقرار الاقتصادي والسياسي في المنطقة، ولا ترغب في التصعيد، ولديها نموذج ثابت قائم على احترام السيادة والاستثمار في البنية المؤسسية، ولا يقوم على الاحتواء الطائفي، أو أجندة سياسية غير معلنة، إنما تعتمد سياستها على مبدأ "الوضوح والشفافية والمؤسساتية"، وتنطلق من أسس احترام السيادة الوطنية، وعدم التدخل في شؤون الغير، ودعم البنية المؤسسية للدول الشقيقة والصديقة.
والمملكة تدرك أهمية دورها كونها حاضنة للمقدسات الإسلامية، وبها قِبلة المسلمين جميعًا، وأن قبولها ورصيدها لا يصطدم بحساسيات دينية، كما هو الحال مع بعض الدول الأخرى، لذلك تنتهج المملكة حيال إيران وكافة دول المنطقة سياسة رصينة ثابتة تتحرك بواقعية، وتضع نصب عينيها استقرار المنطقة، ودعم مسيرة التنمية والرخاء والرفاهية لشعوبها.
ومن هذا المنطلق برز الموقف الخليجي الموحد تجاه المواجهة الإسرائيلية – الإيرانية العسكرية الراهنة. فجميع دول مجلس التعاون، والأمانة العامة للمجلس، أعلنت رسميًا رفضها القاطع للعدوان الإسرائيلي على سيادة وأراضي إيران، وسعت لتحقيق وقف إطلاق النار، والعودة إلى المسار التفاوضي الذي كان قائمًا برعاية خليجية، وأعلنت جميع دول الخليج منذ بداية الأزمة أنها لن تكون طرفًا في أي صراع مسلح، بشكل مباشر أو غير مباشر. ولن تسمح لأي طرف باستخدام أراضي، أو مياه، أو أجواء دول الخليج للعدوان على أي دولة أخرى، وهذا التحريم يشمل الدول الحليفة والتي تمتلك قواعد أو تسهيلات عسكرية على الأراضي الخليجية.
لذا نجد أن الموقف الخليجي واضح المعالم وموحد في مضمونه ومطالبه، وهو داعم لإيران التي أصبحت ضحية لعدوان خارجي، وفي الوقت نفسه فإن دول مجلس التعاون الخليجي تريد الحل السلمي في التعامل مع البرنامج النووي الإيراني، وتعارض نشاطات البرنامج غير السلمية أو العسكرية، وتدعو لوجود متطلبات الرقابة والقيود الدولية المفروضة على جميع الدول الأعضاء في اتفاقية الحد من التسلح النووي والتي تشارك إيران عضويتها والتزاماتها مع جاراتها دول الخليج العربي.
وبهذا، فإن الموقف الخليجي من الناحية الأمنية محدد المعالم والالتزامات مسبقًا وقبل بداية الصراع المسلح بين إسرائيل وإيران، ولا يوجد -من ثم- مبرر لتوريط دول الخليج العربية في هذه المواجهة العسكرية.
وفي المقابل وفي ظل الموقف الحيادي الصارم الذي تبنته دول مجلس التعاون في هذا الصراع، تحتفظ دول المجلس بحق الدفاع عن النفس وحق حماية أراضيها ومجتمعاتها ومنشآتها ومكاسبها الاقتصادية من أي نوع من التهديدات أيًا كان مصدرها، وبجميع الوسائل الممكنة، وترفض الاستقطاب.
وترفض دول الخليج كذلك رفضًا قاطعًا أي مزايدة على مواقفها المعلنة والصريحة والجادة التي تهدف إلى دعم استقرار المنطقة، وعدم الزج بها في أتون حروب عسكرية مدمرة تضر بالاقتصاد العالمي، خاصة أن المنطقة تعد من أهم مصادر الطاقة في العالم، كما تدعو دول الخليج لإنهاء الحرب فورًا، وتطالب الأطراف المعنية بالتوقف عن الأعمال العسكرية، وتدعو الدول الكبرى والأمم المتحدة إلى التدخل السريع لإيقاف التدمير وقتل الأبرياء وهدم البنى التحتية، والتصرف بمسؤولية حيال ما يجري من تصعيد خطير بين إسرائيل وإيران.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.