آخر الأخبار

سوريا وإسرائيل: اعتقال فريق بي بي سي على مشارف القنيطرة

شارك
مصدر الصورة

كان صباحا ربيعياً هادئاً في التاسع من أيار/مايو في سوريا، عندما انطلق فريق بي بي سي من دمشق نحو بلدة نوى في محافظة درعا جنوبا، للتوجه من هناك إلى تخوم مرتفعات الجولان السورية المحتلة منذ عام 1967. كنا فريقاً مكوناً من سبعة أشخاص: أنا كمراسل أحمل الجنسية البريطانية، واثنان عراقيان من مكتب بي بي سي ببغداد، وأربعة سوريين – ثلاثة منهم يعملون بشكل حر، ومصور بي بي سي في دمشق

كان الهدف إعداد تقرير عن سعي الحكومة السورية الجديدة، برئاسة أحمد الشرع، ﻹعادة بناء الجيش السوري، بعد انهياره في أعقاب فرار بشار اﻷسد في كانون اﻷول/ديسمبر الماضي، وتدمير إسرائيل لكثير من قدراته، وإعلانها إنشاء منطقة آمنة على طول الشريط الحدودي للجوﻻن، وسيطرتها على مدينة القنيطرة وقمة جبل الشيخ التي تطل على مناطق واسعة من سوريا ولبنان واﻷردن وإسرائيل.

من نوى، توجهنا إلى بلدة الرفيد الحدودية، حيث توقفنا للتصوير قرب أحد مقرات قوات الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (الأندوف)، على مقربة من السياج الفاصل مع الجولان. تحدثتُ إلى مسؤولة في القوة، وطلبتُ منها الإذن بالتصوير داخل المقر أو تنظيم جولة مع القوة الدولية في المنطقة. اعتذرت وأخبرتنا أن الأمر غير متاح حاليا، وأن الجانب الإسرائيلي استفسر عن هويتنا، وتم إبلاغه أننا فريق تابع لقناة بي بي سي.

أكملنا جولتنا في المنطقة التي بدت خالية تماما من أي وجود أمني سوري، مع بقاء التمركز الإسرائيلي مقتصرا على احتلال المناطق المرتفعة التي أقيمت فيها نقاط مراقبة دائمة.

قررنا بعد ذلك التوجه شمالا بمحاذاة خط الحدود صوب مدينة القنيطرة، لكن الطريق المؤدي إليها كان مغلقا من الجانب الإسرائيلي، فسلكنا طريقا بديلا باتجاه بلدة خان أرنبة، ومن هناك إلى القنيطرة.

وقبل بضعة كيلومترات من القنيطرة، بدأت آثار الدبابات الإسرائيلية تظهر بوضوح على طول الطريق، فيما امتدت الأسلاك الشائكة على جانبيه، دون أن يُلاحظ أي وجود عسكري إسرائيلي في المنطقة.

مصدر الصورة

توقيف وتفتيش

وعلى بُعد حوالي مائتي متر، اقتربتُ مع أحد الزملاء لاستكشاف المكان، فلاحظنا حاجزا شبيها بالحواجز التي تنتشر في الضفة الغربية. كتلتان إسمنتيتان، وعارضة حديدية صفراء تقطع الطريق. وعلى يمينها، كان هناك بضع دبابات ميركافا يعلو إحداها العلم الإسرائيلي.

بعد تجاوز الحاجز بنحو مئة متر، لاحظنا برج مراقبة يعتليه جنديان إسرائيليان. أشار زميل لي لأحدهما محاولاً إبلاغه بأننا فريق صحفي عبر رفع بطاقته الصحافية، لكنه كان يراقبنا عبر منظار عسكري دون أن يبدي أي رد فعل.

عدتُ إلى السيارة وطلبتُ من المصور أن يأتي بالكاميرا على أمل أن ننجز عملنا سريعا ونغادر، وبدأ بالفعل بتصويري وأنا أشرح ما تغير في المنطقة منذ سقوط الأسد، من سيطرة لإسرائيل على هذه المنطقة ورفضها القاطع لإعادة بناء الجيش السوري، ولا سيما في درعا والقنيطرة والسويداء.

لم أكد أنتهي من التصوير حتى لاحظت سيارة بيضاء تقترب من الجهة الأخرى من العارضة، وترجل منها أربعة جنود إسرائيليين ببنادقهم وركضوا باتجاهنا وأحاطوا بنا والبنادق مُصوَّبة إلى رؤوسنا. طلبوا وضع الكاميرا بعيداً على جانب الطريق. حاولتُ أن أشرح أننا فريق من بي بي سي، لكن الأمور تصاعدت بسرعة غير متوقعة.

خلال ثوان، استطعت إرسال رسالة إلى الإدارة مفادها أن الجيش الإسرائيلي أوقفنا، وبعدها بلحظات صودرت هواتفنا ومعداتنا الالكترونية كلها. خضعت سيارتنا لتفتيش دقيق بعد وصول دورية إسرائيلية أخرى من أربعة جنود على متن عربة همر.

مصدر الصورة

الفريق مقيد ومعصوب الأعين

مصدر الصورة

نُقلنا إلى الجانب الآخر من العارضة، وجرى تفتيشنا بسرعة. طلبوا منا بعدها أن نقود سيارتنا خلفهم، فسارت الهمر أمامنا وسيارة أخرى خلفنا. قطعنا مدينة القنيطرة وتوقفنا عند النقطة الحدودية التي تفصل القنيطرة عن الجولان. هناك، بدأ الجنود بمراجعة الصور الملتقطة، بينما صوَّب أحدهم بندقيته إلى رأسي من مسافة أربعة أمتار. استمر الأمر على هذا الحال لأكثر من ساعتين،أُرسلت خلالهما الصور التي عثروا عليها في الكاميرا إلى داخل الجولان المحتل، وبعد نحو ساعة طلب مني أحد الجنود الترجل من السيارة والحديث عبر هاتف محمول.

لم أعرف من هو الشخص الذي كان يتحدث إلي بعربية ركيكة، ولا لأي جهاز أمني يتبع. سألني لماذا نُصوٍّر مواقع تمركز القوات الإسرائيلية، فشرحت له طبيعة عملنا، وأبلغته أنني زُرتُ إسرائيل في مهام صحفية أكثر من عشر مرات، وأحمل جواز سفر بريطاني. وعدني بنقل التفاصيل للضابط المسؤول ليأخذ قرار بشأننا، فعدتُ إلى السيارة وأعيد توجيه البندقية باتجاه رأسي.

بعد انتظار دام ساعة إضافية، وصلت سيارة أخرى من داخل الحدود، ونزل منها عناصر يُرجّح أنهم من جهاز أمني إسرائيلي، بناءً على لون زيّهم الذي لم يكن عسكريًا. عند هذه النقطة، أخذت الأمور منحى غير متوقع وسريع التدهور، حيث أخرج العناصر من السيارة عصبات وأصفادًا بلاستيكية، وطلبوا مني أن أكون أول من يترجل.

كان همي الأكبر يتركز على أعضاء الفريق، فأربعة منهم سوريون واثنان عراقيان، وقد يواجهون مشاكل كبيرة إذا اعتُقلوا ونُقلوا إلى داخل إسرائيل.

سريعاً جرى نقاش بين قائد المجموعة ومرافقيه، اقتادني بعدها قائد المجموعة، الذي يتحدث اللهجة الفلسطينية بطلاقة، من يدي باتجاه إحدى الغرف التي كان يستخدمها الجيش السوري عند المعبر. الأرض مليئة بالزجاج المكسر والأوساخ. وبدا واضحًا أنهم قرروا اتباع أسلوب "المحقق الجيد والمحقق السيئ". أخبرني أنهم سيتعاملون معي بشكل مختلف، وأنه لن يتم تقييدي أو تعصيب عيني، بخلاف ما سيحدث مع بقية أعضاء الفريق.

لم أصدق ما قاله وسألته لماذا تقومون بذلك وأنتم تعلمون أننا فريق صحفي يتبع لبي بي سي؟ أخبرني أنه يريد المساعدة لإخراجنا بسرعة وأن علينا الالتزام بما يطلبونه. بعدها بلحظات دخل عنصر آخر وطلب مني أن أخلع كل ملابسي عدا الداخلية. رفضت بداية، لكنهم أصروا وهددوا بالأسوأ من دون أن يوضحوا ماذا يقصدون. خلعت الملابس، فنظر داخل لباسي الداخلي من الأمام والخلف. فتّش ملابسي بدقة شديدة، ثم طلب مني ارتداءها مجددًا، وشرع في تحقيق مفصل شمل حتى معلومات شخصية عن أبنائي وأعمارهم.

خرجت لاحقًا من الغرفة لأُفاجأ بمشهد صادم: أفراد الفريق مقيّدون ومعصوبي الأعين. رجوت قائد المجموعة أن يفرج عنهم، فوعد بذلك بعد انتهاء التحقيق. ثم اقتيدوا واحدًا تلو الآخر إلى الغرفة نفسها لاستجوابهم.

كانوا يخرجون مقيدين لكنهم لم يكونوا معصوبي الأعين، واستمرت هذه العملية لأكثر من ساعتين، خلالها فُحصت كافة الهواتف المحمولة، ومُسحت صور كثيرة كانت بعضها شخصية، كما فُحصت أجهزة الكمبيوتر المحمولة أيضاً.

حل الظلام، وبعد ان انتهى قائد المجموعة من التحقيق جاء إلينا، وهددنا بالأسوأ إن اقتربنا مجدداً من الحدود الإسرائيلية. أكد لنا أن كل الصور المرتبطة بالمواقع التي زرناها قد مُسحت من الكاميرا والهواتف، وهددنا بأنه يعرف كل تفاصيلنا وسيصل إلينا إن نُشرت أي صورة كانت مخبأة ولم تُمسَح.

بعد نحو سبع ساعات من توقيفنا، وقد تجاوزت الساعة التاسعة مساءً، أقلّتنا سيارتان إلى خارج المدينة لمسافة تقارب الكيلومترين. توقفتا في منطقة ريفية نائية، ثم ألقيت باتجاهنا حقيبة تحتوي على هواتفنا المحمولة، قبل أن تنطلقا مبتعدتين.

بقينا تائهين في الظلام من دون تغطية للهاتف أو إنترنت أو أدنى فكرة عن مكاننا، واصلنا القيادة حتى وصلنا إلى قرية صغيرة. أشار إلينا بعض الأطفال المحليين إلى الطريق السريع، محذّرين من أن أي انعطاف خاطئ قد يعرّضنا لنيران إسرائيلية. بعد عشر دقائق متوترة، وجدنا الطريق. وبعد خمسة وأربعين دقيقة، وصلنا دمشق.

قدّمت بي بي سي شكوى رسمية إلى الجيش الإسرائيلي احتجاجًا على ما تعرّض له فريقنا، لكنها لم تتلقَ أي رد حتى تاريخ نشر هذا التقرير.


*
*
*
بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا