في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
طهران- على وقع التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة وإيران منذ إعلان جماعة أنصار الله الحوثيين اليمينة عزمها استهداف السفن الإسرائيلية ردا على منع دخول المساعدات إلى غزة، استأنف الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم الثلاثاء، عدوانه على القطاع المحاصر بما ينذر بدحرجة كرة النار في الإقليم.
فبعد سلسلة اغتيالات نفذتها مسيّرات كيان الاحتلال جنوبي لبنان وقطاع غزة خلال الأيام والأسابيع الماضية، صعّدت تل أبيب انتهاكاتها للهدنة في غزة بالتزامن مع العمليات العسكرية الأميركية على مواقع الحوثيين في اليمن، والتي فسرت بطهران على أنها ضوء أخضر لتجدد العدوان على القطاع المحاصر.
وإذا كان بلوغ مفاوضات تمديد الهدنة بين الجانب الإسرائيلي وحركة حماس إلی طريق مسدود سببا معلنا وراء استئناف القصف على قطاع غزة ، فإن المتابع للشأن الإسرائيلي يبحث -قبل كل شيء- في الأزمة السياسية التي تنهش جسد الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وعدم جدوى قصفه المتواصل على سوريا في إنقاذ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من عقبة المحاكمة.
يأتي ذلك إثر تجدد الغارات الأميركية بين الفينة والأخرى على أهداف بالعاصمة صنعاء وعدة محافظات يمنية أخرى، واستهداف الحوثيين حاملة الطائرات الأميركية "يو إس إس هاري ترومان" أكثر من مرة، ما أدى إلى أن يتوعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه "سيُنظر إلى كل طلقة يطلقها الحوثيون على أنها خرجت من أسلحة وقيادة إيران، وستتحمل إيران المسؤولية وستواجه عواقب وخيمة".
ويرى مراقبون إيرانيون في موقف ترامب الذي يحمّل بلادهم مسؤولية العمليات التي يقوم بها الحوثيون "فرصة ثمينة لتل أبيب" لاستدراج الجانب الأميركي إلى حرب تكون إيران أحد طرفيها، ذلك لأن استئناف العدوان على غزة كفيل بعودة العمليات اليمنية نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلی جانب تفعيل جبهة البحر الأحمر".
وترى هذه الشريحة في عودة الهجمات الإسرائيلية على غزة ذريعة محتملة لاستئناف فصائل المقاومة المتحالفة مع إيران عملياتها الإسنادية للقطاع المحاصر، إلى جانب زيادة ضغط الرأي العام على طهران لتنفيذ عملية "الوعد الصادق" الثالثة، ردا على استهداف إسرائيل عمق الجمهورية الإسلامية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
في غضون ذلك، يلمس السفير الإيراني السابق في النرويج وسريلانكا وهنغاريا، عبد الرضا فرجي راد، خشية إسرائيلية من تراجع التوتر بين واشنطن وصنعاء وراء القرار الإسرائيلي بتسخين جبهة غزة، مضيفا أن تل أبيب ترى فرصة المواجهة بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية مواتية، من خلال تحريض الجانب اليمني على استهداف أراضيها ومصالحها في البحر الأحمر.
وفي حديثه للجزيرة نت، يوضح فرجي راد، أنه إذا كان التوتر بين واشنطن وطهران لم يتجاوز عتبة التهديد والتهديد المقابل حتی الآن، فإن من شأن جبهة غزة أن تجعل الطرفين في مواجهة غير مقصودة، قد تؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية لا تخدم سوى الجانب الإسرائيلي.
وبرأي الدبلوماسي الإيراني السابق، فإن الإدارة الجمهورية لا تريد مواجهة غير مدروسة مع طهران، وأن موقف ترامب ضدها يأتي في سياق سياسة أقصى الضغط لاحتواء سلوك الحوثيين، مضيفا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يستغل موقف ترامب ليضعه أمام الأمر الواقع بمواجهة إيران، ذلك لأن التراجع أمام الجمهورية الإسلامية والحوثيين قد يكلفه ثمنا باهظا في الداخل الاميركي.
وتابع المتحدث أنه إثر الرسالة التي بعثها ترامب إلى المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي ، وإعلان طهران أنها سترد عليها بعد المراجعة والتحقيق، يسعى نتنياهو جاهدا لإفشال سياسة تبادل الرسائل، وقطع الطريق على الوساطات الرامية إلى فتح قنوات الحوار بين طهران وواشنطن.
يرى السفير الإيراني السابق في الأردن نصرت الله تاجيك، أن الجانب الأميركي خُدع عندما أقحم نفسه في مواجهة مباشرة مع الحوثيين، قبل أن تُقْدم الجماعة على استهداف أي سفينة إسرائيلية في البحر الأحمر، ذلك لأن تهديدها كان للضغط نحو إدخال الغذاء والدواء إلى قطاع غزة المحاصر كمناشدة إنسانية.
وفي حديثه للجزيرة نت، يعتقد تاجيك أن "العمليات العسكرية على اليمن جاءت لعرض عضلات أميركا أمام القوى المنافسة، لا سيما الصين وروسيا وإيران، في البحر الأحمر والمحيط الهندي، لكنها ارتكبت خطأ عندما استبقت الأحداث بالبحر الأحمر، ما برر لجماعة الحوثي أن تقدم على استهداف أحد أساطيلها البحرية"، مضيفا أن "استئناف الحرب على غزة يهدف لثني ترامب عن اتخاذ قرار بالتراجع عن مواصلة المواجهة في البحر الأحمر".
ورأى أن المناورات البحرية المشتركة بين روسيا والصين وإيران في بحر عُمان، إلى جانب استضافة بكين مؤخرا اجتماعا دبلوماسيا بمشاركة نواب وزراء خارجية الدول الثلاث، لمناقشة القضايا المرتبطة ب البرنامج النووي الإيراني ، في ظل تصاعد التوترات مع الولايات المتحدة، قد أثار استياء الأخيرة وحدا بها أن تستعجل الهجوم على الحوثيين وتدخل المنطقة في دوامة توتر من جديد.
وفيما استبعد تاجيك احتدام التوتر بين إيران والولايات المتحدة، وتحوله إلى مواجهة مباشرة بينهما، حذر من المؤامرات الإسرائيلية الرامية إلى استغلال المظلة الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية، مؤكدا أن المنطقة بحاجة إلى تحرك دبلوماسي ينقذ أرواح الأبرياء في غزة، ويقطع الطريق على تل أبيب لإشعال النار في المنطقة.
يعتقد الباحث السياسي صابر كل عنبري أنه بعد مضي نحو شهرين على الهدنة ومبادلة الأسرى بين إسرائيل و حركة حماس بدأت تداعيات العدوان الإسرائيلي علی غزة تنكشف، وأن نتائج تحقيقات الجيش الإسرائيلي وضعت نتنياهو في مأزق خانق لم يجد أمامه مفرا سوى التخلي عن تعهداته في اتفاق الهدنة.
وفي تحليل نشره على قناته بمنصة "تليغرام" يرى عنبري أن حكومة نتنياهو أوشكت على السقوط بفعل الأزمة الداخلية الإسرائيلية، مضيفا أنه "لو كانت الحرب على غزة قد حققت الأهداف التي رسمها نتنياهو لما تعرض للضغوط الخانقة الراهنة".
ويساوي الباحث السياسي بين موافقة تل أبيب على المرحلة الثانية من الهدنة وقبول نتنياهو على الانتحار وانهيار حكومته، مؤكدا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي اختار تصدير الأزمة الداخلية للخارج من خلال تقديمه مقترحا بتمديد المرحلة الأولى من الهدنة بمساعدة ترامب، لكنه اصطدم بإصرار حماس على ضرورة تنفيذ اتفاق الهدنة بحذافيره.
وخلص إلى أن استئناف العدوان على غزة يهدف إلى فرض اتفاق على حماس، وخلق بيئة أمنية لتهميش الأزمة الداخلية، والحيلولة دون سقوط حكومة نتنياهو.