في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
وقع الرئيس السوري أحمد الشرع في 10 مارس/آذار 2025 اتفاقا مع القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية ( قسد ) مظلوم عبدي يقضي باندماج هذه القوات في الجيش السوري ومؤسسات الدولة الأخرى، والتأكيد على أن المجتمع الكردي مكون أصيل من مكونات الشعب والدولة.
وشمل الاتفاق ضم كافة المنطقة الواقعة تحت سيطرة قسد ضمن أجنحة الإدارة السورية الجديدة، بما في ذلك المعابر والمطارات وحقول النفط، إلى جانب عودة السوريين المهجّرين إلى بلداتهم وقراهم في شمالي شرقي سوريا، على أن يكتمل تنفيذ الاتفاق قبل نهاية العام الجاري.
وحول الاتفاق التاريخي وتداعياته على سوريا والمنطقة، نشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة بعنوان " تحول رئيسي.. نحو دمج قوات سوريا الديمقراطية في المؤسسات السورية "، ناقشت العوامل والقوى التي دفعت للتوصل إلى هذا الاتفاق، والتحديات المتوقعة أمام تنفيذه على أرض الواقع.
لم تتوقف اللقاءات بين قادة الدولة السورية الجديدة وقادة قوات سوريا الديمقراطية طوال الأشهر الثلاثة الماضية، ولم تتوقف معه مطالبات قسد بإقامة دولة سورية على أساس فدرالي، وتقاسم إنتاج الغاز والنفط، وضمان تمثيل المكون الكردي في الجيش ومراكز القيادة داخل الدولة، وهو ما يخفي النية وراء إقامة حكم ذاتي في منطقة لا يمثل فيها الأكراد غالبية السكان.
وبالتزامن مع انخراطها في المباحثات مع الإدارة السورية الجديدة، تواردت تباعا الأدلة حول تورط قسد في تقديم الدعم لفلول النظام السابق خلال المواجهات في مدينة اللاذقية ما بين 6 و9 مارس/آذار الجاري.
وتقدر دمشق أن عددا من الجنود الذين عملوا مع ماهر الأسد وفروا إلى مناطق سيطرة قسد، تلقوا دعما من قواتها للعودة لاحقا إلى اللاذقية والإسهام في تأجيج حركة العصيان التي قادها عدد من فلول النظام السابق.
وذهب مراقبون في دمشق إلى أن نجاح تحركات الساحل كان سيسهم في إطلاق تحركات مشابهة في شمال شرق سوريا وربما في السويداء ودرعا.
ما أثار الانتباه هو قرار قيادة قسد فجأة المتمثل في التوقف عن محاولات إضعاف الإدارة الجديدة في سوريا ورمي ثقلها بالكامل في طريق التفاوض، والخروج بتوقيع اتفاق وحدوي التوجه مع دمشق، وقد جاء توقيع الاتفاق بعد يوم واحد فقط من سيطرة الجيش السوري على مناطق التمرد في الساحل.
ومرد ذلك في المقام الأول هو نداء زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان يوم 27 فبراير/شباط 2025 للمسلحين الأكراد في تركيا إلى إلقاء السلاح وحل الحزب والانخراط في العمل السياسي.
وتأتي في المقام الثاني زيارة ضباط أميركيين إلى منطقة شرق الفرات ولقائهم قيادات من قسد لإخبارهم بقرب انسحاب القوات الأميركية من سوريا وحثهم على "العمل بجد" للتوصل لاتفاق مع دمشق، حتى إن صحيفة واشنطن بوست نشرت أن الضباط ساعدوا بالفعل في التوصل لاتفاق.
ويحل في المقام الثالث فشل حركة العصيان المسلح في الساحل السوري خلال أيام معدودة بمساعدة من قوات الأمن الداخلي والقوات التابعة لوزارة الدفاع وأهالي المحافظات السورية القريبة، رغم وجود بعض التجاوزات في حق المئات من المدنيين العلويين.
لم تسارع تركيا -على عكس باقي الدول العربية- إلى الترحيب بالاتفاق بين الإدارة السورية وقسد، ولم تصدر حتى الآن بيانا رسميا يوضح الموقف منه، وذلك لضلوعها مباشرة في القضية الكردية أكثر من أي دولة إقليمية أخرى.
وليس مستبعدا أن الحكومة التركية كانت على دراية بمجريات التفاوض مع قسد، لأنه يدخل في صميم أمنها القومي، وقد نقلت وكالة رويترز عن مسؤول تركي لم تسمه ترحيب أنقرة "الحذر" بالاتفاق وانتظارها تطبيق ما اتفق عليه.
وتنظر تركيا إلى قوات سوريا الديمقراطية بوصفها امتدادا لحزب العمال الكردستاني، ولذلك لا يوجد ما يدعو للاستغراب من لغة أنقرة المتحفظة، وستظل في انتظار استجابة الحزب لنداء أوجلان السياسي والمبادرة بإلقاء السلاح.
ويبدو أن بنود الاتفاق قد أوقعت خيبة أمل لدى إسرائيل وإيران، فقد أسست تل أبيب مقاربتها على أساس أن النظام السوري الجديد يمثل تهديدا لأمن إسرائيل، في حين لا تزال بعض الدوائر في نظام حكم الجمهورية الإسلامية تأمل في إفشال النظام الجديد في دمشق.
وسعت تل أبيب بصورة حثيثة إلى إقناع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعدم سحب القوات الأميركية الموجودة في شرق الفرات، كما صرح وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس باستعداد إسرائيل لإقامة علاقات تعاون مع الأكراد في شمالي شرقي سوريا وتوفير الحماية للدروز في السويداء.
وأما الدوائر الناقمة على سقوط نظام الأسد في إيران، فقد علقت على الأرجح آمالا كبيرة على قسد لتوفير الحماية والدعم لمعارضي دمشق، أو تأجيج مواجهة جديدة مع الإدارة الجديدة.
ومع توقيع الاتفاق بين قسد والإدارة السورية تكون تل أبيب قد تلقت ضربة مؤلمة لمخططاتها بالإبقاء على سوريا ضعيفة ومجزأة، وتكون طهران قد خسرت حليفا كبيرا محتملا لاستعادة نفوذها في سوريا.
يوحي نص الاتفاق بالتزام إدارة الشرع بالحفاظ على وحدة البلاد والمواطنة المتساوية والعمل على تمثيل كافة مكونات الشعب السوري في الحكم، كما لم يرد في النص أي إشارة للتقسيم الإدراي أو السيادي.
لكن النص وُضع بصيغة عامة تخلو من أي تفاصيل حول عملية اندماج قوات سوريا الديمقراطية وأجهزتها، كما أنه منح لتنفيذ هذا الاتفاق فترة طويلة نسبيا تصل إلى نهاية العام الجاري.
ويرى المتحفظون على الاتفاق أن حزب العمال الكردستاني سبق أن توصل إلى اتفاقين مع الحكومة التركية عامي 2013 و2015 لوقف إطلاق النار، لكنه عاد ونكص على عقبيه في المرتين، ولا يوجد ما قد يمنع قسد من القول إن نص الاتفاق الداعي إلى وحدة سوريا لا يتعارض مع إقامة نظام حكم لا مركزي أو مع اندماج قوات قسد في الجيش السوري مع المحافظة على التشكيلات الحالية للقوات كما هي.
وتكمن المشكلة في أن قرار قسد ليس بالضرورة في يد قادتها المعروفين مثل مظلوم عبدي، بل هو في النهاية قرار قادة حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل، وهناك شكوك حقيقية حول تخليهم عن تجربة الحكم الذاتي في سوريا، خاصة مع نجاح قسد منذ 2015 في نسج علاقات دولية مع الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا.
ويوحي تلكؤ بعض القيادات الكردية -بالرغم من إبداء موافقتهم على نداء أوجلان- بأنه لا توجد ضمانات لعدم حدوث ارتداد ونكوص عن مسار حل المسألة الكردية بشكل ما، لكن مناخا من التفاؤل الحذر لا يزال قائما بشأن منعطف تاريخي بشأن المسألة الكردية.
على الرغم من المخاوف التي تحف بالاتفاق، فإنه لا يمكن التقليل من أهميته ولا من اعتباره لحظة تاريخية وإنجازا كبيرا لإدارة الشرع، فمجرد التوقيع على الاتفاق في هذه اللحظة المبكرة والحرجة من عمر سوريا الجديدة، هو في حد ذاته رافعة هائلة لجهود النهوض بسوريا والحفاظ على وحدتها.
ويحمل توقيت الاتفاق دلالة رمزية مهمة تتمثل في توقيعه بعد 4 أيام فقط من اندلاع العصيان المسلح في الساحل السوري، وما أثاره من قلق جمعي وتشاؤم متصاعد حول المستقبل، ليأتي بمثابة تجديد ثقة في الإدارة الجديدة وقدرتها على فرض السيطرة على كامل الأراضي السورية.
كما أعلن في اليوم التالي لتوقيع الاتفاق عن التوصل إلى تفاهمات بين وزارة الداخلية السورية ووجهاء أهالي السويداء حول الدمج الكامل لمحافظة السويداء، توج برفع العلم السوري على مبنى محافظة المدينة.
وجاء بعد ذلك الإعلان عن تصديق رئيس الجمهورية على مسودة الإعلان الدستوري في 13 مارس/آذار الحالي ليكون بمثابة نقطة تحول نحو تشكيل مجلس نواب انتقالي وحكومة انتقالية واسعة التمثيل تمتلك السلطة الدستورية لاتخاذ قرارات كبيرة.
في المحصلة، يعد الاتفاق مع قسد دافعا قويا لإحداث انقلاب تاريخي في مسار الحركة القومية الكردية في المشرق بشكل عام، بما يشمل تركيا وسوريا والعراق، ويسهم في توطيد علاقة الأكراد بمحيطهم العربي والتركي بما يوحد الجهود العربية الكردية التركية لتجاوز نظام الحرب العالمية الأولى والنتائج الكارثية التي خلفها.
[يمكنكم قراءة الورقة التحليلية كاملة من خلال هذا الرابط ]