قالت صحيفة إندبندنت إن أحدث اندفاع جنوني للرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن غزة، كان مطالبته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بإطلاق سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين لديها يوم السبت المقبل وإلا فالثمن هو "الجحيم"، وهو لا يقل جنونا عن تهديده بقطع المساعدات عن مصر والأردن، ولن يؤدي إلا إلى تمكين أعداء أميركا.
وحذر محرر الشؤون العالمية بالصحيفة سام كيلي من أن التهديد بقطع المساعدات عن الأردن ومصر يقدم للصين وروسيا مكاسب سهلة، كما أن ترامب لا يمتلك هو ولا إسرائيل قوة تجعل حماس "تدفع" ثمن عدم إطلاق سراح المحتجزين الباقين، وإن كانت إسرائيل قد تستمر في قصف قطاع غزة إذا انهار وقف إطلاق النار بالكامل.
ولم تستغرب الصحيفة أن يهدد ترامب بما لا يمكن تصوره، مستنكرة أن يواجه سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة هجومًا ليس فقط من إسرائيل، بل من الولايات المتحدة التي تستطيع قصف قطاع غزة بالصواريخ المجنحة والقنابل الخارقة للتحصينات وحتى المدافع البحرية.
وحتى لو لم يشن ترامب حربا على غزة، فإنه لا يزال في سعيه إلى تفجير الشرق الأوسط وتسليم النفوذ والرعاية لمنافسي بلاده -حسب الصحيفة- بتهديد مصر والأردن بقطع المساعدات عنهما ما لم تستقبلا نحو مليوني فلسطيني في "منازل جميلة" من المتوقع أن تُبنى بمليارات وهمية من الولايات المتحدة.
والآن يواجه ملك الأردن عبد الله الثاني، أثناء لقائه ترامب في واشنطن، تحديا مستحيلا بتوضيح أن هذا الحلم سينتهي بالفوضى والحرب، وأنه محفوف بمخاطر جمة على الملك نفسه، وهو لن يستطيع تبرير مشاركة المملكة في التطهير العرقي في غزة.
وعلى هذا الأساس ترى الصحيفة أن ترامب حتى لو عرض على الأردن "مليارات الدولارات" لبناء "غزة جديدة" في الصحراء، فلن يقبل الملك، لأنه غير أخلاقي، وسيكون نهاية المملكة نفسها.
وكان الأردن قد عقد اتفاق سلام مع سكانه الفلسطينيين الذين قاتلوا إسرائيل ذات يوم من الضفة الشرقية لنهر الأردن، كما عقد معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1995، في صفقة ممولة بمساعدات مالية وعسكرية، تقدم الولايات المتحدة حاليا بموجبها للأردن 1.72 مليار دولار سنويا.
أما مصر ذات الثقل الأكبر في واشنطن، فهي -حسب الصحيفة- دولة ديمقراطية، وقد وصل رئيسها عبد الفتاح السيسي إلى السلطة بالقوة وأطاح بحكومة الإخوان المسلمين عام 2014، وتم تجاهل سجله المروع في مجال حقوق الإنسان لأن مصر لديها أيضًا معاهدة سلام مع إسرائيل.
ولا تستطيع مصر -ولن تفعل- استيراد مليون فلسطيني، لأنها لا تستطيع أن تتحمل تكاليف ذلك سياسيا، وهي تخشى أن يجلب هؤلاء معهم الإسلام السياسي ممثلا في الإخوان المسلمين والجهاد الإسلامي.
وبما أن ترامب أظهر أنه لا يخادع عندما يقول إنه سيفعل، فربما يضاعف من جهوده لتطهير غزة، ولأنه يبدو جادا في ضم كندا وغزو أو شراء غرينلاند وخنق أوكرانيا، فربما يعني أنه سيقطع المساعدات عن الأردن ومصر.
وبما أن مصر والأردن رفضتا بصوت عالٍ خطة ترامب في غزة، فلن تتردد القاهرة في البحث عن المساعدة العسكرية والمالية، ولن يحتاج السيسي غير استعمال الهاتف لتُخرج بكين دفتر شيكاتها وتسيطر إستراتيجيا على قناة السويس والموانئ المتوسطية ونهر النيل، وهي مناطق ترغب أيضا روسيا التي فقدت سوريا، في الوصول إليها، وبسعر زهيد لا يتجاوز بضعة مليارات.
وخلصت الصحيفة إلى أن الأردن لن تدور في مدار صيني روسي، وعليه على لندن وبروكسل أن تتوليا أمرها، خاصة أن أميركا ترامب لم تعد تمثل أفضل مصالح "الغرب"، وأنه لا يمكن السماح لأوهام ترامب بتدمير جزر الاستقرار التي لا تزال قائمة في الشرق الأوسط.