في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في خطوة تحمل دلالات سياسية عميقة، أجرى الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع أول زيارة خارجية له منذ توليه المنصب، حيث حطّ رحاله في الرياض، والتقى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
هذه الزيارة التي توصف بـ"التاريخية" ليست مجرد لقاء دبلوماسي روتيني، بل تمثل نقطة تحول في مسار العلاقات العربية السورية، وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون الإقليمي، وسط مشهد سياسي معقد تشهده سوريا والمنطقة.
عودة سوريا إلى الحضن العربي.. دلالة اختيار الرياض
يُجمع المراقبون على أن اختيار السعودية كأول محطة خارجية للرئيس الشرع لم يكن قرارًا عشوائيًا، بل يعكس إدراك دمشق لأهمية الدور السعودي في دعم الاستقرار الإقليمي.
ويقول أستاذ الدراسات الدولية شاهر الشاهر خلال حديثه لغرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية ان هذه الزيارة تحمل بعدا عاطفيا في السياسات العربية تجاه سوريا، كما تؤكد أهمية عودة دمشق إلى محيطها العربي وضرورة دعم المملكة العربية السعودية في هذه المرحلة الحساسة".
ويرى الشاهر أن الرياض تمتلك رؤية واضحة للأزمة السورية ومتطلباتها، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها دمشق، إذ يمثل رفع العقوبات الاقتصادية عاملا حاسما في أي عملية إعادة إعمار مستقبلية.
وهنا يبرز دور السعودية في تسويق الموقف السوري عربيا ودوليا، إضافة إلى تقديم دعم سياسي واقتصادي يمكن أن يساعد دمشق على تجاوز محنتها.
تحولات في المشهد السياسي
لطالما عانت سوريا من عزلة سياسية في المحيط العربي منذ اندلاع الأزمة في 2011، إلا أن التطورات الأخيرة تشير إلى وجود إرادة عربية لإعادة دمج دمشق في المنظومة الإقليمية، وفقًا لما أشار إليه الباحث السياسي مبارك العاتي فإن زيارة الرئيس الشرع إلى الرياض تتويج لمرحلة جديدة في العلاقات العربية السورية. اللقاء مع ولي العهد السعودي استمر لساعتين، وكان دافئًا، مما يعكس نية الطرفين في بناء تعاون بعيدًا عن التحالفات المتشنجة التي سادت في الماضي".
ويضيف العاتي أن تحقيق الأمن في سوريا هو مفتاح الاستقرار، ليس فقط على المستوى الداخلي، بل أيضًا لجذب الاستثمارات العربية، حيث تسعى المملكة إلى تعزيز مشاريع البنية التحتية والطاقة والتعليم في سوريا.
التحديات القائمة
على الرغم من المؤشرات الإيجابية، لا تزال سوريا تواجه تحديات جوهرية، من أبرزها استمرار العقوبات الغربية وعدم السيطرة الكاملة على كامل الجغرافيا السورية، كما أوضح مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية جمال عبد الجواد:
"السلطة الجديدة في سوريا لم تتمكن بعد من فرض سيطرتها على جميع الأقاليم، ولا تزال هناك مناطق تخضع لجماعات مسلحة تحتاج إلى معالجة سياسية وأمنية".
ويرى عبد الجواد أن نجاح الانتقال السياسي في سوريا يتطلب دعما خارجيا، خاصة من الدول العربية المؤثرة مثل السعودية ومصر، إذ يمكن لهذا الدعم أن يمنع سوريا من التحول إلى ساحة للصراعات الإقليمية والتجاذبات الدولية.
البعد التركي في المعادلة السورية
تلعب تركيا دورا محوريا في الملف السوري، خاصة في ظل تقاربها الأخير مع الدول العربية، وهو ما أشار إليه أستاذ العلاقات الدولية الدكتور سمير صالحة معتبرا زيارة الشرع إلى الرياض تعدّ خطوة إيجابية بالنسبة لأنقرة، حيث تؤكد أهمية تعزيز التنسيق العربي التركي في التعامل مع الملف السوري.
التحول في السياسة التركية خلال السنوات الأخيرة يُظهر إدراكا متزايدا لأهمية التعاون الإقليمي، بعيدا عن الاصطفافات التقليدية".
ويرى صالحة أن العلاقة بين الرياض وأنقرة سيكون لها تأثير كبير في رسم مستقبل سوريا، خاصة في ظل تراجع الدور الإيراني الذي كان في السابق الفاعل الأبرز في الشأن السوري.
هل تفتح الزيارة الباب لرفع العقوبات؟
تشكل العقوبات المفروضة على سوريا حجر عثرة أمام أي عملية إعادة إعمار أو تعافٍ اقتصادي، ويعتقد المحللون أن التنسيق العربي المشترك يمكن أن يشكل ضغطًا على الدول الغربية لتخفيف العقوبات أو تعليقها بشكل جزئي.
ويرى مبارك العاتي أن الموقف السعودي قد يساعد في إعادة سوريا إلى النظام الاقتصادي الدولي، مشيرا الى ان الرياض تدرك أن استقرار سوريا يخدم الأمن الإقليمي، لذلك هناك تحركات دبلوماسية قد تؤدي إلى تخفيف القيود الاقتصادية على دمشق، خاصة في ظل التطورات السياسية الأخيرة".
ما الذي تحمله المرحلة المقبلة؟
لا شك أن زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى السعودية تضع حجر الأساس لمرحلة جديدة في العلاقات السورية العربية، لكنها تبقى خطوة أولى في طريق طويل محفوف بالتحديات.
فهل تنجح دمشق في ترجمة هذه الزيارة إلى مكاسب سياسية واقتصادية حقيقية؟ وهل سيكون هناك دعم عربي حقيقي يضمن لسوريا استعادة دورها الإقليمي؟.
الأيام المقبلة ستكشف عن مدى قدرة القيادة السورية الجديدة على الاستفادة من هذا الزخم الدبلوماسي لتحقيق أهدافها في إعادة بناء الدولة، وضمان خروج سوريا من حالة الفوضى التي عاشتها خلال العقد الماضي.