آخر الأخبار

هل كان القذافي على وشك صناعة قنبلته النووية؟

شارك الخبر

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

لطالما شكّلت طموحات العقيد الراحل معمر القذافي النووية محور جدل عالمي، تقاطعت فيه المصالح الجيوسياسية مع مخاوف انتشار السلاح النووي. وبين الطموح الجامح وتحديات الحصار الدولي، برز تساؤل حاسم ظلت إجابته معلقة قرابة 5 عقود، هل اقترب القذافي من صنع القنبلة النووية؟

مصدر الصورة تزامن انضمام ليبيا للوكالة الدولية مع اكتشاف فرنسا لليورانيوم في جبل تيبستي التشادي (غوغل إيرث)

أبعاد تاريخية

الحديث عن القنبلة النووية يدفعنا بلا شك إلى النبش في الأحداث التاريخية، والعودة إلى عام 1963 الذي انضمّت فيه ليبيا إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية. فبحسب المهندس النووي والكاتب في الشؤون النووية عبد الحكيم الطويل للجزيرة نت، تزامن انضمام ليبيا للوكالة الدولية مع اكتشاف فرنسا لليورانيوم في جبل تيبستي التشادي.

وأثار هذا الاكتشاف، وفق الطويل، شهية القذافي وحفيظته، إذ انتبه لوجود اليورانيوم على مقربة منه بعد نحو عام فقط من توليه مقاليد الحكم، الأمر الذي دفعه إلى تأسيس "مركز البحوث الصناعية" شرقي العاصمة طرابلس، قبل أن يؤسس -لاحقا- أول سلطة نووية ليبية.

واستهدف هذا المركز منذ بدايته ، كما يوضح الطويل، تطوير أحدث خريطة جيولوجية متوفرة آنذاك، وكانت قد صدرت بعد عام من انضمام ليبيا إلى وكالة الطاقة الذرية، مما شكل أساسا قويا يمكن الاستناد إليه للبحث عن اليورانيوم في أي مكان.

إعلان

ويشير الخبير الليبي إلى مساعي القذافي واهتمامه البالغ إزاء ضم شريط "أوزو" التشادي إلى ليبيا عسكريا، قبل أن يتخلى عن هذه المساعي بحكم من المحكمة الدولية في العام 1994، وبعد أن أسفرت الدراسات والأبحاث التي أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ووكالة الطاقة الذرية في السبعينيات عن وجود أكثر من 10 مواقع ضمن نطاق جبل تيبستي في تشاد -عند الحدود الليبية الجنوبية- مما زاد من احتمالية وجود اليورانيوم في الجزء الشمالي من الجبل، والواقع داخل نطاق الأراضي الليبية.

وعندما لم تفلح تحركات القذافي بالاستيلاء على الشريط التشادي، قال الطويل إن القذافي جرّب الخطة "باء"، فأقدم على شراء اليورانيوم في صورته المعروفة بالكعكة الصفراء من النيجر -بصورة سرية- لصناعة سلاحه النووي، ولكنه لم يعِ أن هذه المادة تحتاج إلى معالجة كيميائية ونووية مكثفة ومعدات لم تتوفر في ليبيا حتى يومنا هذا.

مصدر الصورة مركز أبحاث تاجوراء لا يزال يحتفظ بكميات من النظائر والنفايات المشعة ووقود اليورانيوم وفق مفتشي الأمم المتحدة (رويترز)

"نووي لفلسطين"

بعد تصاعد احتمالية وجود الكنز المشع، سارع القذافي لتنفيذ البرنامج النووي مسخّرا له الإمكانات كافة. ويقول مؤسس ومدير الطاقة النووية الأسبق في الأردن الدكتور علي مر، وهو خريج كلية الهندسة بجامعة طرابلس في ليبيا، إن القذافي أولى اهتماما بالغا بملف الطاقة النووية، وسخر في سبيل نجاح برنامجه النووي كثيرا من المال والجهد.

ووفق الخبير الأردني، جنّد القذافي المهندسين من مختلف التخصصات المناسبة، وأرسل البعثات الدراسية، وجرى اختياره نفسه من الأوائل ضمن خريجي ما عرفت آنذاك بـ"جامعة الفاتح" -جامعة طرابلس حاليا- وأوفد رفقة 7 مهندسين، 4 منهم فلسطينيون (اثنان من غزة واثنان من الضفة الغربية).

ولحساسية التخصص، رفضت أميركا وبريطانيا وفرنسا وبلجيكا والهند، تدريسهم في حين قبلت باكستان بهم. وعند قبولهم قال أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة، الرائد عمر المحيشي، لعلي مر "نووي ليبيا لفلسطين".

ما علاقة القذافي بباكستان؟

نوايا القذافي ومساعيه الحثيثة للحصول على سلاح نووي أكدها الباحث في "مركز الأفروساي" الدكتور عبد العزيز غنية، وهو أحد أعمدة الإعلام في النظام السابق، إذ قال للجزيرة نت، إن القذافي دأب على تطوير برنامج نووي من منطلق رؤيته بضرورة تعزيز قوة العالم الإسلامي أمام الخطر الإسرائيلي.

ووفق غنية، ساعدته باكستان في مساعيه بعد أن تلقت دعما ماليا وصفه بالضخم، وهو ما وطّد العلاقات مع "أبي القنبلة النووية" عبد القدير خان، الذي حاول بصورة سرية مساعدة القذافي، وتزويده بمعدات نووية، بيد أن الضغوطات الدولية حالت دون تحقيق ذلك، ليجد القذافي نفسه محاصرا أمام خيار وحيد، وهو التخلي عن حلمه النووي مقابل إعادة دمج ليبيا في خريطة المجتمع الدولي.

إعلان

مآرب عسكرية

الباحث الأردني علي مر كشف للجزيرة نت عن زيارة رسمية أجراها وفد ليبي رفيع المستوى إلى باكستان برئاسة وزير الدفاع آنذاك أبوبكر يونس جابر، للقاء الطلبة الموفدين، وذلك بعد مضي فصلين دراسيين أحرزوا فيهما تفوقا أكاديميا.

وعلم الموفدون أن خلافا نشب بين الحكومتين الباكستانية والليبية على خلفية طلب الأخيرة نقل الطلبة من التخصصات السلمية إلى العسكرية، وهو ما قابلته الحكومة الباكستانية بالرفض. وخُيّر الطلبة بين استكمال الدراسة وفق ما هو متفق عليه أو العودة إلى ليبيا، واختاروا الاستمرار في الدراسة، وفق علي مر.

وبعد إنهاء المتطلبات الدراسية كافة، عاد علي وزملاؤه إلى ليبيا للشروع في تأسيس "مركز تاجوراء للبحوث النووية"، وفقا لاتفاق مبرم بين القذافي والاتحاد السوفياتي، ونصّ على إنشاء مركز نووي يضم مفاعلا نوويا انشطاريا بقدرة 10 ميغاوات، ومفاعلا نوويا هيدروجينيا (توكوماك)، وعددا من الخلايا الحارة للمخابر الكيميائية والفيزيائية، واحتياطات الوقاية من الإشعاع، ومخابر بيولوجية. وجرى تنفيذ هذه المشروعات التي استقطبت مئات الأساتذة الباحثين النابغين وفق المعايير الدولية.

وبعد سنوات، عاد الدكتور الأردني علي مر إلى الأردن لتأسيس برنامج نووي مماثل على غرار ما كان في ليبيا، مشيرا إلى أن طموح القذافي، كان أبعد من النواحي السلمية، وانصبّ تركيزهُ على الجانب العسكري، وقد بذل كل ما في وسعه للحصول على سلاح نووي، ولكن بطريقة متعجلة، بحسب تعبير مر.

مصدر الصورة مركز البحوث النووية في تاجوراء (غوغل إيرث)

التخلي عن الحلم

بدوره، أوضح الطويل أن القذافي وعلى الرغم من الزخم الذي منحه للمشروع النووي الليبي، فإنّه تخلى عنه في ديسمبر/كانون الأول من العام 2003 وهو العام نفسه الذي أُسدل فيه الستار على حصار اقتصادي وتقني خانق، امتد 10 سنوات، كانت الولايات المتحدة الأميركية قد فرضتهُ على خلفية سقوط طائرة لوكربي عام 1988.

إعلان

وأدّى هذا الحصار إلى تراجع تقني سلبي طويل أخَّر، ليس فقط تطور البحث النووي، بل الحراك العلمي والاقتصادي الليبي عموما، ففي ورقةِ منشورةٍ لعددٍ من الخبراء في مركز البحوث النووية عام 1993 -أيّ خلال العشرية الأولى من الحصار- أشار هؤلاء إلى معاناة وتحديات واجهها البحث عن الخامات الذرية، من جراء نقص الأجهزة وقطع الغيار وورش صيانتها، وتخلف المختبرات، وعدم توفر معدات الحفر الخاصة بدراسة شذرات اليورانيوم الإشعاعية التي يكتشفونها. فضلا عن حرمانهم من الحواسيب اللازمة لتحليل النتائج، ورسم الخرائط (الكنتورية) للأرض.

وهذه التحديات كلّها مجتمعة ثبطت، بل أحبطت، أي مساعِ لتوفير دراسات محدثة بشأن كميات اليورانيوم القابلة للاستخراج بصورة اقتصادية.

وهكذا، حُرمت ليبيا من مشروعات اليورانيوم في الوقت الذي زُوّدت فيه مصر والإمارات بما احتاجته محطاتهما الكهربائية النووية -يقول الطويل- لأن الغرب لن يسمح لك بالحصول على التقنية النووية إلا بشرطين وهما:


* توقيع اتفاقية معاهدة حظر الأسلحة النووية.
* والقبول بزيارة مشرفي الوكالة الدولية للطاقة الذرية كل 6 أشهر، ومتى طلبوا ذلك بصورة مفاجئة، وهو ما لم يَرُق للقذافي.

أبعاد قانونية

من جانبه، يقول أستاذ القانون الجنائي الدولي، والعضو في المحكمة الجنائية الدولية الهادي شلوف، إن الدول الكبرى لا تمتلك الحق في فرض حظر استخدام معدات تخصيب اليورانيوم على دول بعينها، ما دامت هذه الاستخدامات ذات طابع سلمي.

وفي حديث للجزيرة نت، أشار إلى وجود تناقض في حيادية الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تُلزم الأعضاء بالتوقيع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، في حين تغُض الطرف عن دولٍ "مثل إسرائيل" التي لم توقع على المعاهدة، على الرغم من امتلاكها قدرات نووية هائلة، مما يُثير تساؤلات عن المعايير التي تعتمدها الوكالة في تطبيق القانون الدولي.

إعلان

وفي المُحصلة، يرى الخبير الأردني علي مر، أن ليبيا لا تزال تملك المقومات الأساسية لإعادة الزخم إلى برنامجها النووي، نظرا لامتلاكها البنية التحتية والمخابر والجامعات، وما تحتاجه هي عملية ترميم وتجميع وفق مخطط علمي مبني على الواقع الفعلي لهذه البنى.

وبرأي مر، يجب أن يتم التركيز هذه المرة على البحوث التطبيقية والتطبيقات السلمية، أي الاستخدامات الناعمة للطاقة النووية في الطب والصيدلة والزراعة والصناعة، والكشف عن مصادر المياه، واستكشاف المعادن والثروات الطبيعية، التي إن نجحت فستدر دخلا كبيرا، وقيمة مضافة لا تتحقق بغيرها، وبإمكانها تحقيق قفزة سريعة في هذه المجالات، وفي زمن قياسي نسبة لغيرها.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك الخبر

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا