استقر الاقتصاد الأرجنتيني بسرعة بفضل العلاج بالصدمة، ما مهد الطريق لانتعاش النمو، لكن يبقى بعض الحذر تجاه رفع القيود على سعر الصرف في ظل شح السيولة الأجنبية والتضخم المرتفع، وقد تستفيد الدولة الواقعة في أميركا الجنوبية من تجربة مصر الناجحة في توحيد سعر الصرف.
وبحسب ما قاله معهد التمويل الدولي في مذكرة بحثية فإن تجربة مصر تكشف أن استراتيجية شاملة ومتسقة يمكن أن تحقق نتائج إيجابية، فيمكن للأرجنتين رفع القيود على الصرف الأجنبي بأمان ضمن إطار مشابه، بما في ذلك برنامج جديد من صندوق النقد الدولي.
أضاف أن تأجيل تحرير سوق الصرف الأجنبي بالكامل قد يؤدي إلى اختلالات وتشوهات تؤثر على النمو، بحسب مذكرة معهد التمويل الدولي اطلعت عليها "العربية Business".
وأشار إلى أن العديد من البلدان تتعامل مع وجود أسعار صرف متعددة، حيث تمنع القيود على العملة المحلية السعر الرسمي من عكس ظروف السوق، ما يؤدي إلى حدوث تشوهات وتطور سلوكيات للمضاربة.
وقال إن توحيد سوق الصرف الأجنبي في مصر لعام 2024 كان درسًا مهمًا، إذ أدى تخارج رأس المال من غير المقيمين وتراجع الاحتياطيات الأجنبية بعد الحرب في أوكرانيا إلى توسيع الفجوة بين السعر الرسمي والسعر الموازي إلى 56% في يناير 2024، مما دفع إلى تغيير جذري في السياسات.
أضاف أنه في مارس، خفض البنك المركزي سعر الجنيه المصري لتقترب من السعر الموازي وألغى القيود على الصرف الأجنبي والواردات.
في الوقت نفسه، ساعدت صفقة رأس الحكمة الكبيرة وإعلان التمويل من صندوق النقد الدولي وشركاء دوليين آخرين في تحسين سيولة سوق الصرف الأجنبي.
وشمل التحول إلى نظام سعر صرف أكثر مرونة تشديدًا كبيرًا في السياسات المالية والنقدية، ما ساعد في استعادة الثقة في السوق، وبدأ تدفق رأس المال الأجنبى.
وخلال العام الماضى 2024 سجلت معاملات الأجانب والعرب في السوق الثانوية صافي شراء للدين المحلي قدره 18.2 مليار دولار، وحتى نهاية أكتوبر الماضي تجاوزت استثمارات الأجانب في أذون الخزانة نحو 38.2 مليار دولار بينها 18.2 مليار دولار ضمانات لتمويلات خارجية.
كما شمل برنامج صندوق النقد الدولي لمدة 3 سنوات إصلاحات هيكلية وأهداف مرنة لمواجهة التحديات الخارجية مثل اضطرابات التجارة بسبب النزاع في الشرق الأوسط، والتحديات الداخلية مثل زيادة المطالب الاجتماعية.
وقال إنه بينما ظل سعر الصرف تحت إدارة، فإن النهج الشامل والقوي لمصر ساعد في استعادة دعم المستثمرين والسياسيين، وتجديد الاحتياطيات الأجنبية، وتقليل التأثير التضخمي.
وبينما قامت إدارة ميلي بتصحيح معظم الاختلالات التي ورثتها عن عقود من السياسات الخاطئة بسرعة، فإن إزالة القيود على العملة بعد فترة طويلة من وجود أسعار صرف متعددة لا تزال تمثل تحديًا.
وأشار المعهد إلى أنه بينما تم رفع العديد من القيود للوصول إلى مرونة سوق الصرف الأجنبي تدريجيًا، فإن السيولة الخارجية المنخفضة والتضخم المرتفع وفقًا للمعايير الدولية دفعا الحكومة إلى الحفاظ على القيود على العملة.
وقال إن الأدلة تُظهر أن أساليب مختلفة نحو القضاء على فجوة سعر الصرف، بما في ذلك "الخفض الكبير" أو التدريجي، يمكن أن تكون ناجحة.
وترتبط النتائج الإيجابية للإصلاحات التدريجية لسعر الصرف بقدرة البنك المركزي في الحفاظ على استقرار التضخم طوال مسار الانخفاض؛ وقد تساعد البيئة الخارجية المواتية في امتصاص الصادرات.
ولفت إلى أنه يمكن أن يكون للخفض المنتظم التدريجي للعملة بناء على فروقات التضخم مجديًا، بجانب أن تكون الاحتياطيات الأجنبية مرتفعة نسبيًا، ما يوفر إشارات إيجابية للأسواق؛ ويتم متابعة السياسات لزيادة التنافسية في الوقت نفسه.
ولفت إلى أنه مع ذلك، قد يكون التوحيد التدريجي صعبًا في حالات الديون الخارجية المرتفعة، والعجز التجاري الكبير، وقلة مصداقية السياسات.
وذكر أنه بشكل عام، فإن موقف القوة الذي يتسم بالاحتياطيات الكافية سيسمح بالتوحيد التدريجي في سعر الصرف بين السوق الموازية والرسمية لتحقيق نتيجة أفضل.
ولفت إلى أنه من ناحية أخرى، فإن الظروف الهشة تتطلب تعديلاً كبيرًا دفعة واحدة، مع وجود صافي الأصول الأجنبية السلبية رغم بناء الاحتياطيات الأخير، فإن اختيار الأرجنتين بين رفع القيود تدريجيًا أو تنفيذ تحرير مفاجئ يعتمد على رد فعل السوق وعدد من الاعتبارات الاقتصادية والسياسية.
وقال إن في هذه المرحلة، تكمن المخاوف الرئيسية المرتبطة بإزالة القيود، في السيولة المحدودة بالدولار بما يمنع تحمل الصدمات الخارجية والتي قد تؤدي للتأثير تضخمي لتقلبات سعر الصرف قبل الانتخابات النصفية الحاسمة في أكتوبر.
ويعول المعهد على الإنتخابات إذ تُمكن الحكومة من توسيع قاعدة تشريعاتها لتنفيذ المزيد من الإصلاحات المؤيدة للسوق.
وقال إن في هذا السياق ومع استمرار المحادثات مع صندوق النقد الدولي للاتفاق على برنامج جديد، يعتقد أن الحكومة الأرجنتينية قد اكتسبت مصداقية كافية، بفضل أدائها المالي، لتوحيد سوق الصرف الأجنبي دون تأثيرات مدمرة.
أضاف أن تحرير سوق الصرف الأجنبي، الذي يجب أن يعزز الانتعاش في النمو المستمر، سيتطلب إضافة 10 مليارات دولار من الاحتياطيات التي قد تأتي كجزء من اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي.
وقال إنه بالنظر إلى الجهد المالي الطموح والمصداقية، فإن تعزيز السيولة في البداية سيكون متسقًا مع البرامج السابقة، مما يوفر الموارد للتدخل في سوق الصرف الأجنبي لمواجهة التقلبات.
ولفت إلى أن ن برنامج صندوق النقد الدولي الموسع، بما في ذلك جدول أعمال مالي وإصلاحات متعدد السنوات، هو العنصر الأساسي.