في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
أنقرة- في عالم يزداد فيه التنافس على استقطاب العقول الشابة، تبرز تركيا كواحدة من أهم الوجهات التعليمية على الساحة الدولية. فبمزيج فريد من الجودة الأكاديمية، والتنوع الثقافي، والتكاليف المناسبة، باتت تركيا الخيار الأمثل للطلاب الباحثين عن تعليم جامعي يجمع بين التميز والتجربة الحياتية الغنية.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قال يوم الجمعة الماضي، خلال "قمة إسطنبول التعليمية الرابعة" إن بلاده باتت ضمن الدول الـ10 الأولى عالميا في استقبال الطلاب الأجانب.
وأضاف أردوغان "من خلال تقديم التعليم الجامعي لـ338 ألفا و161 طالبا دوليا هذا العام، تحتل بلادنا التي تخصص 4.76% من طاقتها الاستيعابية في التعليم العالي لهذه الفئة، مكانة بين الدول الـ10 الأولى عالميا".
وأشار إلى أن وقف المعارف التركي الذي ينشط في 55 دولة يبذل جهودا لنقل التراث التعليمي الغني والعريق لتركيا إلى جميع أنحاء العالم.
من جانبه، أكد رئيس مجلس التعليم العالي التركي، إيرول أوزفار، في تصريحاته خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن تركيا تستضيف اعتبارا من عام 2023 نحو 350 ألف طالب دولي من حوالي 200 دولة، أي ما يعادل 2.9% من إجمالي الطلاب الدوليين حول العالم وفقا لمعهد اليونسكو للإحصاء.
وأضاف، خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر عمداء جامعات منطقة البحر الأسود الـ16 أن "تركيا اليوم ضمن قائمة الدول الـ10 الأولى عالميا من حيث عدد الطلاب الدوليين، ونسعى لرفع هذا العدد إلى 500 ألف في المستقبل القريب، مع طموح للوصول إلى مليون طالب دولي في المرحلة القادمة".
وشدد أوزفار على أهمية "التدويل" في نظام التعليم العالي التركي، مؤكدا أن التطور الذي حققته تركيا في هذا المجال "قوي للغاية وواعد للمستقبل"، لكنه أشار إلى أن الخطط الحالية لا تقتصر على الأرقام فقط، حيث تسعى تركيا إلى تعزيز الجودة والاعتماد في منظومة التعليم العالي.
وبحسب الاتحاد العالمي للمنظمات الطلابية، تصدرت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا قائمة الدول الأكثر استضافة للطلبة الدوليين في العام الماضي.
وتعد الجامعات التركية وجهة رئيسة للطلاب العرب، الذين يشكلون نسبة كبيرة من إجمالي الطلبة الدوليين في تركيا.
ووفقا لبيانات مجلس التعليم العالي التركي للعام الحالي، بلغ عدد الطلاب العرب أكثر من 130 ألف طالب، أي ما يعادل حوالي 39% من إجمالي الطلاب الدوليين في تركيا، ما يبرز مكانة تركيا كخيار مفضل للطلاب من العالم العربي.
وتتصدر سوريا القائمة بـ60 ألفا و750 طالبا، تليها العراق بـ13 ألفا و153 طالبا، ثم مصر بـ10 آلاف و695 طالبا. كما تشهد دول عربية أخرى حضورا ملحوظا، أبرزها اليمن بـ7 آلاف و927 طالبا، والصومال بـ8 آلاف و872 طالبا، والسودان بـ5 آلاف و847 طالبا، في حين تتوزع بقية الأعداد بين دول المغرب العربي والخليج.
تحتل الجامعات التركية مكانة بارزة في تصنيف التعليم العالي. ووفقا لتصنيف "يو آر إيه بي" المختصة بتصنيف الجامعات على أساس الأداء، فقد سجلت جامعات تركية مثل "الشرق الأوسط التقنية" و"جامعة إسطنبول" و"جامعة بوغازيتشي" مراكز متقدمة ضمن أفضل 500 جامعة لعام 2023.
وعلى سبيل المثال، حلت جامعة الشرق الأوسط التقنية في المرتبة 336 عالميا حسب تصنيف "كيو إس"، بينما احتلت جامعة إسطنبول المرتبة 450 في تصنيف "إيه آر دبلو يو"، وجامعة تشانكايا المرتبة 173 في تصنيف "يو إس نيوز"، لعام 2023.
كما يتميز النظام التعليمي في تركيا بالتنوع الكبير في البرامج الأكاديمية المتوفرة باللغتين التركية والإنجليزية، ما يجعلها خيارا مفضلا للطلاب الدوليين، خاصة من الدول العربية، إذ توفر هذه البرامج تخصصات تلبي احتياجات سوق العمل العالمي، إلى جانب سهولة القبول للطلاب الأجانب وبيئة جامعية تتيح لهم تجربة تعليمية وثقافية متكاملة.
علاوة على ذلك، تُعتبر تكاليف التعليم والمعيشة في تركيا أقل مقارنة بالدول الغربية، مما يمنح الطلاب فرصة للحصول على تعليم عالي الجودة بتكاليف معقولة. كما أن سهولة التنقل من الدول العربية وقرب تركيا جغرافيا يعززان من جاذبيتها كوجهة تعليمية، حيث تجمع بين التميز الأكاديمي والموقع الإستراتيجي الذي يربط الشرق بالغرب.
تتبنى تركيا رؤية شاملة لتعزيز مكانتها كوجهة عالمية للتعليم، مستندة إلى سياسات حكومية تجمع بين الدعم الأكاديمي والترويج الثقافي. في هذا السياق، تأتي رئاسة شؤون أتراك المهجر والمجتمعات ذات القربى في طليعة الجهود عبر برنامج المنح الدراسية التركية، الذي أطلق في عام 2012 كواحد من أكثر البرامج الحكومية طموحا لجذب الطلاب الدوليين.
ويوفر البرنامج فرصا تعليمية للطلاب المتفوقين من جميع أنحاء العالم، حيث لا يقتصر على تقديم تعليم مجاني، بل يغطي أيضا تكاليف السكن والتأمين الصحي ودورات تعلم اللغة التركية، مع استقباله أكثر من 121 ألف طلب من 170 دولة في عام 2024، وتقديمه نحو 5 آلاف منحة سنويا.
وفي إطار دعم هذه الجهود، يلعب معهد يونس إمره دورا محوريا في نشر اللغة والثقافة التركية عالميا من خلال أكثر من 40 مركزا ثقافيا حول العالم، حيث يقدم المعهد دورات تعليم اللغة التركية وينظم فعاليات ثقافية تستهدف تعريف الشعوب الأخرى بتراث تركيا الغني وتعزيز الروابط الثقافية معها.
في السياق، أكد الباحث في وقف التعليم التركي، أكرم رضا أوغلو، أن تدويل التعليم العالي يمثل أولوية إستراتيجية لتركيا، حيث تسعى من خلال برامج مثل المنح الدراسية التركية إلى جذب آلاف الطلاب الدوليين سنويا، مما يساهم في تعزيز قوتها الناعمة وبناء جسور ثقافية ودبلوماسية مع مختلف دول العالم.
وأشار رضا أوغلو في حديثه للجزيرة نت، إلى أن استقطاب الطلاب الدوليين له فوائد متعددة، منها دعم الاقتصاد المحلي من خلال إنفاق الطلاب على التعليم والمعيشة، وتنشيط القطاعات الخدمية. كما يلعب هؤلاء الطلاب دورا مستقبليا كجسر يربط تركيا ببلدانهم الأصلية، حيث يصبحون سفراء ثقافيين يعززون العلاقات الثنائية، على حد قوله.
وشدد الباحث على أهمية تطوير سياسات التعليم العالي لتشمل تدويل المناهج الدراسية وإقامة فروع جامعية دولية، مع التركيز على ربط خريجي برامج الابتعاث بالقطاعات الحيوية مثل التكنولوجيا المتقدمة، بما يعزز التنمية المستدامة ويواكب احتياجات السوق المحلي.
وختم قائلا: "تركيا ترى في التعليم الدولي أداة إستراتيجية لتحقيق أهدافها التنموية وتعزيز مكانتها على الساحة العالمية".