عندما التقى طبيب القلب الدكتور، إريك توبول، بالسيدة "إل. آر" البالغة من العمر 98 عاماً، لأول مرة لحضور موعد طبي، لفت انتباهه أمرٌ ما.
لقد لاحظ أنه لا يوجد برفقتها أحد من أقاربها، فسألها كيف سافرت للوصول إلى المركز الطبي.
قال لبي بي سي: "لقد قادت سيارتها بنفسها... سرعان ما تعلمت الكثير عن هذه السيدة النابضة بالحياة والصحة بشكلٍ استثنائي، والتي تعيش بمفردها، ولديها شبكة اجتماعية واسعة، لكنها تستمتع بعزلتها".
الدكتور توبول، مؤسس ومدير معهد سكريبس للأبحاث التطبيقية -مركز أبحاث طبية معروف في الولايات المتحدة- بنى مسيرة مهنية حافلة كعالم ومؤلف.
يبحث أحدث أعماله في الأسباب العلمية، التي تقف وراء عيش بعضنا حياة أطول وأكثر صحة من غيرهم.
يحذر الدكتور توبول من تصديق الخرافات والعلوم الزائفة، مثل "مكملات مكافحة الشيخوخة التي لا توجد عنها أي بيانات، والإجراءات والعلاجات التي تُباع دون أي أساس علمي".
يقول: "ربما نمتلك يوماً ما حبة سحرية (لمساعدتنا على التقدم في السن بشكل صحي)، لكننا لا نملكها حتى الآن. بل إنها حتى بعيدة المنال".
فما هي إذاً الأسرار المدعومة علمياً للشيخوخة الصحية؟
في عام 2007، أمضى الدكتور توبول وفريقه أكثر من ست سنوات في دراسة التسلسل الجيني لنحو 1,400 شخص من الولايات المتحدة الأمريكية، كانوا في الثمانينيات من عمرهم أو أكبر، ولا يعانون من مشاكل صحية خطيرة.
يقول الدكتور توبول: "من الصعب جداً العثور على هؤلاء الأشخاص: لم يسبق لهم الإصابة بأمراض خطيرة أو مزمنة، ولم يتناولوا أدوية طويلة الأمد، وتجاوزوا سن 85 عاماً".
عندما درس الفريق هذه المجموعة، المعروفة باسم "المسنين الخارقين"، لم يجدوا في جيناتهم سوى القليل جداً مما يفسر تمتعهم بصحة جيدة.
التقى الدكتور توبول بالسيدة "إل. آر"، البالغة من العمر 98 عاماً، بعد نشره تلك الدراسة، ورغم أنها لم تكن جزءاً من العينة التي دُرست، إلا أن قصتها مُدرجة في أحدث أعماله.
ويشير إليها كمثال لشخص يعيش شيخوخة صحية وبشكل جيد، على الرغم من وجود تاريخ عائلي للوفاة المبكرة.
يقول الدكتور توبول: "هؤلاء الأشخاص الذين يصلون إلى حالة شيخوخة صحية مذهلة، وصولاً إلى بلوغهم المئة عام، ليسوا نمطاً عائلياً في الغالب... ربما يكون هناك عامل وراثي، ولكنه ليس التفسير السائد".
يقول الدكتور توبول إن فكرة أن الجينات قد لا تكون العامل الحاسم في الشيخوخة الصحية تُعدّ فكرة مُحرِرة (من القيود وأنماط التفكير السلبية)، بالنسبة لمن لديهم تاريخ عائلي من الوفاة المبكرة والأمراض المزمنة.
دفعت نتائج الدراسة الدكتور توبول إلى وضع نظرية مفادها أن "المُعمرين الخارقين" يُعانون من مستويات أقل من الالتهاب المزمن، وهو عامل شائع في العديد من أمراض الشيخوخة.
الالتهاب هو استجابة طبيعية وصحية من الجسم للأذى، مثل العدوى أو الإصابة أو السموم.
ولكن عندما يصبح الالتهاب مزمناً ويُؤثر على الجسم لفترة طويلة جداً، فقد يؤدي إلى مشاكل خطيرة، بما في ذلك أمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض الأعصاب، كما يقول البروفيسور ديفيد جيمس، مدير الأبحاث في معهد الشيخوخة الصحية (IHA) ومقره في كلية لندن الجامعية.
وتُعرف طبياً باسم "الالتهاب المرتبط بالشيخوخة"، كما يقول.
يوضح: "مشكلة الالتهاب المزمن هي أنه يشبه إلى حد ما عُمّال البناء الذين يرفضون المغادرة، ويصبح وجودهم الدائم عبئاً كبيراً".
تقول إحدى النظريات إن أسلوب حياتنا الحديث هو الذي يُسبب هذا الالتهاب، بسبب عدم التوافق بين كيفية تطور أجسامنا وطريقة معيشتنا الحالية.
يقول جيمس: "أجسامنا مُصممة حقاً لعالم يعاني من ندرة الغذاء... إنها ليست مُصممة على الإطلاق لتناول فائض من الطعام طوال الوقت، وخاصة الأطعمة المصنعة والغنية بالدهون".
يوضح البروفيسور جيمس أن السمنة تعدُ من أبرز العوامل التي تساهم في أمراض مثل السكري والخرف وأمراض القلب من خلال تعزيز الالتهاب.
تعكس معظم توصيات الدكتور توبول إرشادات الحياة الصحية، التي غالباً ما نُشجع على اتباعها.
يوصي باتباع نظام غذائي نباتي أو شبيه بالنظام الغذائي المتوسطي (غذاء قاطني منطقة البحر الأبيض المتوسط)، والذي يتضمن الكثير من الفواكه والخضراوات.
كما يشدد أنَّ الحصول على نوم كافٍ وجيد أمرٌ ضروري أيضاً.
يوضح الدكتور توبول: "في كل ليلة، لدينا هذه الفضلات في دماغنا، وهي نواتج أيضية، وهي سامةٌ جداً وتحفّز الالتهاب، ونحتاج إلى التخلص منها عبر ما يُسمى بالقناة الغليمفاوية، التي اكتُشفت في السنوات الأخيرة".
اكتُشفت القناة الغليمفاوية عام 2012، وتعمل كنظامٍ لتصفية الفضلات في الدماغ، حيث تنقل هذه الفضلات عبر شبكةٍ من الأنفاق. وقد أظهرت دراساتٌ لاحقةٌ أن هذا النظام يكون أكثر نشاطًا أثناء النوم.
يقول: "اتضح أنه إذا لم نحصل على قسط كافٍ من النوم العميق... فإننا لا نُصفّي هذه الفضلات، ما يُتيح لها فرصةً لإحداث التهاب في أدمغتنا. لذلك، علينا تحسين نومنا العميق للوقاية من الأمراض العصبية التنكسية (أي التدهور التدريجي للخلايا العصبية)".
ويوصي الدكتور إريك توبول أيضاً بممارسة قدر كافٍ من التمارين الرياضية.
ويقول لبي بي سي: "لو كان (هذا) دواءً، لكان أكبر دواءٍ ثوري لدينا".
ويضيف أن المشي السريع أو ركوب الدراجات من الأمثلة الرائعة على التمارين الهوائية، ولكن ينبغي على الناس أيضاً التفكير في أشكال أخرى من اللياقة البدنية، بما في ذلك تمارين القوة والتوازن.
يقول: "ليس بالضرورة أن تكون التمارين مُفرطة أو قاسية، فحتى الأنشطة الخفيفة المُستمرة مُفيدة".
كما ارتبط التفاعل الاجتماعي وتجنب العزلة بانخفاض خطر الإصابة بالخرف، على الرغم من اختلاف العلماء حول مدى ذلك.
قدّرت لجنة لانسيت لعام 2020 أن القضاء على العزلة الاجتماعية سيقلل من انتشار الخرف، بنسبة 4 في المئة عالمياً.
أجرت جامعة سيدني دراسة أخرى، حللت نتائج 13 دراسة دولية من مناطق تشمل أستراليا وأمريكا الشمالية وعدة دول في أوروبا وأمريكا الجنوبية وآسيا وأفريقيا، وبحثت بدقة في أنواع التفاعل الاجتماعي الأكثر تأثيراً.
يقول الدكتور سوراج سامتاني، أحد مؤلفي دراسة جامعة سيدني: "وجدنا أن التفاعلات المتكررة -شهرياً أو أسبوعياً- مع العائلة والأصدقاء، والتحدث مع شخص ما، تقلل من خطر الإصابة بالخرف. كما وجدنا أن العيش مع الآخرين وممارسة الأنشطة المجتمعية يقلل من خطر الوفاة".
يُعتقد أن التواصل الاجتماعي يساعد على تعزيز القدرة على مواجهة آثار مرض الزهايمر في الدماغ -المعروف باسم الاحتياطي المعرفي-. كما يمكن أن يساعد في تعزيز السلوكيات الصحية مثل ممارسة الرياضة، وتقليل التوتر والالتهابات، وفقاً لجمعية الزهايمر في بريطانيا.
يقول الدكتور توبول إن السيدة "إل. آر" هي النموذج الأمثل، "إنها تتمتع بشخصية مشرقة للغاية، وهو ما يتوافق أيضاً مع كثرة التفاعلات الاجتماعية. ولديها أيضاً العديد من الهوايات، فهي رسامة زيتية، وقد فازت بجوائز".
ويضيف: "هذا ما يجب أن نطمح إليه؛ شيخوخة صحية".
ويتوقع الدكتور توبول أيضاً أن يساعد الذكاء الاصطناعي الأطباء على معالجة كميات هائلة من البيانات، للتنبؤ بالأمراض المرتبطة بالعمر والوقاية منها في المستقبل، بما في ذلك التنبؤ بالعمر الذي يُحتمل أن يُصاب فيه الشخص بتلك الأمراض، والتدخل بإجراء تغييرات في نمط الحياة مُبكراً.
ويقول: "نحن نتحدث عن منع حدوث المرض من الأساس، وليس فقط منع النوبة القلبية الثانية بعد الإصابة بالأولى".
وبينما يصف الدكتور توبول هذا النوع من تحليل المخاطر بأنه "تغيير جذري"، يتوخى البروفيسور جيمس الحذر بشأن مدى واقعية مطالبة الناس بإجراء تغييرات جوهرية في حياتهم، حتى مع توافر مثل هذه المعلومات لهم.
ويضيف: "يمكنك أن تقول: انظر، لماذا لا يتناول الجميع الطعام الصحي؟ كما تعلم، يجب اتباع نظام غذائي سليم، وتناول طعام صحي، والذهاب إلى النادي الرياضي، والركض، وما إلى ذلك. لكن معظم الناس لا يملكون الوقت الكافي للقيام بذلك".
ويختتم قائلاً: "لا أعتقد أننا قريبون من أيّ حلٍ سحري وشيك".